كنت بعثيّاً..مراجعة نقدية موضوعية، أم محاولة للإفلات من الاتهام؟

Saturday 8th of May 2021 10:06:53 PM ,
العدد : 4939
الصفحة : عام ,

جمال العتّابي

(1)

يُسجّل للدكتور طارق مجيدالعقيلي نجاحه أخيراً في إقناع محسن الشيخ راضي في تدوين مذكراته، وفقاً لما كان يدلي به الشيخ راضي للسيد العقيلي،

وسبق لي أن كتبت للدكتور طارق ساعة الاعلان عن صدور المذكرات، متسائلاً عن الوسيلة التي استطاع بها الوصول الى هذه النتيجة المرتقبة، فذكر لي، أن عامين من المحاولات واللقاءات والزيارات والحوارت، قادت الشيخ راضي لتخفيف هواجسه، ومخاوفه في خوض هذه التجربة، وأقول إن هذه المحاولة بدأها الكاتب مع الشيخ راضي، منذ عام 2009، إذا كانت تسعفه الذاكرة، حين زرته في منزله مع الباحث حيدر حنون، الذي كان يعدّ دراسته للماجستير عن شخصية ناجي طالب، وأبدى السيد محسن استعداده، بادئ الأمر، للتعاون في تدوين مذكراته،إلا أنه تراجع واعتذر في اللقاء الثاني معه.

صدرت المذكرات في جزئها الأول في بغداد، 2021، قدّم لها وحررها الدكتور طارق مجيد العقيلي، الذي بذل جهداً أكاديمياً مهماً، في تعامله مع وقائع السيرة، إذ إلتزم بدور الناقل المحايد، بأمانة تاريخية، وإلتزام بالمروي، أما ماورد من هوامش وتعليقات فهي تعبر عن رأي وقناعة العقيلي.

إن السبل المعتمدة في علميات التحري والبحث عن أحداث إشكالوية في التاريخ السياسي العراقي، ما تزال سبلاً موجعة، لهذا الطرف أو ذاك، في ظل ظاهرة الفوضى، وصراع القوى والأحزاب السياسية، ولا سيما في المدة التي أعقبت قيام الجمهورية الأولى في تموز1958، إذ يحاول كل طرف بإلقاء تبعات المأزق العراقي على الخصوم السياسيين، ويحملهم أسباب الفشل والتراجع والإنتكاس في تاريخ العراق السياسي المعاصر، وفي إدارة الدولة.

مالذي يميز هذه المذكرات عن سواها من المذكرات التي كتبها قادة بعثيون في فترات سابقة؟ أذكر منها على سبيل المثال مذكرات(هاني الفكيكي، ستار الدوري، طالب شبيب، خالد الصالح، حازم جواد، فخري قدوري)، وغيرها، في الإجابة على هذا السؤال، تكمن الاشكالية الأولى في هذه المذكرات، فالعودة الى مذكرات العديد من القادة الشيوعيين، وفي مقدمتها(سلام عادل، سيرة مناضل) إعداد ثمينة ناجي يوسف، مايشير الى دور الشيخ راضي، في اللجان التحقيقية، المشكّلة بعد انقلاب 8 شباط 63، في تصفية وتعذيب الشيوعيين، في معتقل قصر النهاية، والمعتقلات الأخرى.

أعتقد أن الشيخ راضي أراد أن يكون حاضراً الآن، وبحضوره هذا يريد أن يقول كلمته، وإدانته بشدة انقلاب 8 شباط إذ يعترف بالقول: إن طيش الشباب ذهب بالبعثيين الى أقصى حد من التهور وانتهاك الحرمات، وسلب الناس لحرياتهم، ويؤكد بالقول: إننا البعثيون لم نقدم للعراق الخير والتقدم المنشود، لكنه في الوقت ذاته يريد أن يحمل الجناح العسكري في الحزب مسؤولية ما حصل، وهو المتمثل، بالبكر وعماش، عبد الستار عبد اللطيف، كذلك عبد السلام عارف، ورشيد مصلح، وعبد الغني الراوي ويلقي بالمسؤولية على هؤلاء اندفاعهم الهستيري لتصفية معتقلي قطار الموت بعد حركة حسن سريع، تموز 63، لا أبالغ إذا ما ذكرت أن أعداد المرشحين للإعدام بلغ رقماً كبيراً ومخيفاً، يصل الى حد ارتكاب مجازر دموية لو نفذ فيهم الإعدام، ولكي يدعم العسكريون موقفهم وإصرارهم على ذبح الشيوعيين بالجملةبغطاء (شرعي)! وديني، زعم عارف أن لديه نص فتوى من الشيخ أمجد الزهاوي تبيح له قتل الشيوعيين،، وفتوى أخرى من المرجع محسن الحكيم تؤيد ذلك، وهنا ينفي الشيخ راضي هذه الرواية، إنما يؤكد على الفتوى التي صدرت عام 59 بتحريم الانتماء للشيوعية، ووجدت لها صدى إيجابياَ لدى البعث، بما يخدم توجهاتهم السياسية في ظل أجواء الصراع مع الحزب الشيوعي، ويذهب محسن الى أبعد من ذلك محملاً العسكر المسؤولية منذ ، عام 58 (ص166) .

