أوراق كامل شياع.. عمق التوجهات والأفكار النقدية

Sunday 24th of January 2021 10:05:07 PM ,
العدد : 4858
الصفحة : عام ,

جمال العتّابي

بمثل هذا الأثر الأدبي الواسع المعالم يقدم لنا كامل شياع ملامح جديدة من قراءات في الشأن الثقافي والرواية والفن والشعر، في كتاب صدر له مؤخراً 2021 دار المدى،

من إعداد شقيقه فيصل عبد الله، وإذا كان فيصل قد أفلح في إختيار عنوان الكتاب(أوراق كامل شياع)، فإنه قد أفلح في التعريف بكاتب لم نعرف عن كتاباته قبل عقدين أو أكثر من عام 2033، أي منذ أن غادر كامل العراق، يوم صارالوطن مجمرة، والموت حارس البوابات الشرقية.

أوراق كامل بمجموعها تمثل المقالات التي كتبها ونشرها منذ بداية تسعينيات القرن الماضي في الصحف والمجلات التي تصدر في لبنان وسوريا، أو في بلدان أوروبية، يرصد فيها الفنون المجاورة للأدب، و من المؤكد أن كامل شياع هو أحد الكتاب الذين يثيرون لدى القارئ فاعلية الجدل، حين يتناول الموضوعات الساخنة والحميمة التي تطالعنا في أجناس مختلفة ومتعددة في ميادين الإبداع، ليس بوسعنا في هذه المقالة أو الخلاصة أن ننقل سحر هذا العمل وألقه، إنه تفاعل يقظ ومدهش، قادر على التجاوز، وكامل قادر على التجاوز وأن يعطي معاني جديدة للأشياء، فالكتابة عنده متعة ومعاناة، والفكرة شاغل مستمر في عقله، تستحق المزيد من التفكير والتأمل.

أقول بثبات ويقين :إن كامل نمط من المثقفين لا خيار لهم إلا الإشتغال بالكلمة والمعرفة والحوار، تجربته الفريدة تلخص لنا عالماً من الإنتماء الى هذا العالم ومحيطه، تجربة تعيد صياغة معنى الثقافة لتسمو بها اليوميات، يجد في فهمه للثقافة إكتشافاً للمعاني الإنسانية، عبر ما أنتجته عقليته النيرة، هو من القلة القلائل الذين يجيدون التحدث بست لغات ويكتب فيها، ومن صفوة المثقفين الذين تخصصوا في الكتابة عن الموسيقى والسينما والتشكيل والإجتماع والسياسة، فضلاً عن الكتابة في المسائل الأدبية الأخرى، مع تفوقه في تخصصه الدقيق في الفلسفة، إذ قدم أطروحته للماجستير بعنوان( اليوتوبيا معياراً نقدياً). وهو أبرز المشتغلين في هذا المجال، وله إجتهاداته التي فتحت آفاقاً رحبة في هذا الميدان.

في أوراقه يعمّق كامل توجهاته النقدية، ويعطي مفهومي الأدب والنقد بعداً فلسفياً عميقاً، يجد فيهما ضرورة فكرية وحاجة إنسانية، النقد كما يعتقد حالة مختلفة عندنا، لم يتأصل حامله الذي هو العلم، أو بالأحرى الروح العلمية كمرادف للتجرد، وشياع يكتب بتجرد ونبل وتواضع، مؤمن بإمتياز بالحداثة في اللغة والترجمة والخطاب، مؤمن بالعقل والتنوير والحرية، والتوق الى الحقيقة، والتحضر بأشمل معانيه وأرقّاها، هذا النزوع يضطرم في عقله وقلبه ووجدانه، صادراً عن تنبه وتيقّظ، كضرورة ثقافية وإنسانية، لقد إكتسب كامل مناعة خاصة ميزته عن الآخرين في نظرته للثقافة بشكل عام وللثقافة العراقية على وجه الخصوص، في مناقشاته لأفكار سمير أمين وإدور سعيد ومحمود صبري، الثقافة بنظره جهد حضاري ومشاركة لفعل إبداعي، لا تسمح بالإنطلاق نحو الخيالات والأوهام، ويسجل لكامل شياع موقفه المختلف المعارض لإولئك الذين راهنوا على الحرب الأميركية قبل 2003، إذ يقول:لا أتفق مع هؤلاء لحل الأزمة العراقية، وأجد موقفهم كموقف من يرى الأشجار دون الغابة، لا أتفق مع حججهم الذرائعية، جلّ ما أخشاه في مهادنة مثقفينا للأمر الواقع من منظور يتناسى أيديولوجية ودوافع الإدارة الأميركية.

إمتياز كامل أن يمتلك بعد نظر في ما سيحصل من أحداث، لا أقول نبواءت، حتى تلك التي تتعلق بإستشهاده، انما هو يستشرف المستقبل بالمعرفة، لذلك لم يشاطر البعض تفاؤلهم بأن إسقاط النظام في بغداد سيعود بالعراق الى حالته الطبيعية المتخيلة، على المثقف ان لا يكون داعية سياسية عسكرية عدوانية.

ثمة معانٍ من الإفصاح والإشراق في هذه النصوص، تبقى تحتفظ بأثرها الحي، فهو يتواصل معنا قارئاً نقدياً واعياً، في نص جميل ورائع (تنبيهات غائب) عن روايته (المرتجى والمؤجل)، وتتنوع أراء كامل في النصوص، ويقدم نفسه ناقداً روائياً بإمتياز، وهو يراجع الرجع البعيد لفؤاد التكرلي، وفيصل دراج في كتابه (نظرية الرواية والرواية العربية)، وفولتير في أقصوصة(كانديد)، وكونديرا في الفن الروائي، وتقييم محاولة جورج طرابيشي في(شرق وغرب)، وأهم القراءات تلك التي قدم فيها مرثية لليسار العربي، في (وليمة) حيدر حيدر. إن مجمل أراء كامل في الرواية تهتم بالفن الروائي رفيع المستوى، قيمته الأساس تكمن في عمقه ودلالاته وتعبيره الصادق عن الإنسان، إنه ينطلق بالكلمة بإتجاه كل الفضاءات. وهي المسافة التي ذاتها التي ينحاز إليها الكاتب في تناوله للموسيقى والتشكيل وفن الأوبرا، والسينما، والشعر في أعمق نداءاته الإنسانية.

أوراق كامل شياع تقودنا إلى طرح السؤال التالي: كم من الوقت استطاع كامل وهو في عمر الشباب أن يؤسس لهذا الخزين من المعرفة والتجارب، وتعلم اللغات والدراسة، كم أمضى من السنوات وهو يبحث في الآمال الكبيرة، والرؤى وأفكار الحداثة، أين تعلم التواضع، والخلق الرفيع، والأدب العالي، كما تعبر نصوصه المكثفة المتوغلة عميقاً في التعبير عن الحس الداخلي للإنسان.