عدم إجراء الانتخابات المبكرة.. السيناريو المحتمل

Saturday 9th of January 2021 07:18:32 PM ,
العدد : 4847
الصفحة : آراء وأفكار ,

 سالم روضان الموسوي*

عندما انتفضت الجماهير ضد منظومة الحكم القائمة في العراق كان من أولى مطالبها تغيير الطبقة السياسية الحاكمة، وظهر ذلك جلياً في الشعارات والمطالب التي حملتها تلك الجماهير، وكانت الغضبة الشعبية في تشرين من عام 2019 اشد من سابقاتها،

لأن الجماهير وجدت إن تلك الطبقة السياسية لا تعير بالاً لمعاناتهم، وقدم الشعب القرابين من أجل الظفر بمكسب يعيد للبلاد ألقها وللشعب كرامته، حتى تعدى عدد ضحايا الانتفاضة الآلاف بين شهيد وجريح ومن كافة قطاعات الشعب بما فيهم أبناء القوات الأمنية، وكان هذه الدماء قد عبرت عن وحدة الهدف والمطلب لأن من بين الضحايا من المنتفضين ومن أبناء القوات الأمنية والقوات المسلحة ، وكذلك من أبناء الشعب الذين لم يشاركوا في الانتفاضة وغيرهم، ومن الموظفين والعاملين في كل القطاعات، حتى أن آثار تلك الانتفاضة قد طغت على كل الحياة بما فيها الجانب الاقتصادي الذي أسهم في تشديد قبضة الفقر والفاقة على المواطن، مثلما كان لها الأثر الواضح في تجهيل المواطن عندما أغلقت المدارس، وأثرت في البنية الاجتماعية، وتحت هذه الظروف وسعيا ًمن الطبقة الحاكمة لامتصاص الغضب الشعبي قامت بمناورة تجلت في استبدال الوجوه، مع خطوة ناقصة وغير مكتملة في تشريع قانون بديل لقانون الانتخابات، الذي كان السبب الرئيس في وصول تلك الطبقة السياسية إلى الحكم والبقاء فيها دون تبديل ودون منفعة للشعب، ثم حصل وأن تم تأخير إقرار هذا القانون بشكله النهائي، عندما أجّلوا التصويت على مادة فيه تتعلق بالدوائر الانتخابية، وكان الهدف هو التسويف لحين امتصاص الغضب الشعبي ومن ثم الالتفاف على القانون عبر وضع دوائر انتخابية يخرجون بها من عنق الزجاجة بأقل الخسائر الممكنة، ثم استبدل رئيس الوزراء بآخر ، مع بقاء ذات الآلية التي يعمل بها، وأعطى وعداً بإجراء انتخابات مبكرة، لكن قامت تلك الطبقة وعبر أذرعها الممتدة في مفاصل الحكم، إلى افتعال الأزمات واحدة تلو الأخرى من أجل منع إجراء تلك الانتخابات المبكرة حتى تنتهي الدورة الانتخابية الحالية، ويعود الحال إلى ما كان عليه قبل الانتفاضة، وهذا ما هو محل اتفاق جميع الفرقاء ويكاد يكون الموضوع الوحيد الذي حظي باتفاقهم، وهم الذين يختلفون على كل شيء، وهناك سيناريو محتمل لعدم إجراء الانتخابات المبكرة، وبوسائل قانونية ودستورية، وهذا السيناريو يبدو كان معد مسبقاً، منذ أول لحظة ظهور الغضب الشعبي، حيث أطالوا أمد إقرار قانون الانتخابات، حتى خبت فورة الغضب الشعبي، كما أنهم قد افتعلوا أزمة المحكمة الاتحادية العليا وعدم اكتمالها وعدم إقرار قانونها، مع أن ما عليه القانون النافذ للمحكمة الاتحادية العليا لا يوجد فيه أي نقص والمنظومة التشريعية فيها من النصوص القانونية التي تسعف رئيس الجمهورية في معالجة النقص في نصابها، لكن الغاية يبدو مبيتة منذ لحظاتها الأولى عندما افتعلت الأزمة، حتى إنهم الآن يلمحون إلى عدم إمكانية إجراء الانتخابات المبكرة لأن المحكمة الاتحادية غير مكتملة النصاب، وأن قانون تعديل قانونها لم يشرع لغاية الآن، وحيث أن الفصل التشريعي قد انتهى باستثناء تمديده لغاية التصويت على قانون الموازنة العامة، فان بعضاً من حواشي تلك الطبقة السياسية أشاروا إلى أن مجلس النواب لا يمكن له أن يصوت على أي قانون آخر غير قانون الموازنة العامة، مع التنويه إلا أنهم سبق وأن شرعوا قوانين تعدل قانون