اقتصاد مريع وفقر متصاعد في العراق ومخاوف من عدم الاستقرار

Saturday 6th of February 2021 09:56:19 PM ,
العدد : 4867
الصفحة : ترجمة ,

 ترجمة: حامد أحمد

عند سوق منطقة الكاظمية العريقة شمالي بغداد تجد المحلات التجارية المختلفة بواجهاتها المضيئة والملونة تملأ شوارع وأزقة المنطقة ،

حيث الأكشاك وبائعو الشاي ومحلات الألبسة وبيع الحلويات تبقى مفتوحة لساعات متأخرة من الليل . ولكن أصحاب المحلات يقولون إنه لم يعد هناك من يشتري كما هو الحال قبل تخفيض قيمة الدينار مقابل الدولار .

سعد سلمان ، صاحب أحد محال الحلويات في سوق الكاظمية، يقول " ما يتعلق بالوضع الاقتصادي وارتفاع قيمة الدولار فان ذلك أدى الى تراجع القوة الشرائية للناس ، هذا الشيء أضر بالناس كثيراً . من اعتاد أن يشتري منا كيلو غرام من الحلويات أصبح يشتري الآن نصف كيلو ، وهذا يعكس تراجع القوة الشرائية ."

وكانت الأوضاع الاقتصادية في العالم بأسره قد تضررت كثيراً بسبب إجراءات الحظر التي رافقت تفشي وباء جائحة كورونا . صندوق النقد الدولي ذكر في تقرير له صدر في تشرين الأول أن معظم اقتصاديات بلدان الشرق الاوسط قد عانت كساداً و ركوداً اقتصادياً . ولكن هناك قسم من البلدان كان وضع الضرر الاقتصادي عليها أكثر حدة من البلدان الاخرى ومن بينهم العراق . فان اقتصاده اقتصاد ريعي يعتمد بشكل أساس على ما يصدره من نفط ، وهبطت نتيجة ذلك واردات ميزانية البلاد هبوطاً حاداً لحد الإفلاس وذلك لتراجع أسعار النفط نتيجة تكدسه في سوق النفط العالمية وقلة الطلب عليه .

وتقدر وزارة المالية وجود 7 ملايين عراقي (من مجموع 40 مليون نسمة) يتلقون مرتبات واستحقاقات تقاعدية ورعاية اجتماعية من الحكومة . ويشير البنك الدولي ، من جانب آخر ، الى أن واردات الحكومة هبطت بنسبة 47,5 % خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الماضي . ومع شُح واردات النفط بشكل كبير فان الحكومة كانت تدفع المرتبات والاستحقاقات التقاعدية لمواطنيها بشكل متقطع ومتأخر . ويقول اقتصاديون بأن معدل الفقر في العراق قد ازداد من 20 % خلال العام 2018 الى أكثر من 30 % العام الماضي .

وفي محاولة لجعل تسديد تلك المرتبات أسهل وكذلك تشجيع الناس لشراء المنتجات المحلية بدلاً من الاعتماد على الاستيرادات، قامت الحكومة في كانون الأول بتخفيض قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار بنسبة 20 % تقريباً . ولكن لقلة المنتوج العراقي فان الناس ليس لديهم خيار سوى شراء البضائع المستوردة والتي ازداد سعرها الآن بسبب هذا الإجراء .

عند محل بيع الحلويات في سوق الكاظمية يقف صاحب المحل ، سلمان ، وهو مهموم . ويقول إن سعر كيس السكر ازداد بمعدل الثلث وكذلك أسعار المكسرات مما حدى بأسعار منتجاته تزداد عما كانت عليه وهذا جعل الناس لا تقبل على الشراء كما في السابق بسبب فرق السعر .

وأضاف بقوله "الآن بسبب ارتفاع صرف الدولار وتراجع قيمة العملة فان أصحاب المرتبات التقاعدية من الناس البسطاء وذوي الدخل المحدود لا يستطيعون الإقدام على الشراء بقوة ، وأصبح هناك طبقة غنية وطبقة فقيرة من المجتمع".

علي الصفار من وكالة الطاقة الدولية يقول "اعتقد أن أحسن وصف يمكن أن يطلق على الوضع الاقتصادي للعراق هو اقتصاد مروع." مشيراً الى أن الأوضاع في العراق تنذر بعدم استقرار .

وقال الصفار "جذور المشكلة هو أن بنية اقتصاد البلد بنية هشة منذ عدة عقود . العراق يعتمد على واردات النفط بنسبة 98 % وكل شيء يذهب للحكومة ، هذا يعني أن حجم الدولة ازداد أكبر مما هو مطلوب مقابل تراجع نمو القطاع الخاص وما يجب أن يكون عليه من نمو لأجل خلق فرص عمل ."

من جانب آخر يعاني العراق أيضاً من أعباء إعادة إعمار المدن التي دمرت وتضررت أثناء المعارك لتحريرها من مسلحي تنظيم داعش .

على مدى سنوات ، إن لم يكون عقود ، كان خبراء اقتصاديون يؤكدون أنه من المهم جداً بالنسبة للعراق أن تكون لديه موارد اقتصادية متنوعة أكثر وقطاع خاص كبير لكي لا يتم الاعتماد فقط على واردات النفط . ولكن رغم مبادرات التنمية الدولية الصغيرة والكبيرة ، فان القطاع الخاص ما يزال يتراجع حجماً بسبب سياسة البلد الاقتصادية .

وزير المالية ، علي علاوي ، لديه خطة . وقال لموقع NPR الإخباري " يجب أن يكون لنا توجه مختلف تماماً في طريقة حصول الدولة على واردات الخزينة وطريقة تخصيص الموارد لقطاعات البلد المختلفة ." وقال إن هناك اقراراً سياسياً وشعبياً بان الإصلاحات الاقتصادية يجب أن تطبق . مبادرة الورقة البيضاء للإصلاح الاقتصادي التي طرحتها الحكومة العام الماضي تتضمن المئات من الخطوات الراسخة التي يجب تفعيلها عبر ثلاث إلى خمس سنوات قادمة ، والخطوة الاولى ستكون بتخفيض قيمة العملة .

في هذه الأثناء يسعى العراق للحصول على مليارات الدولارات من خلال قروض من صندوق النقد الدولي للتخفيف من المعاناة الحالية وتلافي حدوث تحديات سياسية .

المحلل السياسي سجاد جياد يقول " إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه ، وإذا استمرت اسعار النفط بالتراجع فان الأمور ستكون أصعب بكثير وتولد امتعاضاً ويأساً لدى الناس ."

وكانت احتجاجات شعبية قد عمت البلاد عبر السنة والنصف الماضية ويخشى أن تعود من جديد إذا ما ازداد الوضع الاقتصادي سوءاً ، ويقول نشطاء بأن تزايد نسبة الفقر هي إحدى العوامل التي قد تؤدي الى استمرار هذه الاحتجاجات .

زياد أسعد ، أحد النشطاء الذين شاركوا في مظاهرات سابقة ضد الحكومة ، يقول " الوضع الاقتصادي في جميع أنحاء العراق يشهد تراجعاً نحو الاسوأ يوم بعد يوم . سنشهد مزيد من الاحتجاجات في الساحات والشوارع جراء هذا الوضع ."

عن موقع NPR الاميركي