رأي بالاجنبي.. جائحة فايروس كورونا: هل ستغيرالحياة إلى الأبد؟!

Tuesday 23rd of February 2021 10:01:06 PM ,
العدد : 4881
الصفحة : آراء وأفكار ,

 تشاو وانغ *

ترجمة : عدوية الهلالي

وفقًا لهنري كيسنجر ، فإن الوباء العالمي "سيغير النظام العالمي إلى الأبد" ومع ذلك فإن عالمنا يتغير مع أو بدون هذا الوباء. وحتى قبل الوباء ، كان العالم يتغير بشكل جذري - كان مليئاً بالنزعة الأحادية والشعبوية وعدم المساواة ، والتي يمكن أن تُعزى إلى العولمة الاقتصادية والنيوليبرالية وحتى أزمة اللاجئين.

ومع ذلك ، فقد أدت جائحة كورونا بلا شك إلى تفاقم هذه القضايا. كما خلقت العديد من المشاكل الجديدة التي تؤثر على الحياة والمجتمع والعالم.

اعتقد أن نمط الحياة الذي اعتدنا عليه قد يصبح مجرد ذكرى ، لأن الحياة تتغير بسبب جائحة كورونا ، ولكن ما إذا كان سيتم تغييرها إلى الأبد فأن ذلك يعتمد على ستراتيجيتنا للتكيّف.ربما نشهد "نهاية العولمة كما نعرفها" وتتحول الحكومات والشعوب في العديد من البلدان من العولمة إلى الانعزالية ، ومن التعددية إلى الأحادية ، ومن التعددية الثقافية إلى العنصرية. وفي نهاية المطاف ، قد يكون أحد أكثر مخاوفنا جدّية هو أن القوى الكبرى في العالم قد تتخذ مساراً يوازي مسار جمهورية فايمار (1) قبل قرن من الزمان.

ومع ذلك ، ومن وجهة نظري ، فإن جائحة كورونا ليست نهاية العولمة ؛ على العكس من ذلك ، فإنها تذكر البشر في الوقت المناسب بالتعاون المتبادل بينهم في هذا العالم المتغير. وكما جادل كيسنجر في كتابه "النظام العالمي" الصادر عام 2014 ، فإن "عصرنا يسعى بإصرار ، وأحياناً بشكل يائس تقريباً ، إلى السعي وراء مفهوم النظام العالمي. وتهدد الفوضى العالم جنباً إلى جنب مع التعاون المتبادل غير المسبوق ". إذا نظرنا إلى التاريخ وفكرنا في وباء الأنفلونزا العالمي لعام 1918 ، فربما نشعر باليأس والتشاؤم في هذا الموقف أكثر مما نشعر به الآن ، فقد نجا البشر من العديد من الأوبئة عبر التاريخ ، ، ويجب أن يذكرنا هذا ، على المستوى الجزئي للحياة الفردية والمستوى الكلي للنظام العالمي ، بأهمية التعاون المتبادل ، لمواجهة هذا التحدي معاً في هذا العالم المتغير.

ومن أهم الطرق التي يغير بها وباء فايروس كورونا العالم هو تأثيره على كل جانب من جوانب حياة كل فرد في المجتمع ، بما في ذلك الطريقة التي نعمل بها ونعيش ونتعلم ، ومن الاقتصاد الكلي إلى دخل الأسرة ، ومن الضمان الاجتماعي إلى حقوق الإنسان الفردية. قد نتساءل ،كيف سيكون العالم - وخاصة الحياة اليومية - مختلفاً بعد هذا الوباء؟ بدون شك ، تتأثر الحياة بشكل كبير بالاقتصاد العالمي ، الذي يمر الآن بأحلك لحظاته. قد يكون الركود العالمي الحالي أخطر أزمة اقتصادية منذ الحرب العالمية الثانية. فقد تجاوزت الأزمة المالية لعام 2008 بكثير وقد تكون مماثلة للكساد العظيم في الولايات المتحدة في الثلاثينيات. ومع ذلك ، فقد كان للوباء آثار كبيرة على أكثر بكثير من الاقتصاد ؛ لقد أثّرعلى السياسة والمجتمع والثقافة والتعليم والإعلام والرعاية الصحية والأمن والعلوم والتكنولوجيا والسفر ونمط الحياة الشخصي. وقد يكون من المفيد استكشاف الأبعاد الاجتماعية والقانونية للجائحة وأثرها على الحياة اليومية. إذ تسلّط جميع التغييرات التي أحدثها الوباء الضوء على أهمية الأمن البشري وترابط البشرية، كما أن الإجماع المعياري ضروري للتعايش بين جميع البشر في هذا العالم المتغير ، وينبغي أن يكون هذا بمثابة ستراتيجية للتكيف في معالجة الوباء..