الانتخابات خلال فترة انتهاء الفصل التشريعي لأنه كان يمثل منافعه، وهذا يعني أن مناقشات ذلك القانون ستأخذ مداها الزمني الذي يمتد إلى أكثر من شهرين مثلما صرح أحد النواب، وبعد ذلك سوف تكون هناك عطلة تشريعية إلزامية أمدها شهرين، وحيث إننا الآن في الشهر الأول من عام 2021 فان الموازنة سيكتمل التصويت عليها في حال توفر النية الصادقة في بداية الشهر الثالث، وسيكون تاريخ انتهاء الفصل التشريعي الثاني في نهاية الشهر الثالث، وبعد شهرين سيجتمع المجلس مرة أخرى لبدأ سنة تشريعية جديدة، أي في بداية الشهر الخامس من هذا العام ، وحيث أن رئيس الوزراء قد حدد تاريخ إجراء الانتخابات المبكرة في 6/6/2021 وفي هذه الحالة سنقف عند مانع دستوري وهو وجوب أن يحل البرلمان قبل إجراء الانتخابات بمدة لا تقل عن (45) خمسة وأربعين يوماً على وفق ما جاء في المادة (56/ثانياً) من الدستور، أو بمدة يحددها رئيس الجمهورية أقصاها (60) ستون يوم في حال حل البرلمان قبل انتهاء دورته الاعتيادية وعلى وفق أحكام المادة (64/ثانياً) من الدستور، وحيث إن المدة بين بداية السنة التشريعية الجديدة والتاريخ المحدد من رئيس الوزراء لإجراء الانتخابات المبكرة هو ستة وثلاثون يوماً فقط، وحتى لو قرر البرلمان حل نفسه فان المدة غير كافية ومن ثم سوف يحصل تأجيل آخر، مع الالتفات إلى نقطة مهمة إن مجلس النواب لربما سيبدأ بمناقشة قانون المحكمة الاتحادية العليا وسوف يأخذ وقتاً أطول تحت عنوان الاختلاف بين الكتل السياسية، مما يعدم أصلا فكرة وجود انتخابات مبكرة، وإذا قام المجلس بحل نفسه دون أن يشرع قانون المحكمة الاتحادية العليا فإننا أمام معضلة كبرى تتمثل بكيفية التصديق على الانتخابات المقبلة طالما المحكمة غير مكتملة النصاب، وهكذا سوف نعود إلى الحلقة المفرغة، ونعود إلى إلغاء فكرة إجراء انتخابات مبكرة، تحت ذريعة دستورية، هم من خلق ظروفها، حتى يتم الالتفاف على مطالب الجماهير، ومن الممكن جداً ان يختلفون في الجهة التي لها حق حل البرلمان إذا ما لم يحل نفسه بنفسه، حيث توجد أفكار بان البرلمان هو فقط من يحل نفسه وليس لسواه أي دور في ذلك بينما يوجد رأي آخر، وأنا من مؤيديه ومعاضديه، إن لرئيس الجمهورية مع رئيس الوزراء مجتمعين سلطة حل البرلمان وأوضحت هذا الرأي عبر صحيفة المدى وفي وسائل الأعلام الأخرى، وعند ذاك سيظهر الخلاف وقد يتفقون على أن يختلفوا لإطالة أمد بقاء المجلس في دورته الحالية حتى انتهائها، ثم سيطلبون تفسير المحكمة الاتحادية العليا، ويقف الموضوع عند هذه النقطة دون حل أو معالجة لأن المحكمة غير مكتملة النصاب، وهذا هو السيناريو الذي أتوقع أن يحدث خلال الفترة المقبلة، في ضوء المعطيات الحالية، التي يراها كل مراقب للوضع السياسي في العراق، مع إن لرئيس الجمهورية، السلطة والصلاحية الكاملة لمعالجة أزمة نقص الأعضاء في المحكمة الاتحادية العليا وبمفرده وهذا ما عرضته في أكثر من مناسبة عبر صحيفة المدى وسائر وسائل الإعلام، كذلك لرئيس الجمهورية ورئيس الوزراء كامل السلطة في حل مجلس النواب حتى وأن رفض حل نفسه على وفق الأسباب التي عرضتها في حينه عبر دراسات ومقالات نشرتها وسائل الإعلام والتي أيدها أكثر من مختص في القانون الدستوري، لكن يبقى الأمل قائم طالما كانت الجماهير متيقظة لكل محاولات وأد حركتها وإطفاء مشعلها، وإن شباب العراق هم الأمل وهم من ذخيرة الأمة للنهوض بواقعنا، وهذا ما يجعل النفوس مطمئنة لغد أفضل وعلى وفق الحديث النبوي الشريف (إن النفس إذا أحرزت قوتها اطمأنت) والشباب قوت الشعب وقوته.

قاضٍ متقاعد