نافذة من موسـكو..روسيا وأميركا: حرب باردة أم تصفير الإجراءات المتبادلة

Sunday 2nd of May 2021 10:26:44 PM ,
العدد : 4935
الصفحة : آراء وأفكار , د. فالح الحمراني

 د. فالح الحمـراني

تتعرض روسيا لحملة غربية واسعة دخلت فيها بقوة دول أوروبا الشرقية، الدول الحليفة سابقاً، التي كانت تدور في محور الاتحاد السوفياتي السابق: جمهوريات البلطيق وبولندا والتشيك وسلوفاكيا، وبلغاريا التي ارتبطت بروسيا بعلاقات تاريخية ورومانيا،

وتفسر موسكو مواقف هذه الدول المقرونة بعدوانية أكثر إزاءها، بحرص زعمائها على مغازلة واشنطن والسير بركابها، ومضت الإدارة الأميركية الجديدة في التصعيد مع روسيا، وشدّدت من العقوبات، وأجّجت الحرب الدبلوماسية التي ردت عليها موسكو بقوة أكبر، وصاحبَ الحرب الدبلوماسية التهديد العسكري بتحشيد الجيوش واقتراب الناتو من الحدود الروسية . وقالت توقعات أن هناك احتمال 30 % بنشوب حرب بين الغرب وروسيا، وحذّر الرئيس بوتين من تجاوز الخطوط الحمراء، لأن روسيا سترد بصورة متكافئة. وقال وزير الخارجية سيرجي لافروف إنه إذا لم تحدث تغييرات في العلاقات بين موسكو وواشنطن، فستعيش كلتا الدولتين في حرب باردة أو ما هو أسوأ، وقال لافروف إن موسكو، من جانبها، عرضت على واشنطن تصفير النزاع الدبلوماسي، بيد أن واشنطن رفضت ذلك، وترى موسكو أن الولايات المتحدة مدعومة من أغلب دول أوروبا تسعى إلى قطع الطريق على تحقيق روسيا مصالحها وانتزاع مواقعها، ووضع العراقيل أمام تطوير قدراتها الاقتصادية والتكنولوجية والابتكارية، وحرمانها من مواقفها المستقلة من النزاعات والأزمات الدولية، وتحفظها على تصرفات الولايات المتحدة وحلفائها في العديد من أجزاء العالم واستخفافها بالقانون الدولي ومنظمة الأمم المتحدة، و قال المتحدث باسم الرئيس الروسي متري بيسكوف: إن واشنطن تدعي "دور النبي موسى في قيادة اليهود عبر الصحراء". موضحاً: "نحن لسنا في الصحراء ، والعالم أغنى بكثير من الولايات المتحدة. وقال "يتم تشكيل تجمعات مختلفة في العالم ، قادرة على أن تكون بمستوى الولايات المتحدة أو حتى تجاوز نسبتها في الاقتصاد العالمي". وكمثال على ذلك، استشهد المتحدث باسم الكرملين بالصين ، التي "وفقًا لمؤشرات مختلفة ، من حيث تعادل القوة الشرائية، جاهزة بالفعل للحاق بالولايات المتحدة أو حتى تجاوزها".

ورمت موسكو كرة تطبيع العلاقات بين البلدين في ساحة واشطن وأعربت عن الاستعداد إذا توقف الأمر عليها فقط ، في الرجوع إلى العلاقات الطبيعية، وتقترح ان تكون الخطوة أولى في هذا السبيل هي إبطال جميع التدابير المتخذة لتقييد عمل الدبلوماسيين الروس في الولايات المتحدة. وكانت روسيا قد فرضت القيود على عمل الدبلوماسيين الأميركيين في روسيا، بمثابة الرد بالمثل على الإجراءات الأميركية. وتم اقتراح ذلك على إدارة رئيس الولايات المتحدة جون بايدن بمجرد أن أدت كل الإجراءات اللازمة وتولّت صلاحياتها، وأبلغ وزير الخارجية الروسية بهذا نظيره الأميركي بلينكين، وأوضح له "إن الخطوة الواضحة حتى نتمكن من العمل بشكل طبيعي ستكون التخلص من كل ما بدأه الرئيس السابق باراك أوباما، قبل أسابيع قليلة من مغادرته الرئاسة حيث قام بإغلاق الباب بوجه الكرملين، وحجز الممتلكات الروسية وانتهاك جميع اتفاقيات فيينا وطرد الدبلوماسيين الروس، ثم كان هناك تفاعل متسلسل".

ولم ترد موسكو على الفور على تلك خطوات أوباما تلك بالتعامل بالمثل، وانتظرت حتى صيف 2017، حيث طلبت إدارة ترامب من الكرملين عدم الرد على "تجاوزات" إدارة باراك أوباما المنتهية ولايتها. لكن فريق دونالد ترامب فشل أيضاً في إعادة الوضع إلى طبيعته ، لذلك كان عليها الرد بالمثل، ولم يهدأ الأميركيون بعد ذلك، وترى موسكو الآن أن إدارة بايدن تواصل "الانزلاق" على ذلك "المنحدر"، على الرغم من أنه في محادثة بين رئيس الاتحاد الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي جورج بايدن، والتي جرت بعد فترة وجيزة من تنصيبه ، وفي محادثات وزير الخارجية لافروف مع وزير الخارجية الأمريكي بلينكين ، وكما أشار مسؤولون أميركيون بأن هناك مراجعة جادة للعلاقات مع روسيا وإنهم يعقدون الآمال على أنه وبنتيجة تلك المراجعة سيتضح الكثير. لكن فوجئت موسكو بفرض واشنطن عقوبات جديدة عليها، فكان عليها الرد عليها ليس فقط بالمثل وإنما بشكل غير متماثل.

