مافيات وتجارة بالبشر .. فضائح السجون العراقية وتأثيرها على أهالي السجناء

Saturday 13th of February 2021 10:09:28 PM ,
العدد : 4872
الصفحة : ترجمة ,

 متابعة المدى

تعيش عائلة مصطفى المكونة من تسعة أفراد، في نفس البيت ببغداد منذ 33 عاماً، وقد قرروا، مع بداية الحكم قضائياً على مصطفى بالسجن، الانتقال لسكن آخر دون أن يبلغوا أحداً بمكانه.

تقول والدة مصطفى (31 عاماً) ": "لا شيء يداوي الإحساس بالعار إلا الهرب".

وقد قضت المحكمة على مصطفى قبل سنوات بالسجن وفق المادة "281" من قانون العقوبات المعنية بالتزوير، فشعرت عائلته بأن للحكم تبعات على حياتهم الاجتماعية.

وتضيف والدته "الحكم لم يكن مجرد عقوبة لشخص واحد، إنما لكل أفراد العائلة، لدرجة أن الأقارب والمعارف ابتعدوا عنا، لأنهم يرونه عاراً".

وقررت العائلة في منطقة سكناها الجديد، أن لا تخبر الجيران بقصة مصطفى، حتى "لا ينفروا منهم" أو "يعايروهم"، وكي "لا تتأثر سمعة" شقيقاته الثلاث.

في هذا الشأن، تقول الناشطة الحقوقية نادية عبد، إن المجتمع العراقي "يربط عادة عائلة السجين بالعار وعمليات المساومة والابتزاز التي تُفرض على أفرادها خاصة الزوجة والأم والأخت".

وتوضح " أن معارف عائلة المسجون يصفون الأخيرة عادة بـ"المشبوهة" لأن دخول السجن يعني "تعرض السجين أو نساء عائلته لاغتصاب واعتداءات جنسية من نوع آخر".

وتواجه العائلة الوصمة الاجتماعية هذه حتى عندما تسقط التهم عن السجين ويحكم ببراءته.

تقول عبد "لكن عندما يكون السجن مصير امرأة أو فتاة، فإن الأمر أصعب من ذلك بكثير، لأنه فضلاً عن تكهنات تعرضها داخل السجن لاعتداءات جنسية، فإنه دائما ما يتم قتلها (غسلاً للعار) بعد الإفراج عنها حتى وإن كانت الجريمة التي ارتكبها دفاعاً عن النفس أو الشرف".

المحامية وداد طه خليل، ترى أن ما صرح به مؤخراً رئيس مؤسسة الإصلاح والتغيير صباح الكناني، حول سلسلة انتهاكات خطيرة داخل السجون العراقية، في مقابلة متلفزة، أثارت موجة من الاستنكار والغضب "ليس لأنها جديدة وغريبة بل لأن الناس لم تعد تتحمّل الخراب الذي حل بالبلاد، رغم أن ما يحدث اليوم في السجون لا يختلف عما كان يحدث في سجون النظام السابق".

وبحسب الكناني، فإن السجون "تُدار من قبل مافيات خارجها، بالتعاون مع عصابات داخلها".

وقال إن "هذه المافيات مقسمة بين من تروّج المخدرات ومن تبيع وتشتري السجناء، وثالثة معنية بالأطعمة، وأخرى متخصصة بإدخال الهواتف النقالة وشبكات الإنترنت".

كما "يتم التواطؤ بين المافيات وبعض الضباط والمسؤولين، لقاء مبلغ مادي، لنقل شبّان صغار السن إلى مكان سجن آخرين يعتدون عليهم جنسياً".

وتابع أن "كبار السجناء باتوا أشبه بالعصابات ويمتلكون الكثير من الأموال. ويصل سعر الشخص المنوي الاعتداء عليه إلى نحو 10 آلاف دولار أميركي ليتم اغتصابه".

ورأى الكناني أن الأمر تعدّى وجود عمليات مساومة وابتزاز لعائلات المعتقلين، من خلال التواصل مع زوجات المعتقلين وأمهاتهم بدعوى نقلهم إلى مكان أفضل داخل السجن أو وقف التعذيب عنهم، وكله من أجل الحصول على مبالغ مالية.

