المشرق الجديد رؤية استشرافية لستراتيجية العمق العربي للعراق

Monday 5th of April 2021 09:42:57 PM ,
العدد : 4916
الصفحة : آراء وأفكار ,

 د. أحمد عبد الرزاق شكارة

بغداد ستستضيف القمة الثلاثية (العراقية – المصرية – الاردنية) المقرر عقدها في مقتبل شهر نيسان الحالي في ظل مسار إقتصادي – جيوسياسي يعرف ب”المشرق الجديد” من خلاله سيسعى العراق للعب دور ريادي حيوي يسهم بإطلاق مشروع اقتصادي واعد يوفر فرصاً حيوية للتعاون والتنسيق مع الدول العربية الشقيقة مصر والمملكة الأردنية الهاشمية لتنمية المصالح المشتركة بينها بهدف تأسيس منطقة مشتركة مزدهرة اقتصادياً Prosperous Common Economic Zone .

يمكننا تصور أن يكون هذا الهدف الجليل فرصة حيوية لبناء عمق العراق العربي في مواجهة التحديات الجيوستراتيجية – الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط خاصة تلك التي تنطلق من عمق غير عربي (إيران ، تركيا ، الصين ، روسيا والاتحاد الأوروبي). مشروع «إنْ إنجز” يسعى لتحقيق نوع من التوازن الستراتيجي الاقليمي في بيئة مضطربة تحمل تحديات ستراتيجية جسام.

جدير بالذكر أن حكومة السيد مصطفى الكاظمي التي أنجزت مؤخراً زيارة تأريخية للمملكة العربية السعودية حرصت أن تكون الرياض مستقبلاً في قلب “ المشرق الجديد “ إلى جانب القاهرة وعمان .

حققت الزيارة التأريخية للسعودية عدداً من الانجازات يمكن تلخيصها بما يلي :

أولاً : تأسيس صندوق عراقي – سعودي مشترك تصل قيمته التقديرية 3 مليارات دولار تقدمها السعودية منحة للعراق توجه للاستثمار في حقول اقتصادية أساسية تتبنى مشروعات تنموية تعود فائدتها المشتركة على اقتصاد العراق والسعودية من خلال دور فاعل للقطاع الخاص ، يضاف لذلك إطلاق مشروعات للتعاون الاقتصادي في مجال الطاقة بضمنها المتجددة وتفعيل وتسريع وتيرة تطبيق خطة العمل المشترك تحت مظلة مجلس التنسيق السعودي – العراقي Saudi – Iraqi Coordination Council ، أخيراً العناية بضروة تطبيق شبكة الربط الكهربائي بين البلدين .

رئيس الوزراء العراقي وضّح الهدف الشامل لتأسيس “المشرق الجديد” بعيداً عن تخيل البعض لسياسة المحاور خلال زيارة سابقة له لواشنطن في صيف 2020 : «إن المشرق العربي ليس تحالفاً سياسياً ، بل هومشروع اقتصادي إجتماعي بين شعوب الدول المعنية ، يستهدف تحقيق المصالح المشتركة”. علما بإن مشروعا كهذا يفترض أن يصب في بناء جيو – اقتصادي يلبي المصالح الحيوية لدول والشعوب المشاركة وبالتالي لابد له من أرضية قوية نسبياً للتفاهم السياسي – الاقتصادي وليس بالضرورة أن يتبلور في صيغة محور مستقل للتحالف الستراتيجي الاقليمي في مقابل تحالفات أخرى كأن تكون لأطراف غير عربية (إيران ، تركيا ، الصين وروسيا وغيرها ) مع العراق، من هنا ، فإن كل إنجاز سيتم تحققه على أرض الواقع سيسهم حقاً في بلورة صيغة مقبولة لركائز الشراكة الاقتصادية – الستراتيجية بين الأطراف الفاعلة التي تنتظم في إطاره ، ولكن حتى نصل لنتيجة تتضح من خلالها صورة المشروع الجديد سيكتنف مفهوم “المشرق الجديد” الغموض وإثارة التساؤلات حول طبيعة أهدافه النهائية ، إذ وفقاً لرأي عادل الجبوري : الأطراف الثلاثة نواة المشروع “ مبتلاة بكم كبير من المشاكل والازمات والتحديات الاقتصادية والسياسية والامنية ، وهي تحتاج من يأخذ بيدها وليس العكس، فضلاً عن كون البعض منها منخرطة بالاساس في مشاريع ومحاور اقليمية قبال مشاريع ومحاور اقليمية أخرى”. إلا أنه من منظورمكمل فإن إنفتاح العراق على اقليمه في تقديرنا يعد جزءاً لايتجزأ من رغبة ومصلحة وطنية يفرضها ليس فقط تداخل المصالح بل وضرورة تكاملها وتنميتها بصورة خيار عربي إقتصادي- تنموي لطالما ظل أسير وثائق جهود التعاون العربي في ظل جامعة عربية لم يتم تفعيل نصوص مقراراتها التنموية الاقتصادية – السياسية بالشكل المطلوب .

