موقع إخباري: مافيات تسيطر على سوق التعيينات الحكومية في العراق

Sunday 28th of March 2021 10:36:48 PM ,
العدد : 4909
الصفحة : سياسية ,

 ترجمة/ حامد احمد

حصولها على وظيفة عقد عمل مؤقت ضمن وزارة الصناعة والمعادن، كلف ياسمين، خريجة قسم الميكانيك من الجامعة التكنولوجية 1000 دولار. أما حيدر فقد دفع بداية عام 2018 عشرة اضعاف ذلك المبلغ تكلفة حصوله على وظيفة في وزارة النفط. القانون قد يجرم الطرفين الذي يدفع الرشوة والذين يأخذوها، ولكن مجاميع رقابية ومسؤولون يقرون برخاوة تطبيق هذا القانون .

التهم الاجرامية لم تفعل شيئا لإيقاف حراس بوابات الوظائف الحكومية المغرية من انتزاع آلاف الدولارات من خريجين شباب باحثين عن فرصة عمل. ياسمين وحيدر هما مجرد مثالان من عدة خريجين آخرين تحدثوا لموقع، ذي ناشنال الاخباري، للتحقق من احد جوانب شبكة فساد متشعبة جعلت العراق من بين اكثر البلدان فسادا في العالم بتذيله قائمة مؤشر الشفافية الدولي ضمن التسلسل 160 في قائمة تضم 180 دولة . عند دفع مبلغ رشوة لا تتوقع استرجاعه في حال عدم حصولك على مبتغاك .

ياسمين، في أواخر العشرينات من عمرها، تخرجت في الجامعة التكنولوجية في بغداد عام 2014، جاهدت على مدى خمس سنوات بحثا عن فرصة عمل ولكنها اضطرت في النهاية لدفع رشوة لتحقيق حلم حصولها على وظيفة في وزارة .

تقول انه تم توظيفها برفقة 100 خريج آخر في شباط عام 2019. ولكن رغم انها دفعت مبلغا مقابل الوظيفة فقد قيل لها بانه ليست هناك ميزانية مخصصة وتم فصلها مباشرة بعد ذلك . قالت ياسمين "لقد تلقينا وعدا جميعنا بان عقودنا المؤقتة ستتحول على الملاك الدائم في غضون أشهر. ولكن في اليوم الاول من الوظيفة اخبرنا مدير متنفذ بالقول: انسوا أي شيء يدعى راتب. ليست لدينا ميزانية لكم ."

وأردفت قائلة "لقد فصلوني من العمل. تابعت الشخص الذي كنت اتواصل معه على واتس آب لاسترجاع اموالي ولكنه عمل بلوك وحجبني من الاتصال به مرة أخرى".

استنادا الى البنك الدولي فان نسبة البطالة بين فئة شباب العراق تقف عند 36%، مشيرا الى ان اكثر من 2.5 مليون عاطل في البلد بحاجة لفرصة عمل .

قبل العام 2003 مع الحصار الاقتصادي الذي عاشه البلد وسياسة الحكومة المنغلقة في ذلك الوقت ضعف جانب النشاط الاقتصادي وتوفير مشاريع تجارية. أما الحكومات المتعاقبة لما بعد الغزو الاميركي فلم يكن لها تخطيط اقتصادي وعملت على ترهل جانب القطاع العام وعدم فسح مجال للاستثمارات التي يمكن من خلالها توفير فرص عامل خارج القطاع الحكومي .

على مدى عقود كان القطاع العام هو ضالة الكثيرين للحصول على اجر من مرتب حكومي يتراوح ما بين 380 دولارا الى 600 دولار شهريا. لقد ترك ذلك العراق بقطاع خدمة عامة يكلف البلد 5 مليارات دولار شهريا. ثلاثة ارباع الانفاق الحكومي لعام 2020 كانت تذهب لتسديد رواتب الموظفين، وهو معدل يزيد بنسبة 400% عن ما كان عليه الانفاق قبل 15 عاما .

مسؤولون في الحكومة مهمتهم منع دفع رشاوى قالوا إن أساليب "الدفع مقابل وظيفة" من الصعب تعقبها .