أما من ناحية تأثير الجائحة على الحياة الاجتماعية فقد تغيرجائحة فايروس كورونا حياة الفرد. فقد لا يمكننا السفر دولياً أو حتى محلياً ، وقد لا نتمكن من تناول الطعام في المطاعم. وعلى هذا النحو ، فإن قطاع الخدمات ، وخاصة الصناعات المتعلقة بالسفر والمطاعم وشركات الطيران والفنادق ومناطق الجذب السياحي ، تضرر بشدة. وأكثر من ذلك ، فإن الوباء يغير حياتنا الاجتماعية والعملية بطرق أكثر تعقيداً ، وخاصة الطريقة التي نتواصل بها في ظل تطور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

لقد تطورالمجتمع الافتراضي القائم على الإنترنت جيداً بالفعل قبل الجائحة ، ولكن بدا ذلك بعد الوباء أقوى ولا غنى عنه ، إذ أدت متطلبات التباعد الاجتماعي إلى مزيد من التواصل عبر الإنترنت ليس فقط في حياتنا الاجتماعية ولكن في عملنا المكتبي ، حيث أصبح ضرورياً وفعالاً من حيث التكلفة وأصبحت أعداد متزايدة من العاملين في المكاتب يتعاملون عن بُعد ، ونقلت الجامعات دوراتها عبر الإنترنت. ومع ذلك ، فإن العمل والتعلّم من المنزل غير ممكن أو ممتع للجميع ، إذ يفضل الكثير من الناس بيئة المكتب ، حيث يمكنهم التفاعل والتواصل مع الزملاء.

ويؤثر الوباء أيضاً على التواصل بين الطبيب والمريض ، بما في ذلك إيصال وتلقي خدمات الرعاية الصحية وغيرها من الخدمات، وبالتالي ، تتوفر خيارات طبية موثوقة وفعالة من حيث التكلفة في المنزل دون الانتقال إلى العيادات الطبية والانتظار فيها، مما يوفر مساحة في المستشفى والموارد الطبية الأخرى للمرضى الذين يحتاجون إلى رعاية مركزة وحرجة.

ولا تغير الجائحة حياة الفرد فحسب ، بل تؤثر أيضاً على المجتمع. لأن للوباء انعكاسات مهمة على الارتباط بين الوباء ومحدداته الاجتماعية. إذ تساعد فكرة "علم الأوبئة الاجتماعية" على تفسير الاختلافات الدراماتيكية في النتائج الصحية في المجتمعات المختلفة والولايات المتحدة حتى الآن هي الأكثر تضرراً من الوباء من حيث الحالات المؤكدة وعدد الوفيات. إن حصيلة الوفيات الناجمة عن جائحة كوروناعلى الأمريكيين أكبر بكثير من الهجمات الإرهابية في 11 أيلول وأعلى من عدد الضحايا الأميركيين في أي حرب واحدة أو كارثة طبيعية منذ الحرب العالمية الثانية. وبالمثل ، تُظهر الدول الأوروبية أيضاً معدلات وفيات عالية وعدد وفيات بسبب تفشي فايروس كورونا. كما تشير الإحصائيات ومقارنات استجابات مختلف البلدان للوباء ، فإن صحة المجتمع ككل ، والتي تُعرف أيضاً باسم صحة السكان ، تتشكل من خلال العمليات البيولوجية والاجتماعية. ولا يتعلق ذلك فقط بنمط الحياة الفردي والظروف الصحية ، بل يشمل أيضاً العوامل السياسية والاقتصادية والثقافية والقانونية ، بالإضافة إلى الرعاية الصحية.

أما العوامل المجتمعية مثل عدم المساواة الاجتماعية والتمييز والفقر. والمشاكل النفسية والاجتماعية الناتجة عن الإجهاد النفسي المرتبط بالوباء , والأعراف الثقافية ، مثل القبول الاجتماعي لارتداء الأقنعة ، والتواصل الاجتماعي والتباعد الاجتماعي ، فهي تؤثر جميعها بشكل كبير على صحة السكان ، إلى جانب العوامل البيولوجية مثل التركيب الجيني. وكل هذه العوامل توجه أداء الحكومة أثناء الجائحة ، وهي عوامل خلقها الوباء أو تفاقمت بسببه.

* بروفسور وباحث معلوماتي في جامعة كاليفورنيا

(1) جمهورية فايمار: هي الجمهورية التي نشأت في ألمانيا في الفترة من 1919 إلى 1933 كنتيجة الحرب العالمية الأولى وخسارة ألمانيا الحرب.