على فكرة: جوامع الكلم

Monday 15th of March 2021 09:47:25 PM ,
العدد : 4898
الصفحة : الأعمدة , د. أحمد الزبيدي

 د. أحمد الزبيدي

اقتبس ابن الأثير مصطلح جوامع الكِلم من الحديث النبوي : (أُوتيت جوامع الكلم ) ليدلّ فيه على (ألفاظ تتضمن من المعنى مالا تتضمنه أخواتها).. ولم يكن لأحد فيه قول سابق على ابن الأثير .

وذكر شواهد من الحديث النبوي تدلّ عليه منها قوله ( ص) : (الآن حمي الوطيس ) وعلق على الحديث :( وهذا لم يسمع من أحد قبل رسول الله صل الله عليه وسلم ) ثم توجه ابن الأثير إلى ذكر أمثلة شعرية تنطبق عليها دلالة المصطلح .. ولم يذكر شواهد قرآنية بل لم يتطرق إلى القرآن الكريم أصلًا! وربما لإيمانه أن كلام الله كله جامع الكلم إذ لا يمكن استبدال كلمة قرآنية بأخرى رديفتها في الدلالة وهذا ما درج عليه الفكر البلاغي العربي واستقر عنده المفسرون واللغويون والنحويون..

والسؤال الذي يحضر، هنا ، هو : ما ( الجامع ) بين النثر المتمثل بالكلام النبوي السماوي والشعر المتمثل بالكلام الشيطاني البشري؟! على وفق التصور العربي لمرجعياته الجمالية.. ما الجامع بينهما حتى أصبح المصطلح ( جوامع الكلم ) دالاً عليهما معاً .. ولو رجعنا إلى الرؤية الإسلامية للشعر وتحديداً الرؤية النبوية لوجدنا أنها رؤية تقوم على النظر إلى الشعر أنه بنية عقلية تخضع للمعايير الدينية والأحكام الإلهية .. فالشعر كلام ومن الكلام طيب وخبيث .. وبالعودة إلى البحث عن ماهية الشعر في المدونة النقدية العربية القديمة نجد أن مصطلح ( الكلام ) يتصدر تعريف الشعر . فابن طباطبا العلوي يعرفه : ( كلام منظوم بائن عن المنثور الذي يستخدمه الناس في مخاطباتهم .. ) وعرّفه قدامة بن جعفر ( قول موزون مقفى .. ) وفي رواية أخرى ( كلام موزون مقفى .. ) وعرّفه حازم القرطاجني : ( الشعر كلام موزون مقفى من شأنه أن يحبب إلى النفس ما قصد تحبيبه إليها ... ) إذن ، الشعر (كلام ) والكلام صناعة فردية ونشاط إنساني خاص .. ومن هنا فالقوانين البلاغية التي تحكم النثر هي نفسها القوانين الجمالية التي تحكم الشعر وهي المعيار الأمثل لاكتشاف بليغ القول من سواه ضمن منطقة مشتركة ( الكلم ) .. ما دام ( الشعر رسائل معقودة والرسائل شعر محلول )

ويا ترى لو أردنا أن نستعيد ابن الأثير ومصطلحه فأين يجد ضآلته في شعرنا المعاصر : أفي القصيدة العمودية ؟ أم التفعيلة ؟ أم النثر ؟ .. وهل يمكن الإفادة من المصطلح للنظر في المستويات التعبيرية للشعرية العربية ؟ وهل يمكن الاجتهاد على ما اجتهد عليه ابن الأثير وتوزيع جوامع الكلم بين مستويات مختلفة ؟ أيمكن الإضافة إلى دلالة المصطلح البلاغية والفنية دلالة زمنية ؟ بمعنى الدال الجامع الذي يختزل مرحلة ما كقولنا ( الكوليرا ) فالذاكرة الجمعية سرعان ما تتحد في هذا الدال حول بداية الشعر الحديث ( الشعر الحر ) واقترانه بنازك الملائكة أو كقولنا ( المسيح بعد الصلب ) فهو عتبة جامعة للسياب ولأول قصيدة قناع بالشعر الحديث . . ولكن أحيانا يكون الكلام جامعاً من خلال شهرة النص وشهرة صاحبه بحيث لا تستطيع أن تميز : هل النص من دل على صاحبه أم أن صاحب النص هو من منح كلامه شهرة ؟ كقولك ( حوار عبر الأبعاد الثلاثة) .. وحين أركز على الجوامع الزمنية فهل هذا يعني غياب الجوامع البلاغية والدلالية : ألا يمكن أن تنطبق توصيفات ابن الأثير على قول الجواهري ( وقد يزل الفتى خوفاً من الزلل ) ؟ ألا ينطبق على قول كاظم الحجاج : ( الكوفة صنفان : صنف غني وصنف علي ) ومن سبقه بصورة ( جنوب الله ).؟.هل هنالك شاعر سبق حسب الشيخ جعفر في استعارة ( نخلة الله ) ؟ وهل هنالك شاعر جعل للأسى تأريخاً قبل طالب عبد العزيز ( تاريخ الأسى ) .. لو قرأنا شعرنا الحديث على وفق معيار جوامع الكلم لاكتشفنا كم قصيدة جمّلها ضجيجها الإيقاعي ونغمها السياقي فسمّنت حجمها بفيتامينات دينية واجتماعية وسياسية وآيديولوجية حتى توهم المتلقي أن حجمها كما يتصور عقله المؤدلج! وإذا رفعت عنه غشاوة الفكر تبين له سراب المعنى وعبث ( الكِلم )