رسالة مفتوحة إلى الإسلاميين الحاكمين

Tuesday 16th of February 2021 10:04:30 PM ,
العدد : 4875
الصفحة : آراء وأفكار ,

 فوزي عبد الرحيم

عندما سقط النظام البعثي في 2003 فرحت لدرجة أفقدتني توازني فلم أفكر في تلك اللحظات حتى بمعنى إحتلال بلدي الذي كافحت أجيالنا وبذلت التضحيات من أجل إستقلاله فقد كان رحيل الطغمة المجرمة حلماً رهنت جدوى بقائي على قيد الحياة به،هذه الطغمة التي أذلّت شعبي الذي كان يوماً فخوراً بذاته وتاريخه والذي سفحت من أجله دماء بنات وأبناء هذا البلد بينهم أعزة قريبون لي، أما أنا فقد كنت محظوظاً لأني على قيد الحياة لم أخسر سوى أوقاتاً قاسية جميلة وفرصاً للتقدم ..

عدا عن كل ذلك كان في داخلي فرح من نوع آخر كنت أحمله لعقود وهو أني أخيراً سأعود لممارسة عملي بالشأن العام الذي أجبرت على هجره وأنا المولّه به والذي إستجمعت له كل ما أوتيت من ملكات جادت بها علي الطبيعة ومهارات تعلمتها ومعرفة إكتسبتها من أجل خدمة الناس والوطن فتلك كانت مهنتي وذاك كان قدري..كنت اتصور إنني وغيري ممن تشرفنا بعدم العمل مع حزب البعث أثناء فترة حكمه المديدة سنكون عملة نادرة تحتاجها بلادنا المدمرة ليس مادياً فقط لكن معنوياً وقيمياً فنحن الأقدر على خدمتها ومعالجة جراحها بما أوتينا من معرفة ونكران ذات وحب شديد لها ،وهنا فإني لا أتحدث عن الحلم بموقع وظيفي أو موقع قيادي الأمل كان فقط بموقع أمارس من خلاله هيامي بهذا الوطن وناسه..

بالطبع الجميع يعرف كيف سارت الأمور وكيف كانت آلية عمل الأحزاب الاسلامية وغيرها والتي وبسبب عدم تمتعها بالشعبية لجأت لفضلات حزب البعث لتؤهلهم كي يصبحوا الكادر الأساس للنظام الجديد وإستبعدت كفاءات تكونت بالأموال والجهود العراقية فكان مصيرها أن تخدم أوطاناً أخرى قدّرتها وعوضتها عن نكرانكم لها..عرضت علي طلبات من أشخاص للعمل مع قوى سياسية ينتمون لها لكني لم أجد نفسي في أي منها فحتى لغة الدعوة للإنتماء مختلفة عن تلك التي أعرفها فهي تستبطن الإغراء بالفوائد والمكاسب وبعضها صريح في ذلك..يا لخيبة الأمل ليس هذا هو الميراث الوطني الذي حملناه سنين طويلة ، لقد كان العمل العام أو العمل السياسي عملاً طوعياً خالصاً مفتوحاً على تضحيات تبدأ بالوقت ولاتنتهي إلا بالجود بالحياة،هكذا تعلمنا وتربينا...عرفت أن لا مكان لي بين هؤلاء القادمين من المنافي وعاضديهم من إنتهازيي الداخل..نعم أسميهم إنتهازيين وهم الفئة المنتصرة في كل الصراعات السياسية منذ أن وعيت على السياسة أواخر خمسينيات القرن الماضي،الحزب الإنتهازي الموحد هو الذي يحكم العراق !!..هل أنا بحاجة لأمثلة؟ لا أظن عراقياً لا يعرف ذلك لكني أذكر ذلك الآن لأني قبل فترة شاهدت في إحدى الفضائيات شخصاً يلبس الزي العسكري يتحدث بحماسة عن المقاومة ضد الإحتلال وإسرائيل وعملائهما في الداخل،لفت إنتباهي إسمه فسرحت لحظات لأتذكر إنه هو ،ما زالت ذاكرتي تحفل بالكثير من أعاجيب هذه البلاد رغم المرض والوهن والعمر..إنه هو إبن ذلك البعثي الشرس الذي لا يترك مناسبة لإبتزازنا وإزعاجنا مستغلاً معرفته بتأريخي(غير المشرف) ضد الحزب والثورة..إنه مثال وهو ليس ظاهرة فردية أو معزولة لكنها أخذتني لذكريات الستين عاماً الماضية التي قضيت جزءاً منها في العمل السياسي ومعظمها في الاهتمام ومتابعة هذا الشأن العام والخاص في ذات الوقت عندما كان العديد من الوجوه التلفزيونية منخرطين مع نظام البعث ضد (أعداء الوطن) الذين هم نحن،ترى هل من المعقول أن يصل بنا الهوان أن نفقد بوصلتنا الوطنية ولا نعود نميز بين الوطنية والعمالة فيضطر شباب متحمسون من زمان المقاومة لتعليمنا وتذكيرنا بما نسينا!!