وفي حديث مع قناة التلفزيون الروسي أوضح وزير الخارجية لافروف: إذا تحدثنا عن الرؤية الستراتيجية لعلاقاتنا، فإنني آمل بشدة أن تدرك واشنطن (مثلنا تماماً) مسؤوليتها عن الاستقرار في العالم. فهناك ليست فقط مشاكل روسيا والولايات المتحدة التي تعقد حياة مواطنينا، واتصالاتهم، وتعاونهم، وممارسة الأعمال التجارية، وتنفيذ المشاريع الإنسانية ، ولكن هناك أيضاً خلافات تشكل مخاطر جسيمة على الأمن الدولي بأوسع معانيها الكلمة.

وأعاد لافروف للأذهان رد فعل موسكو المتوازن والهادئ على التجاوزات التي ظهرت بما في ذلك في مقابلة بايدن الشهيرة مع قناة ABC التلفزيونية، في إشارة إلى وصف بايدن نظيره الروسي فلاديمير بوتين " بالقاتل"، وكذلك رد فعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على اقتراح الرئيس الأميركي جورج بايدن بعقد اجتماع قمة ثنائي. وأضاف " لقد أخذناها بشكل إيجابي ، لكننا نريد أن نفهم جميع جوانب هذه المبادرة التي ندرسها حالياً".

وترهن موسكو تنقية أجواء العلاقات مع واشنطن بتوقف الولايات المتحدة عن التصرف من موقع صاحب السيادة في العالم، وكما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في رسالته إلى الجمعية الفيدرالية للاتحاد الروسي، فإن أميركا تدرك عدم جدوى أي محاولات لإحياء عالم أحادي القطب، وإنشاء هيكل يخضع في إطاره كل بلدان الغرب للولايات المتحدة، وقيام المعسكر الغربي بأكمله بتجنيد دول أخرى في قارات مختلفة ضد الصين وروسيا "تحت راياتهم" ، وأن تفهم أنه ليس عبثًاً أن ميثاق الأمم المتحدة ينص على مبادئ مثل احترام السيادة وسلامة الأراضي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والمساواة في السيادة بين الدول ، وأن تقوم بتنفيذ التزاماتها، والدخول في حوار مع الكرملين، كما هو الحال مع أي دولة أخرى ، قائم على الاحترام المتبادل وعلى أساس توازن المصالح ، واكد أن روسيا مستعدة لأوسع الاتفاقات إذا كانت تلبي مصالحنا. واستدرك " وسنرد بقسوة على أي محاولات لتجاوز "الخطوط الحمراء" التي نعرّفها بأنفسنا".

وأشير في تقرير لمجلس الشؤون الخارجية القريب من الكرملين، أن مستقبل العلاقات الروسية ـ الأميركية وتطوراتها غامض، ولا يستطيع أحد حتى الآن التنبؤ بمستوى النجاح الذي ستحرزه إدارة الرئيس جون بايدن في حل المهام المعقدة والكثيرة الماثلة أمام الولايات المتحدة ، ولا يسع المرء اليوم إلا أن يخمن ما إذا كانت رئاسة بايدن ستستمر لمدة أربع سنوات كاملة، أم أن بايدن سيغادر البيت الأبيض قبل انتهاء فترة ولايته الأولى، وما زالت غير واضحة مسألة ما الذي سيحل بالسياسة الخارجية الأميركية الجديدة بما في ذلك بالنسبة لروسيا، حتى تشغل نائبة الرئيس الأميركي كامالا هارس منصب الرئيس، باعتبارها الخليفة المرتقب للرئيس، ويرى التقرير انه في أحسن الأحوال يمكن ان يجري بعض الانفراج المحدود في التوتر الهادف لإدارة هذه التوترات في العلاقات، وتقليل تكاليف التنافس الأمريكي ـ الروسي لكلا الجانبين. وأضاف : إن موقف بايدن من روسيا والقيادة الروسية يتسم منذ زمن طويل بالتعقيد، وبالكاد يمكن لأي إجراءات من الجانب الروسي أن تغير هذا الموقف بشكل جذري، وسيقترن قبول أي مبادرة روسية محتملة، بالتشكيك، وستكون حتى أكثر الاتفاقات المحدودة مع موسكو موضوع مساومة قاسية، وفي الوقت نفسه سيكون من التفاؤل المفرط الأمل في استقرار النظام الدولي في غضون أربع إلى خمس سنوات، ولا يوجد سبب للاعتقاد بنهاية الدورات السياسية في داخل روسيا والولايات المتحدة.