إن تداخل وتشابك الملفات الامنية – السياسية والاقتصادية يتطلب جهداً عراقياً مكثفاً ومتوازناً لايغفل أطراف المعادلة جميعاً (دولاً عربية وغير عربية) دون أن يعني ذلك تشكل حالة اصطفاف أو بلورة لسياسة محاور واستقطابات “يمكن أن تجعل من العراق أداة وساحة لتصفية الحسابات وتمرير المصالح الخاصة”. إن منهجاً قائماً على المصلحة الوطنية العراقية المستقلة يفترض أن يتابع بدقة كل ما يتخذ من قرارات حيوية على مختلف الصعد التي يتم التفاهم والاتفاق حولها بصورة يتضح من خلالها طبيعة المكتسبات المتحققة والخسائر المتوقعة لأطراف المعادلة . معادلة يراد لها أن تكون متوازنة نسبياً مع ما يتطلب من إعمال للشفافية في الاعلان عن كل صغيرة أو كبيرة يتم الاتفاق عليها ، ما يستدعي أن يلعب المفاوض العراقي المتخصص دوراً مهنياً فاعلاً في تحديد شروط ومعايير الالتزام بما تحقق من إيجابيات في إطار معاهدة ل”حسن الجوار والصداقة والتعاون الاقتصادي – التجاري - الاستثماري المتبادل” بين العراق ودول المشرق العربي والخليج العربي.

إن الرؤية الاستشرافية الستراتيجية للمشرق العربي تواجه تحديات متعددة منها :

أولاً: ضرورة أن يتم الاهتمام بالطابع الجيوسياسي – الجيوبولتيكي لمنطقة المشرق العربي والذي لامناص معتمد على التأثيرات المتبادلة بين المشرق العربي والخليج العربي . العراق الموحد والآمن والمزدهر يمكننا إعتباره المفتاح المتوقع لإيجاد الحلول المناسبة لإية صراعات إقليمية تحمل في جنباتها بذور التوتر والعنف السياسي الذي تجسد في الأزمات السورية ، اليمنية وغيرها. علماً بإن مثل هذا الامر لم يكن غريباً عن دور عراقي رائد في حقب تاريخية سابقة مميزة توضحت من خلالها مدى ضرورة توفر مناخ آمن للمنطقة العربية بل والى ما وراءها حيث تتم ظاهرة التنافس الجيوستراتيجي على قدم وساق بين الولايات المتحدة والصين على مناطق النفوذ في الشرق الأوسط ما يشكل جزءاً من حالة تشابه “الحرب الباردة” أ هذا وبرغم المآسي الانسانية للإنتشار جائحة كورونا تستمر دول العالم وعلى رأسها الصين بوضع الخطط والخيارات الستراتيجية التي تلبي مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية والتقنية من خلال تطبيق نموذج ستراتيجي – اقتصادي مازال يعرف ب” ستراتيجية الطريق والحزام” والذي يمكن للعراق بموقعه الجيوسياسي وامتلاكه للثروات الاقتصادية المادية «الكامنة» والبشرية أن يكون جزءاً أساسياً منها.