لقد خسرت ألوف الشابات اليانعات وأقرانهم من الشباب حيواتهم في طريق لم يعرفوا أنه خاطئ حتى جاء الإسلاميون ليفقهوننا نحن المحظوظون الأحياء بمفهوم الوطنية والمقاومة..كم كنا على ضلال!! أما من قضوا دون وطنيتهم(الخاطئة) فأسأل لهم المغفرة!!

هذا الوطن..هذا الكيان الذي إسمه العراق كان عصياً على الغزاة والطامعين وأعداء وجوده ،فلم تتأثر مقومات بقاءه لا بالقمع القاسي ولا بالإبادات ولا بتغير الأنظمة السياسية ،لقد بقى كياناً راسخاً بفضل أبنائه وتضحياتهم.. اليوم واليوم فقط هذا الوطن المعطاء بلد دجلة والفرات وسومر وبابل وأكد وآشور وسلام عادل وعبد الكريم قاسم والجواهري وووو يتعرض لخطر الإختفاء والزوال.. في عهدكم فقط تغير مفهوم الوطنية وأصبح التفريط بالوطن منقبة وحبه سبة فهل تعون ما تفعلون?إن كنتم لا تهتمون للعنة التاريخ فتذكروا مصير من آذوا هذه البلاد قبلكم ؟ .

ليس كلامي موجهاً لقادة الأحزاب الإسلامية والمنتفعين منهم فهولاء لا كلام لي معهم وبيننا وبينهم عوالم من الغربة وسوء الفهم وأشياء أخرى وكما يقول النشيد الجزائري المشهور..قد مضى وقت العتاب وطويناه كما يطوى الكتاب لكنه موجه للإسلاميين المحبين لبلادهم وغير المتورطين بالفساد والذين أصر على أنهم موجودون رغم إستغراب بعض أقراني وتأكيدهم لي إن ذلك وهم معشعش برأسي،فأنا ولربما لأسباب نفسية لا أريد تصور أن الامور بالسوء الذي يعرفه غيري وتنكره نفسي..

أيها الاسلاميون ..إذا كان العراق لا يهمكم وترون الدين ومصلحته أولوية فإن الدين في خطر،وهو ليس كذلك بسبب أعداء الدين وإنما بسببكم وبسبب تهتككم وفسادكم وتجاوزكم على كل الحرمات ، مما ولد ردود فعل مختلفة وفي إتجاهات شتى منها إرتفاع نسبة الشباب الملحد فهل يهمكم هذا ؟أما عن الكراهية لكم ،فياإلهي لو تعلمون ماأعلم وأحس لما نمتم ليلكم لكنكم سادرون..عندما تغلق الأبواب والمنافذ وتصبح كلفة رفع الصوت وقول الكلمة الحياة كلها فماذا يبقى للجائع ؟ لمجروح الكرامة ،للمغبون،للمظلوم؟ بالتأكيد سيبحث عن خيارات أخرى وهنا مكمن الخطر الذي تستهينون به..الإنتفاضة في مرحلة نكوص نعم لكن من الخطأ الاطمئنان وتجاهل مظالم ومطالب المحتجين والمتظاهرين فهذه آلية الثورات والتحولات الكبرى ..معاناة، هزائم ، تراكم لمشاعر اليأس والغضب،إنفجارات إجتماعية هنا وهناك ،قمع وقضاء على هذه الإنفجارات، تراجع،إحساس كبير بالإحباط،دراسة لأسباب الهزيمة وإعادة الحراك وفق آليات وفهم جديد قد تطيح بكل شيء وتتجاوز الأمور حتى المطالب القديمة!! فهل تعقلون!!