يقول الشيخ راضي :كلنا مسؤولون عما حصل في شباط 63،لكن المسؤولية المباشرة، تقع على المسؤولين عن قصر النهاية، المتعطشين لتعذيب الشيوعيين وإبادتهم، كما يصفهم راضي، وهم(مدحت إبراهيم جمعة، عمار علوش، عبد الكريم الشيخلي، محمد حسين المهداوي، أحمد طه العزوز، هاشم قدوري، وبهاء شبيب)، وهو ينفي إدعاء القائد الشيوعي آرا خاجادور، من أن علي صالح السعدي أطلق على سلام عادل رصاصة الرحمة، يوم 23 شباط، حسب مقررات مجلس الوزراء المحفوظة في المكتبة الوطنية، إذ تشير الى سفر السعدي، الى القاهرة لحضور احتفالات ذكرى الوحدة بين مصر وسوريا.

ويروي محسن رواية أخرى مخالفة لرواية ثمينة ناجي، وآرا، محاولاً نفي الاتهامات الموجهة له بهذ الصدد، إذ يذكر في (ص 157): رأيت سلام عادل في المعتقل، لمدة لاتزيد على خمس دقائق ليلة23 شباط، ولم تكن حالته تسمح بإجراء حديث معه، كان جالساً قبالة حازم جواد ليحقق معه،، ولا أنكر أنه كان في حالة يرثى لها نتيجة التعذيب القاسي الذي لقيه، وإنه تحمل بشجاعة فائقة، شتى أنواع التعذيب، وفيما سمعت أنه تمت تصفيته تحت التعذيب مساء يوم 23 شباط، ولم يعدم. ونقيض هذه الرواية يذكر حنا بطاطو في كتابه ( العراق، ج3، ص 301) أن الحكومة العراقية اعلنت الحكم بالإعدام على سلام عادل، وحسن عوينة، ومحمد حسين ابو العيس، يوم 9 آذار 63.

وفي إحدى المنعطفات التاريخية الحاسمة بعد إنقلاب شباط، كان يوم 9 منه عصيباً، وقريباً من القضاء على نظام قاسم نهائياً، وشهدت غرفة عبد السلام عارف في مبنى الإذاعة اجتماعات ولقاءات، لإعداد وكتابة البيان رقم 13، الذي يعد منعطفاً خطيراً في تاريخ حزب البعث، وأساء الى تاريخه بمجمله، كذلك يجد راضي المبرر لدعوة البيان الى إبادة وسحق الشيوعيين، كرد على البيان الذي كتبه سلام عادل لمقاومة الانقلاب، إلا أنه لا يدعي البراءة من البيان، غير أنه ليس على علم بشكل (دقيق) بكاتبه.

إن تصوراتي وظني كما يقول راضي، هي أن الإندفاع القوي للعسكريين المتعطشين لإبادة الشيوعيين، وأكثرهم حقداً، البكر وعماش، وعارف، هم من أعدّ صياغة البيان، ويبدو أن الحاضرين من البعثيين المدنيين والعسكريين على حد سواء لم يعترضوا على مضمونه.

ويصف الشيخ راضي المشهد الدموي لإعدام عبد الكريم قاسم ورفاقه، كونه الشاهد الحي على عملية التنفيذ، ويتذكر من أسماء الرماة، الملازم نعمة فارس المحياوي، وهو من القيادات البعثية في الجيش.

وعلى الأغلب يدعو الشيخ راضي دائماً لفهم السياقات والظروف التاريخية، التي أحاطت بفشل تجربة حكم البعث، ويمضي أيضاً نحو القوى السياسية الأخرى، وفي مقدمتها الحزب الشيوعي، ليحملها تبعات ومسؤولية ما حصل بعد تموز 58،ويدعوها لمراجعة تاريخها، وكتابته بأمانة وموضوعية، وعلينا أن نناقش بحيادية تامة ماذكره الدكتور طارق في مقدمته للكتاب، انما يحسب لصاحب السيرة، إنه أدان نفسه بقسوة، قبل أن يدينه أحد، وقدّم اعتذاره لكل عراقي شعر في يوم ما أنه كان سبباً في إضطهاده، والحق إن تأخر الإعلان عن الإعتذار والإدانة خير من أن لا يأتيان بعد.