وأكد أن "لديه شهادات وتسجيلات مسرّبة من عائلات سجناء ومن نساء سجينات تعرضن إلى الاغتصاب".

بالعودة إلى المحامية وداد طه خليل، تقول لـ "ارفع صوتك" إن السجون "أرض خصبة لعمليات الاتّجار بالبشر، والاعتداءات الجنسية، وتجارة المخدرات والأدوية وغيرها من الهواتف النقالة والمستلزمات".

وتضيف "لا تقف الأمور عند التجارة فقط، بل تصل إلى تعذيب السجناء والضغط عليهم للحصول على منافع شخصية تتعلق بالمتع الجنسية أو للاعتراف زورا على أنفسهم أو لإجبارهم على دفع مبالغ مالية كبيرة".

"فضلاً عن نقص الخدمات والإهمال الطبي وتفشي الأمراض الخطيرة والمعدية مثل السل، والجرب، والتهاب الكبد وغيره" تتابع خليل.

وتشير إلى أن الحكومة عاجزة عن إصلاح في السجون العراقية، لأن القضية "كبيرة وترتبط بأحزاب سياسية وعصابات خطيرة".

في نفس السياق، يقول الناشط الحقوقي ياسر جمعة، إن "لاقتراب موعد الانتخابات البرلمانية دورا هاما في تصاعد الفضائح مثلما يحدث مع السجون".

ويضيف "رغم معرفة الأغلبية بهذه الانتهاكات إلاّ أن الكشف عنها في مثل هذا الوقت يأتي لدوافع سياسية، هدفها النيل من أحزاب وشخصيات بارزة بعينها، لصالح منافسيهم من أحزاب أخرى".

ومن المتوقع أن يستمر "مسلسل الفضائح والانتهاكات"، وفق جمعة "حتى نهاية الانتخابات القادمة، وقد يتم تبرئة كل من طالته هذه الفضائح وإيجاد المخرج المناسب لهم في حال الاتفاق على تقاسم السلطة والمكاسب".

وكان التقرير السنوي لشبكة العدالة للسجناء لسنة 2020 حول أوضاع حقوق الإنسان في السجون والإصلاحيات في العراق، وأعدته 11 منظمة عضوة في الشبكة، تضمن نتائج الزيارات الميدانية لثلاثين موقعا شمال ووسط وجنوب العراق بواقع زيارتين لكل موقع وفي فترات مختلفة من عام 2020.

ورصد االتقرير ما يأتي:

1 - اكتظاظ في 73 % من المواقع، حيث تفوق أعداد الموجودين الطاقة الاستيعابية لمعظم السجون.

2 - 90 % من الأبنية غير صالحة لتكون مؤسسات إصلاحية أو سجوناً، كما تعاني 53% من المواقع من عدم كفاية الأسرّة والأغطية والمستلزمات الأخرى.

3 - لا توفر إدارات السجون ملابس خاصة بالسجناء ولا توفر الإدارات الوجبات الثلاث، حسب معايير صحية تُراعى فيها السعرات الحرارية أو المرضى.

4 - لا تستطيع إدارات السجون توفير الخدمات الصحية الكاملة في عمومها وخاصة الخدمات الطبية النسائية وبنسبة 100 %، ,في مقدور 60 % فقط من الإدارات توفير الدراسة الابتدائية فقط، فيما لا تستطيع 90 % منها توفير الدراسات الثانوية والجامعية.

5 - نقص شديد في الباحثين الاجتماعيين.

6 - سجلت في 13 % من السجون حالات انتحار أو محاولة، أما التهديد بالانتحار فقد سجل في أغلب المواقع.

7 - لا توجد برامج إنتاجية للاستفادة من الأيدي العاملة في السجون بنسبة 100 %، وسجلت حالات ضبط المخدرات والحبوب المصنفة كمواد مخدرة في 27 % من المواقع السجنية في العراق.

8 - لا يوجد في 90% من السجون والإصلاحيات في العراق برامج إصلاحية وتأهيلية وتقويمية وفقا للمعايير الدولية، ولا توجد متابعة للمحكومين بعد إطلاق سراحهم من قبل أية جهة.

كما سجل التقرير حالات عودة لللعديد من السجناء المفرج عنهم من غالبية السجون، إلى ارتكاب الجرائم ذاتها أو غيرها

عن موقع ارفع صوتك