لقد ظهر بعض قادتكم الأساسيين أكثر من مرة وإعترفوا بصراحة بفشلهم وفشل أحزابهم في إدارة البلد(راجعوا تصريحات المالكي والعامري والحكيم بهذا الخصوص) لكنهم جميعاً لم يخطو خطوة واحد بالإتجاه الذي يترتب على هذه الإعترافات ، فكما هو معروف ومتبع في العالم عندما يعترف السياسي بالفشل فإن ذلك مقدمة لتنحيه عن المسؤولية،لكن شيئاً من هذا لم يحصل ومازال القادة الفاشلون هم من يقررون مصيرنا ومصير بلدنا!!! يُشيع الكثير من قادة الاسلاميين أن معارضيهم من دعاة المدنية والعلمانية يشكلون تهديداً للدين،فبالله عليكم هل يوجد أخطر من الإسلاميين على الدين الإسلامي؟ هل كان بإمكان إسرائيل أو متطرفي وعنصريي الغرب أن يؤذوا الإسلام كما فعلتم؟ صورة الإسلام التي أنتم واجهتها ليست جميلة وهي أسوأ مما كانت قبل حكمكم والأجيال الجديدة تتطيّر من الدين كرد فعل لفسادكم وسياساتكم المفرطة بالوطن...إن العلمانية تعني ببساطة ووضوح فصل الدين عن السياسة لكنكم تصرون في حملاتكم على أن العلمانية تعني الإلحاد وهو إفتراء تعلمون بكذبه ولا أدري كيف يتسق الكذب مع تعاليم الإسلام..إن العلمانية في تركيا وهي علمانية متطرّفة لا نسعى لمثلها سمحت بمجيء الإسلاميين للحكم وكذا الأمر في دول عديدة تتبع العلمانية يتم فيها إحترام الدين والمتدين وحقه في ممارسة طقوسه وشعائره ..

هل تدركون خطورة وسوء أوضاع البلاد؟ رغم وضوح كل شيء لكني أعتقد أنكم لا تقدرون خطورة الوضع وهذا ما يجعلني أخاطبكم وألح في ذلك..لماذا أعتقد بذلك؟ لأن هناك دلائل أنكم إنعزلتم عن شعبكم فلم تعودوا تعرفون معاناته ، وألا كيف تفسرون تصريحات أهم قادتكم بأن الفقر بالعراق أكذوبة وغير ذلك من تصريحات وحوارات تكشف عن غربتكم عن شعبكم تلك الغربة ذاتها التي جعلت صدام ذو العقل الأمني المولع بالتفاصيل الدقيقة والإداري الملم بأدوات حكمه وبالطبع ليس هذا وضعكم،يفقد صلته بالواقع فأصبح يستمد معلوماته من المتملقين له وهم كُثر ويصدقهم رغم تهافت معلوماتهم وهذا ما سهل مهمة الغزو الاميركي للعراق الذي إستفاد من الهوة بين الشعب وحاكميه..هل تعلمون أن بعضاً ليس قليل من العراقيين يترحمون على أيام صدام مقارنة بالسوء الذي عليه أيامهم الحالية؟هذا البعض ليس من البعثيين أو المستفيدين من نظامهم،لا بل هم من ضحاياه..أي مصير أوصلتمونا إليه!!