الفرادة الفكرية والجمالية في مراسلات جورج لوكاتش

Saturday 9th of January 2021 07:22:18 PM ,
العدد : 4847
الصفحة : عام ,

علاء المفرجي

ولد في بودابست عام 1885 وتوفي فيها عن ستة وثمانين عاماً في الخامس من تموز 1971. وهو فيلسوف ومفكر ماركسي. ناقد أدبي، اهتم بعلم الجمال والفن، وانشغل بالسياسة. درس الحقوق في بودابست. وبرلين حيث حصل على الدكتوراه.

كتاب مراسلات جورج لوكاتش الصادر عن المدى، بترجمة نافع الملا، وهو جزء من الأعمال والوثائق الخاصة التي ظهرت بعد وفاته بعام ونصف العام، حيث ظهر الكثير منها لتضاف إلى المكتبة الغنية من المؤلفات والأعمال التي توثّق حياته الزاخرة بالإبداع.

كان كتابه الأول صدر بعنوان «الروح والأشكال» الذي تجلت فيه نظرته الفلسفية والجمالية من خلال دراسات تناول فيها مجموعة من الأدباء والشعراء، والفنانين. وعاش في هايدلبرغ بين عامي 1912 – 1917 ومنذ عام 1917 ساهم في نشاطات كل من (حلقة الأحد)، و(المدرسة المستقلة للعلوم الفكرية) وفي عام 1915 التحق بالخدمة العسكرية غير المسلحة (خدمة ثابتة)، ولكن أعفي منها عام 1916. وقد زادت الحرب العالمية الأولى من كرهه للرأسمالية، فوجد طريق الخلاص في الثورة. فانتسب إلى الحزب الشيوعي المجري. وصار مسؤولاً سياسيّاً في الجيش الأحمر، خلال فترة ما يسمى الجمهورية النيابية أو جمهورية المجالس في المجر. بعد سقوط الجمهورية، لجأ إلى فيينا، ومارس من هناك عمله السياسي كعضو لجنة مركزية في الحزب الشيوعي المجري. حضر أعمال المؤتمر الثالث للكومنترن في موسكو.

ومنذ عام 1926 أشرف على معهد ماركس – إنجلز – لينين. وفي عام 1945 عاد إلى وطنه الأمّ «المجر»، وإلى العاصمة بودابست بالذات، وغدا نائباً في المجلس البلدي، لكنه استقال من منصبه ليصبح أستاذاً في الجامعة، ثم عضواً فخريّاً لأكاديمية العلوم المجرية. وفي تلك الآونة، دار في هنغاريا ما يسمى (جدل لوكاتش) الذي تركزت مناقشاته حول نظرة جورج لوكاتش حول الديمقراطية.

عيِّن عام 1956 وزيراً للفنون الشعبية. شارك في أعمال اللجنة التنظيمية المؤقتة لحزب العمال الاشتراكي المجري. وفي تشرين الثاني من العام نفسه التجأ إلى السفارة اليوغسلافية في بودابست، وغادرها بعد أسبوعين. اعتقله السوفيت، ونفي إلى رومانيا، ثم عاد إلى الوطن – منفاه الداخلي – فلم يسمح له بنشر أعماله إلّا في الصحف الغربية.

الكتاب إذن يقتصر على الرسائل المؤرخة حتى عام 1917 فقط. وولّد اكتشافها، صدى واسعاً في الصحافة الألمانية. ويعود الفضل في هذا الاكتشاف للدراسة التي أعدها فريتز رداتز، وأصدرها في كتاب يتضمن معطيات عن سيرة حياة جورج لوكاتش، أوقعت أحد موظفي البنك، في شكوك دفعته للتأكد من صاحب الخزانة المجهول. احتوت المحفظة إضافة إلى المخطوطات اليدوية، والمذكرات، والملخصات – على رسائل من جورج لوكاتش وإليه (ألف وخمس مئة رسالة معنونة إليه، وخمس مئة رسالة كتبها بخط يده)، تشكل معظم محتويات المحفظة.

يقول مترجم الكتاب بإضاءته، التي تصدرت كتاب المراسلات: " لقد قام معدّو (كتاب المراسلات) في هنغاريا باستكماله فأضافوا إلى الرسائل المودعة كل ما أمكنهم العثور عليه من الرسائل التي تخص المفكر المجري الكبير. إلّا أن الغالبية العظمى من المودعات كانت بالدرجة الأولى بين الفيلسوف الشاب جورج لوكاتش وصديقه الفنان التشكيلي والناقد ( ليو بوبر). وقد أضيف إليها بعض الرسائل التي احتفظت بها زوجة الصديق.

وتأتي في الدرجة الثانية مجموعة الرسائل التي تمَّت بين جورج لوكاتش والكاتب المسرحي الألماني آرنست باول من رسائل قد وصلته من الفيلسوف."

قام معدّو (كتاب المراسلات) باصطفائه من بين هذه المجموعة الكبيرة لتشكل وثيقة تاريخية ثقافية، لا نقرأ فيها بدايات تشكل عبقرية الفيلسوف، فحسب، بل نقف من خلالها على الخصوصيات التاريخية والثقافية، والاتجاهات الفلسفية والأدبية والنقدية السائدة في تلك الفترة، ما بين نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وهي الفترة ذاتها التي قدمت عبقريات فلسفية، واقتصادية (نيتشه، برغسون، ماكس فيبر) وترعرعت فيها قامات أدبية مرموقة من كتاب رواية ومسرحيين (توماس مان، إبسن) وشعراء (أدي أندره).

الرسائل تقودنا إلى استشفاف الاتجاه الفكري للوكاتش، وحياته، وخصوصيته الإنسانية، وفرادته الفكرية والجمالية، وتضعنا، إن كان يهمنا الأمر، أمام سؤال قوي: هل جورج لوكاتش فيلسوف مجري، أم ألماني. (احتوت على رسائل باللغة المجرية، ورسائل باللغة الألمانية ترجمت إلى المجرية)، ثلاثمئة وخمسون رسالة فكرية، فنية، فلسفية، شديدة الخصوصية، والغنى الإنساني.

وأخيراً يقول نافع الملا مترجم الكتاب:" ثلاثمئة وخمسون رسالة ترددْتُ كثيراً في الإقدام على ترجمتها، حتى شجعني الصديق الدكتور ثائر ديب مراراً، وتكراراً، وإصراراً، فتصديت لترجمة هذه المراسلات التي أرهقتني، وأمتعتني، وآمل منها أن تقدم للقارئ العربي المتعة، والفائدة المرجوّة من كل تواصل ثقافي يقرّب بين البشر ويطفئ لهيب التناحر الحضاري فيما بينهم، فوق كرتنا الأرضية – النارية.