كلاكيت: الشعر والسينما

Wednesday 31st of March 2021 10:22:38 PM ,
العدد : 4912
الصفحة : الأعمدة , علاء المفرجي

 علاء المفرجي

حينما نتحدث عن السينما فإننا لا نتحدث عن حقل بصري فقط، وإنما عن حقل ندخل فيه السيماء واللغة وأظن أن هذا المركب الساحر حتماً سيفتح أمامنا مناطق شاسعة لمعرفة العالم، نحن لا يمكننا أن نعرف العالم إلا من خلال الجمال، لا نقترب إلا حين نلتذ به.

و شعرية السينما حقل قد يبدو فيه من التخصص الشيء الكثير، لكنه أيضاً هو أكثر اشتباكاً مع اللحظة الأدبية، حتى اللحظة المعرفية بحكم أن السينما اليوم تقدم لنا الوثيقة والصورة وفكرة ومفهوماً، وهذه التوصيفات انتقلت على مستوى صناعة السينما وطبيعة الأفكار المتداولة وسياسات وستراتيجيات.

فللوهلة الأولى «نرى عن عدم وجود علاقة بينة وصريحة بين السينما والشعر بالمعنى الدقيق، على غرار العلاقة التي نجدها بين الأدب والسينما وبين التشكيل والسينما وكذلك الموسيقى والمعمار والاقتصاد والأيديولوجيا وثم بين الثقافة والسينما بشكل عام.

و إننا قد نفترض انعدام هذه العلاقة بصرياً على الأقل وذلك من خلال ما تقدمه بعض النظريات العامة (نظرة اللغة) بالمعنى اللسان وما يتضمن ذلك من مستويات التفكير، باعتبارها وسيلة تعبير وتواصل وتفاعل على أساس اقترانه بمجموعة من المفاهيم الخاصة بالدراسة اللسانية للغة بالمعنى الوصفي والنظري والتداولي ثم السعي بعد ذلك على إسقاط هذه المفاهيم واكتشاف طبيعة التغيير فيها.

فاللغة في السينما أو لغة السينما تعتمد بدورها صفات قد نجدها في اللغة عامة، وفي اللغة الشعرية بشكل خاص”.

ويقول «أندريه تاركوفسكي» في كتابه المهم (النحت في الزمن): حين نتحدث عن الشعر فإنني لا أنظر اليه كنوع أدبي، الشعر هو وعي بالعالم خاصة عند الاتصال بالواقع، هكذا يصبح الشعر فلسفة ترشد الإنسان طوال حياته، يصبح الفنان خالقاً للجمال الخاص الذي ينتسب للشعر فقط، وقادراً أن يتبين خطوط التصميم الشعري وأن يتخطى حدود المنطق المتماسك”

فيلم (باترسون) للمخرج جارموش، الذي يصنف من أفلام السيرة الذاتية، من جانب أن السيرة هي التي تحفز على اكتشاف الذات واكتشاف أفكار وتقاربات في الحياة والقصص والتجارب، في هذا الفيلم عن الشاعر الأميركي، وليم كارلوس وليامز، لكنه هنا ليس لأداء شخصية الشاعر، بل عن تجربته، عن شعره ، إذن الفيلم يتحدث عن شاعر، ولكنه ليس كالأفلام الأخرى التي تتناول سيرة شاعر، بل يتحدث عن قصيدة «باترسون».

ويسرد الفيلم حياة شاعرٍ يعمل سائق باص، متزوج، ويقيم في مدينة باترسون أيضا، الشخصية لا علاقة لها بالشاعر البطل السائق، وحتى القصائد التي يلقيها منسوبة لشعراء آخرين، ما الذي تبقى من سيرة الشاعر وليم؟

نحن هنا مع أسلوب جارموش في الإخراج حيث سرد الفيلم يتمرد على السرد التقليدي مثلما مشاهده بشكل عام متداخلة، فيعرض مشاهد لأحداث لا صلة بينها لكنها تتقاطع بالكثير من الدلالات، الفيلم هنا هو المعادل البصري لقصيدة (وليم) في تفاصيلها الحياتية والجمالية، إذ رسم المخرج جارموش بصرياً لمحاولة وليس لكتابة قصيدته مثلما كانت القصيدة تستلهم التجوال في شوارع المدينة وحركة الناس وأحاديثهم، فإن كاميرا جارموش من خلال البطل رصدت تفاصيل يومية والأحاديث الغريبة.. في الباص. ويقول المفرجي عبر حديثه إن عيش أجواء القصيدة وممارستها بل وتذوقها هو ما فعله جارموش بفيلمه.

يتبع