ثانياً : إن التسوية السلمية لإزمات المنطقة تتطلب من العراق أن يلعب دوراً محوريا في إعمال التهدئة والتخفيف من حدة التوترات السياسية ، مثلاً : العلاقات السعودية والاماراتية مع إيران التي تنتظر حلولاً إبداعية . بل قد تذهب إلى أبعد من ذلك إلى اقتراح الحلول المعتدلة نسبياً للمشكلات والأزمات ومنها مايخص مسار العلاقات العراقية – الإيرانية الذي يجب أن يبنى على مستوى الندية واحترام الآخر وعدم التدخل في شؤونه الداخلية برغم اختلاف مؤشرات القوة (المادية والبشرية وغيرها) ،علماً بإن التحدي الجوهري للعراق قبل هذا وذاك يتطلب أن يخرج أطراف النظام السياسي العراقي الرئيسة برؤية وطنية بعيدة عن التوترات والتشنجات التي تؤثر سلباً على تحقق صيغة مقبولة للاندماج الوطني بعيدة عن الانقسامات المذهبية – الطائفية السياسية ، العرقية – الجهوية والقبلية – العشائرية وغيرها، صيغة تتجه لتحقق إنسجام وأمن أهلي بعيداً عن السلاح المنفلت والدور الخارج عن سلطات وإختصاص الدولة الدستوري – القانوني.

ثالثاً : إن السلام الذاتي مع النفس Inner - peaceأمر أساسي ليس فقط للعراق بل وللدول الأخرى التي يتحاور ويتفاوض معها العراق بصدد تأسيس منظومة إقتصادية – مجتمعية – إنسانية مستدامة ومزدهرة بعيدا عن تحمل الأزمات الأمنية والاقتصادية الداخلية التي لم تجد بعد حلولاً ناجعة لها، المعادلة الواضحة لتحقق النجاح تعتمد على تبلور رؤية استشرافية ستراتيجية وطنية لكل دولة تقع في محيط الحوار والتفاوض العراقي عربية أكانت أم غير عربية (ايران وتركيا وغيرها).

رابعاً : معادلة الربح المتبادل في المصالح والشراكات الاقتصادية بين العراق والدول الأخرى العربية أطراف مشروع “ المشرق الجديد” يفترض أن يتم تطبيقها دون إخلال بحالة التوازن بمعنى أن لا يكون التوازن الستراتيجي – الاقتصادي في حالة هشة أو ضعف لا تمكّن العراق – في رأي بعض المراقبين – من أن يحقق مكاسب تناسب وضعه الجيوسياسي – الاقتصادي ، الأمر ينطبق على جملة موضوعات منها : الطاقة ، التجارة البينية والاستثمار. أحد الأمثلة الواضحة يتمثل بحاجة العراق إلى خيار ثالث لتصدير النفط إلى جانب منفذي موانئ الجنوب العراقي (البصرة) عبر الخليج العربي والثاني شمالاً عبر ميناء جيهان التركي عبر البحر الابيض المتوسط، هذا ومن منظور «مالي –ستراتيجي» نرى أن كتلة دول الخليج العربي تحظى بقيم مالية ضخمة تنبع من أهمية تنمية صناديق السيادة – sovereignty funds- التي تمتلكها حيث وصلت الى ناتج إجمالي يقارب ال1.6 ترليون دولار في حين أن الناتج المحلي للدول الثلاث مجتمعة العراق ، مصر والاردن = 580.7 مليار دولار ( مصر 303 مليار دولار، العراق 234 مليار دولار والأردن 43.7 مليار دولار فقط). ترتيباً على ذلك ، ستستمر معاناة الدول الثلاث (مصر ، العراق والاردن) في حياتها الاقتصادية – الاجتماعية طالما لا تتوفر خيارات حيوية تستثمر طاقاتها المادية والبشرية بصورة ترفع من قيم نواتجها الوطنية مع ستراتيجية للعدالة الاجتماعية تمكن دولها وخاصة العراق ومصر اللذان يمتلكان من الموارد البشرية التخصصية والإمكانات المادية ما يحقق تلبية مناسبة المطالب الانسانية المتعاظمة ، أما في مجال الطاقة فإن للعراق دور حيوي في دعم المملكة الاردنية الهاشمية حيث وقع العراق إتفاقيات اقتصادية في بداية عام 2019 “تتضمن تصدير نفط كركوك إلى الأردن مقابل خصم 16 دولاراً عن المعدل الشهري لخام برنت ، بالاضافة إلى إعفاء 371 بضاعة أردنية من التعرفة الجمركية (بينما ينتج الاردن 80 سلعة منها فقط) .

