بلاسم محمد يتحدث عن بداياته

Saturday 10th of April 2021 10:03:06 PM ,
العدد : 4919
الصفحة : عام ,

كنت في مدرسة ابن حيان الابتدائية في مدينة الكوفة، البيئة العامة لم يكن للرسم فيها وجود، ولذلك مارست الخط العربي والرسم لوحدي، ارسم بالطباشير على أبواب الخانات ..

ولم يكن مقبولاً آنذاك هذا النوع من الرسم، وقد سبب لي الكثير من المشاكل داخل المدينة، بعد ذلك انتقلت الى الدراسة المتوسطة وكان الاستاذ المرحوم محمد حسين جودي قد دفعني بالتشجيع ولأول مرة الى إقامة سلسلة من الرسوم البيئية للبيوت والشناشيل والمناظر الطبيعية وعرفت فيما بعد أن البيئة علقت في ذاكرتي الى الآن، مع كل خصائصها وأشكالها، درسني أساتذة الفن العراقي المعروفين والأكثر حضوراً في المشهد التشكيلي، وقد تبلورت رؤيتي للفن، وهنا كان التنوع التشكيلي يأخذ مداه، في التصميم الصحفي والخط العربي والرسم معاً، وهنا بدأت مشاركاتي في المعارض الفنية في العراق وخارجه، وهكذا صار الفن الجزء الرئيس في حياتي وتفكيري عندما كتبت في الفنون الإسلامية رسالة الماجستير ومن ثم دراستي للدكتوراه في النقد الفني ..هذه الرحلة لابد إنها أثرت في تكويني الفني ..فقد شاركت في عديد المعارض الدولية وحصدت جوائز كثيرة وأقمت سلسلة من المعارض خارج العراق .. إنها سيرة طويلة أحببت فيها هذا العالم الذي اسمه الفن، كانت أول لوحة بمفهوم الرسم صورة شخصية كلّفني برسمها أحد وجهاء المدينة رسمت فيها يوم عاشوراء لتعلق في أحد مواكب العزاء وأصبحت يشار لي بأني فنان، كان عمري آنذاك اثنا عشر عاماً وقد نفذتها بالألوان الزيتية، وحصلت عليها من معلمي في الابتدائية حسن كريم الكوفي، هدية لتشجيعي على الاستمرار في الفن.

تأثرت بأساتذتي في بداية المشوار، أوّلهم الفنان الكبير محمد مهر الدين ثم رافع الناصري، بعدها بالأستاذ فائق حسن، وكل له اتجاهاته في الفن، لكن تبلورت طريقتي بعد رحلة من البحث في الفن العالمي ولما سمي باتجاهات ما بعد الحداثة، كنت معجباً بالفنان الاسباني تأبيس والاميركي روشنبيرغ. ومن خلال التصنيف المدرسي لا انتمي الى مدرسة بعينها، لكن يمكن القول بأني في خط التعبيرية، تلك المدرسة التي تحاور منابع الروح الانسانية وإشكالاتها، لذلك فان التعبيرية الخيالية جزء من تفكيري وإنتاجي رغم خصوصية أسلوبي الفني.

في أوائل السبعينيات كان معهد الفنون الجميلة المحطة الأولى لكل الفنانين العراقيين سواء طلبته وكادره التدريسي، نقل أساتذته خبراتهم من مؤسسات عالمية رصينة في حقل الفن منهجاً وتطبيقاً. هذا المناخ كان البداية الأولى لدخولي الحقيقي في عالم الفن وسياقه العام الذي لابد أن تأخذ حيزاً فيه، ولذلك فان البيئة الثقافية هي من تحدد توجهك إضافة الى الرغبة الذاتية ،هنا اتحدث عن النشأة المدرسية والتعلم والخبرة ، حين توفرت لي فرصة للعمل وأنا طالب ، ففي المرحلة الثانية من دراستي علم 1972 كانت صدرت مجلة مجلتي والمزمار للأطفال وتم اختياري كأحد العاملين فيها في القسم الفني ، حينها التقيت بكبار الرسامين العراقيين – صلاح جياد ، فيصل لعيبي، طالب مكي، وعبد الرحيم ياسر، وحسام عبد المحسن والقائمة تطول ليس هنا مجال لذكرها، تعلمت من هذه النخبة الكثير وبدأ مشواري في البحث في عالم لم استطع بعد فك أسراره فأخذت أقلد كل ما يقع في يدي من رسوم عالمية ومحلية في محاولة مني للتدريب الأولي على مقاربة أسلوب بدأت تتبلور خصائصه وأشكاله .

كانت "مجلتي والمزمار" الخطوة الأولى في عالم التصميم الصحفي ، تعلمت فيه بعض أسرار الإخراج الصحفي ، ولأني كنت أجيد الخط العربي الذي درسته على يد الاستاذ الكبير (هاشم البغدادي) والذي أضاف الى التصميم خبرة أخرى في معرفة شفراته وتكويناته الإخراجية وتوفرت حينها فرصة العمل في الصحافة لوضع خرائط تصميمية لبعض الصحف - جريدة التآخي والعراق والجمهورية والتراث الشعبي ومن ثم مجلة ألف باء- وغيرها الكثير وتبلورت رؤى وأفكار بتأثير أستاذي (ناظم رمزي) الذي دلّني على مجاورات فنية اخرى في حقل الطباعة وهو المجال المكمل لمعرفة أسرار التصميم وأحد أهم أدواته .وهنا بدأ النزوع الى التجديد حين عملت على وضع بعض الحروف الطباعية لأول مرة في الصحافة العراقية التي سبقني في بداياتها الكبير ( محمد سعيد الكار ).وبعد تراكم خبرات الرسم والتصميم والطباعة والخط العربي لأكثر من عشر سنوات من العمل بدأت افكر في دخول عالم صياغة الإعلان ، وحينها لم يكن هذا النوع من الفن قد أخذ حيزاً مهماً في الإخراج وهو قائم على حرفية بسيطة ..كانت البداية في الدار الوطنية للنشر والإعلان الذي عملت فيها مع مجموعة من الفنانين ، و كانت الحافز في الاطلاع على تجارب فن الإعلان وإخراجه ، وفي ذاكرتي أول إعلان صممته ونفذته في ملعب الشعب وهو نوع من الإعلان المتحرك الذي يرفعه الجمهور، ثم تلاه بعض الإعلانات التي تنشر في الصحف وإعلانات الأفلام السينمائية لدور العرض.

من حوار سبق أن نشر في المدى