تنامي ظاهرة التسوّل في كربلاء يثير التساؤل والانتقاد

Saturday 1st of May 2021 10:11:29 PM ,
العدد : 4934
الصفحة : تحقيقات ,

 كربلاء / إخلاص داود

ما زلت اتذكر صراخهم الذي ملأ الشارع في تلك الليلة الباردة، تقول نوال إبراهيم، وتضيف: كان نحيبهم وتوسلهم ليعفوا عنهم يقطع نياط القلب، وهو يرعد ويزبد ويزيد بضربهم حتى خيل لي أنه ثور هائج.

نوال ابراهيم سيدة خمسينية العمر من محافظة كربلاء منطقة (السواده)، تحكي لـ(المدى) قصة عائلة يتسوّل فيها الأطفال بينما الأب يجلس في البيت وتقول: عندما استأجروا البيت الملاصق لبيتنا أثارنا الشك والريبة بعد أن عرفنا أن ابنتهم وهي صبية بعمر الزهور وأخيها الذي يصغرها بسنوات قليلة يتسولون بينما الأب الذي يبدو بكامل نشاطه يجلس في البيت مع أمهم.

وتتابع نوال: ثم جاء ذلك اليوم الذي انقض عليهم كالحيوان المفترس لتخلفهم بجلب المبلغ المطلوب منهم، وعلى ما يبدو أن كلام ونظرات أهل الشارع أثارت الخوف أو الضيق في نفسه، فانتقلوا في ليلة ظلماء، وتركوا أسئلة يتداولها الجيران دون إجابة: هل هم فعلاً أولاده؟، وإن كان كذلك كيف يتركهم يتسولون؟، ومن أين اتوا وأين ذهبوا وما هو مصيرهم؟

أصبح التسوّل ظاهرة عامة، في شوارع كربلاء المقدسة، فالمتسوّلون موجودون في التقاطعات والأسواق والعيادات وقرب دور العبادة والفنادق، فما هي أسباب تنامي هذه الظاهرة وهل هناك معالجات من قبل الجهات المعنية؟

المراوغة وعدم الإفصاح

وللوقوف على الإجابة عن ذلك التساؤل، توغلت (المدى) في عمق الظاهرة، وكانت أول محطاتها مع المتسوّلين لمعرفة الأسباب من أفواههم.

ومنهم سيدة تلبس النقاب يبدو أنها تقارب الأربعين من عمرها، تقف وسط شارع مختصر يوصل أصحاب المركبات لمركز المدينة في منطقة الروضتين، وأكدت أن لديها أطفال أيتام ولا معيل لهم غيرها، وليس لديها راتب كما أنها لا تملك صنعة أو مهارة تمكّنها العمل.

وشاب عشريني يمسح الجام في تقاطع «سيد جودة» قال مستنكراً: هذا عمل وليس تسول وابتعد عنا مسرعاً.

أما الطفل الذي يبيع العلكة في شارع حي الحسين الطبي كانت إجابته جاهزة وسريعة: أنا من أهالي ديالى ووالدي قتله داعش أعمل لأساعد أمي وإخوتي.

أسباب اجتماعية ودينية

تقول الناشطة ومسؤول شعبة الرعاية الاجتماعية في مديرية الشهداء مثال القطيفي إن أهم أسباب انتشار ظاهرة التسوّل، هو جشع وأنانية الأهل واستهتارهم بقيم المجتمع ومستقبل أولادهم، ولي تجربة في هذا الشأن فقد تابعنا صبياً يتسول بعد أن أخبرنا أنه يتيم وفقير الحال ولكن اكتشفنا أن عائلته متوسطة الدخل وأبويه هما من علّماه وشجعاه على التسوّل.

وتتابع قائلة: أغلب المتسولين سواء كانوا من الأطفال أو النساء وحتى الشباب هم ضحية تسلّط مجرمين كسروا قوانين المجتمع والدولة.

قال الشيخ فاضل الجشعمي مُلقياً اللوم على المجتمع في انتشار ظاهرة التسوّل قائلاً: المجتمع أيضاً أسهم في جعل الكثيرين يتخذون التسوّل صنعة لجمع المال، فأغلب الناس لا تستطيع أن ترد السائل حتى لو كانت تشك بأنه غير محتاج مستندين على الآية القرآنية (وأما السائل فلا تنهر) والحقيقة أن معنى كلمة «تنهر» هي أن لا تزجره إذا سألك، فأما أن تتحرى عن حالة الفقير قبل أعطائه أو تردّه برفق ولين ولا بأس أن تقول له (الله يعطيك) خير دعاء وأفضل عطاء لأنك تدعو له برزق من الله.

من جهته تحدّث لـ»المدى» علاء الغزالي مدير شعبة الشرطة المجتمعية: إن هناك أعداداً من المتسوّلين اتخذت من التسوّل حِرفة لها كونها أسهل من أي عمل آخر بل أن بعضهم تجرّأ أن يعرض ما يحصل عليه من أموال على وسائل التواصل ويدعو الشباب للتسوّل.