أما مصر فأن ترحب بأية ترتيبات عراقية مستقبلية تمنح في ظلها تسهيلات لأستقدام خبرة وعمالة مصرية متخصصة في قطاعات الاسكان والبنى التحتية ، علماً بإن ما شجع مصر للانضمام للمشرق الجديد رؤيتها لتوريدات البضائع من الأردن للعراق والتي تتم من خلال خطة للتسهيلات الجمركية العراقية وتصدير للنفط العراقي باسعار مخفضة للاردن ، من هنا ، جاء طلب مصر لشراء النفط العراقي بخصم يقدر ب3 دولارات ، والدخول في إستثمارات الطاقة ، علماً بأن أعداد العاطلين العراقيين (مايقارب 5 ملايين ) منهم خريجي الكليات والمعاهد التقنية.

تساؤلات عدة أخرى لابد من الإشارة إليها تخص تحديات ضرورة التفات العراق لمصالحه الاقتصادية الحيوية وآليات متابعة تنفيذها في عصر مابعد كورونا ، من أمثلتها الواضحة تأسيس انبوب النفط من الجنوب العراقي (البصرة) الى العقبة بمراحله الاولى والثانية ، الأولى من الرميلة في جنوبي العراق إلى مدينة حديثة في الانبار (غربي العراق) والثانية إلى مدينة العقبة الستراتيجية ومن ثم (إذا أمكن)إلى مصر ، المراقبون العراقيون يتوقعون أن يتم طرح المشروع بإسرع وقت ممكن بصورة عطاء تنافسي لشركات عالمية رصينة السمعة بصورة «تختصر الزمن الضائع» في فترة لاتجاوز ال3 – 5 أعوام ، أما وقد أُقرت الموازنة بعد طول آناة فإن مشروع الربط الكهربائي بين العراق والأردن سيوفر – إن تحقق- للعراق كهرباء مستورد من الاردن بواقع 150 ميغاواط تنتهي عند 960 ميغاواط بعد انضمام مصر للمشروع عبر خط للأنابيب يبلغ طوله يبلغ 300 كيلومتر ويمتد داخل الأردن بحدود 12 كيلومتر بين مدينة الريشا في الأردن والقائم في العراق . المشروع يخضع لشروط عقد مع شركة جنرال الكتريك حيث يتحمل العراق 15 % من قيمة المشروع الكلية والباقي سيغطى من الإقراض الخارجي، التساؤل هل سيتم المشروع في مرحلة قياسية؟، علماً أن شركة جنرال الكتريك ستغطي 6% من المبالغ المطلوبة من العراق.

أخيراً وبرغم حالات التطبيع القائمة أو التي سيتم الاعلان عنها لاحقاً بين إسرائيل وعدد من الدول العربية من ضمنها «ربما السعودية» إلى جانب الإمارات والبحرين والمغرب الماضية نحوها تستمر التساؤلات حول إمكانية تطبيع العراق مع إسرائيل مسألة يتم نفيها حالياً من قبل دوائر صنع القرار العراقي ، إن مستقبل «المشرق الجديد» سيتأثر سلباً طالما يبقى وضع منطقة الشرق الأوسط مضطرباً وبعيداً عن إيجاد حل مناسب عادل يعطي للشعب الفلسطيني حقوقه الشرعية في إقامة دولته المستقلة

ترتيباً على كل ما تقدم يصعب توفر ستراتيجية واضحة للمشرق العربي توفر للعراق عمقاً عربياً آمناً ومزدهراً دون حصول تنمية ذاتية مستقلة أولاً.