الحكومة نفسها تقر بان مليارات الدولارات من الاموال العامة قد هدرت أو اختفت منذ العام 2003 في حين تعرقلت مشاريع بنى تحتية اساسية وخدمات حكومية مثل توفير مياه شرب نظيفة ورعاية صحية وخدمة كهرباء مستمرة بدون انقطاعات .

فراس البياتي، محامي وناشط في مجال حقوق الانسان، يقول انه ليست هناك غرابة في أن الكثير يلجأون الى دفع رشاوي من اجل الحصول على وظيفة .

ويضيف بقوله "انا شخصيا تعاملت مع كثير من قضايا لعراقيين يحملون شهادات جامعية في مجال العلوم والقانون والتجارة ولكنهم لم يحظوا باي فرصة عمل في القطاع العام الذي يعتمد على المحسوبية ودفع الرشاوي. في الوقت الذي من المفترض ان يبحث المسؤولون على التوظيف على اصحاب الكفاءات والمهارات والدرجات العلمية من الخريجين لشغل الوظائف، ولكنهم في هذا الجانب يسعون بدلا من ذلك للحصول على ما يستطيعون من أموال ."

ليست هناك ارقام رسمية او غير رسمية عن الذين ابلغوا بحالات رشاوي، ولكن هناك سياسيين اقروا علنا بانهم أخذوا رشوة .

البرلماني المخضرم مشعان الجبوري، كان قد ظهر في بث مباشر عبر احدى القنوات الفضائية عام 2016 وقال انه اخذ رشى بالملايين .

وقال الجبوري في تلك المقابلة ان وجود سياسي غير فاسد في العراق يعد امرا نادرا، وقال انه اخذ رشوة وان الجميع فاسدون، مشيرا الى انه عضو لجنة نزاهة "عندما نفتح قضايا نغلقها بعد تلقي رشاوي. احدى الامثلة انني اخذت ملايين من الدولارات من شخص لاغلاق قضية ضده ولكنني لم اغلقها. لقد استغفلته ."

بعد مررو خمس سنوات على تلك التصريحات كشف الجبوري لموقع ذي ناشنال بانه قطعيا لم يقبل رشاوى، مشيرا الى ان تصريحاته في تلك المقابلة كانت الغرض منها "خلق صدمة" في بلد اصبح فيه الفساد "سياسة وطنية".

مسؤول في لجنة النزاهة، التي تشكلت عام 2004 لمحاربة الفساد، وصف عملية دفع رشاوي مقابل الحصول على وظيفة بانها المهمة "الاكثر صعوبة" في متابعتها من قبل اللجنة مبررا ذلك بالقول "لان الباحث عن وظيفة يتعامل مع وسيط خارج الوزارة ."

ومضى بقوله "كلا الطرفين يحسمان اتفاقهما خارج الوزارة قبل ان يتابع الوسيط بقية الامور مع مسؤول أو اكثر من مسؤول داخل تلك المكاتب الحكومية والذين يثقون به جدا. ثم يأخذ هؤلاء المسؤولون اسماء الذين دفعوا مبالغ من بين اسماء قائمة الذين قدموا طلبا على وظيفة."

واوضح قائلا "قسم من الاحزاب السياسية والسياسيين واعضاء البرلمان ينتفعون من بيع وظائف عبر وسطاء بقدر ما تحتفظ به احزاب سياسية من رصيد لوظائف يعلن عنها تعود لوزير معين تابع لهم. انه عمل تجاري مربح قد يجلب مئات الآلاف أو حتى ملايين الدولارات ."

الضحية حيدر، الذي دفع 10000 دولار رشوة، كان قد حصل على كتاب تعيينه من قبل وسيط يحمل توقيع مسؤول كبير في الوزارة، ولكن كما هو الحال مع الضحية ياسمين، فانه فقد وظيفته بعد ستة اشهر حين قيل له بانه لم يجتز مهلة الاختبار الصعب .

وقال حيدر "انهم يروجون لخريجين جدد. فهم يقومون بتدوير هذه الشواغر لخريجي جامعات آخرين عاطلين عن العمل ويصبحون ضحايا هذا الاحتيال حتى لو قمنا بدفع مبالغ طائلة ."