عمل منظم

كلهم تديرهم أحزاب ومسنودون من جهات متنفذة يقول سائق التكسي «ابو عيسى» ويكمل حديثه: بين فترة وأخرى ينتشرون بشكل ملفت ما أن تقف بمكان إلا وظهر لك شخص يطلب المال وبعد أن تعتاد على وجوههم يختفون وتخرج لنا شخصيات مختلفة وقد لاحظت بحكم عملي تغييرات لهم، فالذين كانوا في تقاطع سريع حي المعلمين انتقلوا إلى تقاطع الملحق وبالعكس وهذه الحركة تؤكد أنهم جماعة واحدة وعملهم منظم.

فيما أكد علاء الغانمي مدير إعلام شرطة كربلاء لـ”المدى” : إنه بعد التحقيق مع العديد من المتسوّلين الذين تم القبض عليهم لم يتم التوصل الى وجود عصابات تحمي وتهيء أجواء للتسوّل.

وتابع، إن أكثر المتسوّلين الذين يتواجدون في التقاطعات يمتهنون مهنة بيع كلنكس وغسل السيارات المتوقفة في التقاطعات، فيتم ملاحظة زيادة في أعداد المتسوّلين أو تنقلهم.

سلسلة مترابطة من الأسباب والنتائج

يقول “أبو محمد” صاحب محل ملابس شارع الجمهورية: في ظل استمرار السلسلة المترابطة من الأسباب والنتائج دون حل يستمر استغلال الأطفال والنساء من العاملين البسطاء والمتسوّلين من قبل أصحاب النفوس الضعيفة لأغراض غير أخلاقية، لهذا نجد انحراف شريحة نائمة خطيرة على المجتمع.

بالتأكيد من الممكن الحد والتقليل من ظاهرة التسوّل يقول حسين جاسم مدير الرعاية الاجتماعية ويكمل: من خلال شمول هذه العوائل بإعانة شبكة الحماية الاجتماعية حيث يسعى قانون الحماية رقم ١١ لعام ٢٠١٤ الى توفير الحياة الكريمة لأفراد المجتمع والمساهمة في تعزيز قيم التكافل الاجتماعي، وقلة التخصيصات المالية للوزارة تمنع من تطبيق كامل للقانون.

فيما عزى الغزالي أبرز الأسباب في تزايد عدد المتسولين إلى الأزمة الاقتصادية التي مر بها البلد وأدت إلى ضياع جهود الأجهزة الأمنية التي لم تقصر في واجبها بإجراء حملات مستمرة لمكافحة التسوّل ولكن اعتقد أن المثل الشعبي القائل “لا اغنيه ولا اخليه يكدي”، كان مترسخاً في العقل الباطن لكل من يريد محاربة هذه الظاهرة.

وأضاف: إذ أبدأ من توفير البديل لهؤلاء الأشخاص قبل منعهم من التسوّل، لذلك أنا اتحفظ من التصريح عن هذا الموضوع لأني أرى أن الإجراءات ليست بمستوى الظاهرة وتحتاج إلى حلول جذرية وفاعلة، والتعاون من قبل السادة أصحاب القرار بالمحافظة مثل السيد محافظ كربلاء والسيد مدير الرعاية الاجتماعية وكذلك السيد مدير شرطة المحافظة وهكذا، وإيجاد حلول مقنعة لها لأن الحملات السابقة لم تمنع المتسوّلين من العودة إلى الشارع مرة أخرى بعد خروجهم من التوقيف بكفالة بعد توقيف يوم أو يومين.

ضوء في نهاية النفق

المواطن خالد حميدي مدرس في ثانوية “البيان” للبنين يقول: إذا كان هناك ضوء في نهاية النفق فهو يكون عن طريق، تدوين أسماء المتسوّلين ومكان إقامتهم، وتسجيلهم بشبكات الحماية الاجتماعية لإعطائهم رواتب، واحتواء الأطفال والصبية الأيتام في دار إيواء أو أخذ تعهدات من ذويهم بعدم ممارسة هذا العمل، مع فرض عقوبات على المخالفين، ومحاسبة مرتكبيها دون قبول كفالات أو وساطات

وبالعودة الى الغانمي مدير إعلام شرطة كربلاء الذي يقول لقد تم عقد عدة مؤتمرات بين القضاء ونائب المحافظ والأجهزة الأمنية للحد من هذه الظاهرة ولكن القانون محدّد في مثل هذه القضايا حيث يتم توقيفهم لمدة يوم او يومين ويتم إطلاق سراحهم بكفالة مالية.

وأضاف: ومن الحلول المتبعة أخذ تعهدات على المتسوّل بعدم التسوّل وفي حال يتم القبض عليه مره ثانية يتم احالته الى القضاء لغرض توقيفه.

ويعد مدير شعبة الشرطة المجتمعية بالقول: نحن نعمل على إيجاد قرار عالي المستوى بتشكيل لجان مختصة من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ووزارة الداخلية ممثلة بالشرطة المجتمعية والجرائم الاقتصادية ومديرية النجدة وشرطة البلدة ووزارة العدل لغرض معالجة أسباب التسوّل ومحاسبة من يستمر بهذا العمل بعد معالجة الأسباب والمبررات.