انتفاضة النخبة

Monday 29th of March 2021 09:39:46 PM ,
العدد : 4910
الصفحة : آراء وأفكار ,

 محمد حميد رشيد

الثورة الفرنسية قام بها قاع المجتمع الفرنسي وفقراء باريس والطبقات الدنيا ولكن الذي أشعل فتيل الثورة الفرنسية هم الشعراء والكتّاب والمثقفون ونخبة المجتمع أبتداءً من (فولتير) و(جان جاك روسو) و (ماركيز ميرابو) و(دانتون) والرسام (جاك لوي دافيد) والشاعر(روبسبير) خطيب الثورة

وكان للخطاب الحماسي الذي القاه (المحامي كامي ديمولان) الشعلة التي أشعلت فتيل الثورة وكذلك الأديب والشاعر (فكتور هوغو) أديب الثورة الفرنسية.وشعراء وأدباء وعلماء وفنانون آخرون وأنضمت الطبقة المتوسطة إلى الثوار ... وهكذا كان للنخبة المثقفة دورها الأول والكبير في نجاح الثورة الفرنسية التي غيّرت مستقبل فرنسا وأسست لحقبة تاريخية جديدة بل وغيرت توجهات العالم والتاريخ الحديث كله.

سنين طويلة وثروات الأمة في العراق تُسرق ويُمزق المجتمع وتُدمر الدولة ويعم فساداً أسطورياً فأين صوت النخبة العراقية من كل هذا؟. وهل قامت النخب (النخبة مجموعة من الأفراد الذين يمتلكون خصائص معينة لا يمتلكها بالمقابل الأفراد الآخرون "العاديون") بواجبها تجاه شعبها وعملت على استعادة الوعي الوطني المسلوب من الأمة بمزاعم دينية زائفة ومخدّرة ومقدسات كاذبة والمخدوعة بخطوط حمر وهمية؟. أم أكتفت النخبة بالجلوس على التل وآثرت الحياد على الإنحياز إلى الشعب؟. الذي يضم مجموعة من النخب التي تقود مؤسساته سواء كانت منها السياسية اوالدينية أو الاقتصادية أو العسكرية أو الاجتماعية . ويمكن القول إن النخب هم قادة تلك المؤسسات والأشخاص المؤثرون فيها وهم من يتحملون مسؤولية التغيير الأولى ؛ سبع عشرة سنة ولم تتحرك النخب بشكل مؤثر حتى إنتفض ثلة من الشباب البسطاء ضد الفساد والطائفية واستعادة الدولة والوطن وإنتصرت على الخوف والإرهاب الوحشي وإستطاعت أن تجمع حولها شباب الأمة حتى تحوّلت إلى ضمير الأمة وصوتها الشجاع والصريح وعبرت عن معاناتها ودفعت ثمن هذه الإنتفاضة من دماء شبابها !. ونجحت الإنتفاضة في استعادة الوعي الوطني للأمة وحققت الكثير؛ وأعطى المنتفضون قربان ذلك مئات الشباب في عمر الورود بين شهيد وجريح ومعوق! فهل عليهم (لوحدهم) تقع مسؤولية استعادة الوطن المغتصب وكل هذا المسؤوليات الجسام ومواجهة عصابات القتل والإرهاب ومليشيات الفساد وأحزابه طبعاً هم غير قادرون أصلاً على كل ذلك وليس ذلك من مسؤوليتهم بل هي مسؤولية الشعب كله والنخب منهم على وجه الخصوص ؛ النخب الإجتماعية (شيوخ عشائر و وجهاء المجتمع) والسياسية (الوطنين أشخاص وهيئات وأحزاب وطنية) والدينية (علماء دين ومراجع) والقضائية (قضاة ونيابة عامة ومحامين) والثقافية (مفكرين وكتاب وشعراء وأدباء وصحفيين) والعلمية (أساتذة الجامعات والمراكز البحثية والدراسية والعلماء) والعسكريين (قادة القوات الآمنية والعسكرية) وكل النخب الوطنية هم مسؤولون عن معالجة الخلل وتحقيق العدالة والقضاء على الفساد واستعادة الدولة وفرض القانون وليس المنتفضين لوحدهم بل هم جنود النخبة وكانوا رواد الوعي الوطني وعلى بقية النخب واجب التفكير والعمل على إنقاذ العراق وإن كان هذا هو دور (النخبة) في إشاعة الوعي . وتحول المنتفضون إلى النخبة الواعية الجريئة وتولوا كل هذه المهام نيابة عن المثقفين بشكل خاص وعن النخب بشكل عام !. لكن هل المطلوب من الإنتفاضة أن تستمر في تحقيق كل أهداف الأمة نيابة عن الأمة وعن نخبها لوحدها؟!

وكان يفترض بالنخبة من مثقفي العراق أن تكون هي الرائدة في صنع الإنتفاضة وتطويرها (كما فعل شعراء وأدباء فرنسا في صناعة الثورة الفرنسية)؛ وإن كان هناك مبررات أدت إلى تأخر دور النخبة فإنها مُلزَمة الآن بالقيام بدورها في التغيير الذي لا يستطيعه شباب الأمة الواعي ولا يمتلكون أدواته ولوازمه.

ولعل مسؤولية المثقفين بكل أنماطهم وأشكالهم حاضرة أكثر من غيرهم من النخب وعليهم أن يتصدّروا الإنتفاضة بفكرهم و وعيهم الوطني وتحديد الأبعاد الفكرية والحضارية للتغيير والإحتمالات المتاحة أمام الإنتفاضة العراقية (وليس الشبابية) أنا لا أتحدث عن (دعم) المثقفين للأنتفاضة فكرياً بل أتحدث عن (إنتفاضة المثقفين). ورغم أن المثقف العراقي تفاعل مع الكثير من القضايا الإجتماعية وحتى الدينية إلا أنه آثر الإبتعاد عن القضايا الحساسة التي لها علاقة مباشرة بالسلطة تحت ذرائع شتى وفي كثير من الأحيان كانت لهم مبرراتهم المقبولة وغير المقبولة (تعرض قسم كبير من المثقفين للإبتزاز والقتل والإختطاف وللترهيب والترغيب) فكانت الصفة الغالبة على المثقفين خلال هذه الفترة هي السكوت والحذر والخوف من التصفيات والتسقيط والمحاربة ولم يساهموا في إستعادة الوعي الوطني وفضح الفاسدين والمشاركة في الإنتفاضة التي بدأها الشباب ؛ ومع هذا فقد أهتموا بالأمور العامة وبالثقافة العامة دون القضايا الحساسة وأكتفوا بنقد الإنتفاضة التشرينية دون أن يكونوا جزءاً منها رغم أنها تعبير عن وعي الأمة ورفضها لفساد وفشل المنظومة السياسية الحاكمة منذ 2003م. فكانت الإنتفاضة الشعبية فأنبرى الكثير من المثقفين إلى نقدها من بعيد دون أن ينتسب لها بل تعالى عنها ولغاية هذا اليوم لم نشهد (الإنتفاضة الثقافية) المطلوبة كون المثقف هو أول الراصدين للمجتمع بسلبياته وإيجابياته وهم من يصنعون الثورات وغالباً ما يكون المثقف ضد السلطة وأول ناقديها وعندما يتنازل المثقف عن عرشه للسلطة الفاسدة يصبح مَطيّة لهم . والمثقف هو صوت الشعب وضميره مثلما الإنتفاضة التشرينية وإلا إنفصل عن الشعب وغاب عن معاناته ؛ في إنتظار إنتفاضة المثقفين.

وإذا كانت(إنتفاضة المثقفين) ستكون إنتفاضة فكرية حضارية فهناك حاجة (لإنتفاضة شيوخ العشائر) لدعم إنتفاضة الشعب العراقي وإحتظانها وتوحيد وتقوية صفها وإخراجها من دائرة الضعف والأستهداف إلى القوة والرعاية ؛ ولقد شهدنا دعم بعض العشائر لأبنائها من المنتفضين وفرض حمايتهم ونجحوا في ذلك (حالات فردية قليلة) لابد أن تعلم السلطات الفاسدة والقوى الإرهابية أن الإنتفاضة هي (إنتفاضة شعب) واحد .

وهكذا بقية النخب الوطنية والتي لا تخاف من إعلان ولائها وحبها للعراق وإستعدادها للدفاع عنه ومحاربة الفاسدين ومعاقبتهم والحفاظ على ثروات العراق وتطويرها والحفاظ على وحدة العراق أرضاً وشعباً وثروات كل من موقعه وضمن مسؤولياته لنقل الإنتفاضة من كونها إنتفاضة شباب بسيط إلى إنتفاضة شعب لتغيير الحال السيء إلى احسن حال وتلك مسؤولية الجميع كبيرهم ونخبهم وشيوخهم وعامتهم وخاصتهم أنها إنتفاضة شعب باكمله على الفساد عامتهم وخاصتهم أنها إنتفاضة شعب باكمله على سلطة فاسدة بأكملها .

لذا فلابد أن يكون لكل النخب الشعب دور في إسترداد الوطن من حظن العصابات الماسكة بالسلطة ؛ الإنتفاضة بإنتظار الأطباء وأصحاب المستشفيات والقضاة والإدعاء العام والمحامين والتجار والرأسمالية الوطنية وأساتذة الجامعات وعلماء الدين والقادة الأمنيين والصحفين والإعلامين والمفكرين والإدباء والفنانين والرياضين والباحثين والدارسين ومراكز الإستطلاع والرأي ...الخ الإنتفاضة بامس الحاجة لهم ولغيرهم العراق بحاجة (لإنتفاضة النخب)!.

أن من يكتفون بالوقوف على التل خلف شباب الإنتفاضة التشرينية ويبدأون في التشكيك بها وتقديم نصائحهم وطلباتهم من الإنتفاضة (تغير النظام ؛ القضاء على الفساد ؛ تغيير الوجوه ؛ تغيير السياسات؛ضمان الإنتخابات؛ ...الخ) يشاركون أعداء الإنتفاضة في قتلها وقتل الأمل العراقي وبقاء الفاسدين يعبثون بمستقبل العراق أنزلوا من تلالكم وشاركوا ابنائكم الثورة وأصنعوا مستقبل العراق .