قمع الإنتفاضة والبدائل - الجزء الثالث

Monday 17th of May 2021 09:47:22 PM ,
العدد : 4945 (نسخة الكترونية)
الصفحة : آراء وأفكار ,

 محمد حميد رشيد

نعم تم قمع الإنتفاضة التشرينية بمنتهى الخبث والقسوة ومع كل ذلك فإن الإنتفاضة باقية وإن عمدت بالدم والسجون والقهر والتشويه وبالعكس فإن أحزاب الفساد والهدم والجريمة في أضعف حالاتها وهي تواجه إنتخابات مصيرية ومفصلية ؛

المؤشرات الأولية تشير إلى أنها هذه المرة لن تكون في صالحهم وإن الإنتفاضة نجحت في تأسيس خطاب وطني تخطى ثوابت تلك الأحزاب وكفر بمقدساتهم الكاذبة وخطوطهم الحمر الوهمية وكشف فسادهم وكوارثهم المالية!. وأسست الإنتفاضة لحس وطني عابر للطائفية والعرقية والمناطقية وبدأ البديل الوطني ينمو وكان في البداية عفوياً غيرمنظم وبدأ يبرز في العراق التيار الوطني كبديل للطائفية والفساد وأختل ميزان القوى الطائفية وتراجع الناس من حول أحزاب الفساد المجرمة التي إستمرت في غيّها وتوغلت في الجريمة والقتل .

أمام هذه المتغيرات السياسية كان لزاماً أن تنضج الإنتفاضة وتطوّر شخصيتها وتوجد لها تمثيلاً سياسياً موحد أكثر نضوجاً لكي يكون (بديلاً حقيقياً) للفساد والهدم ويستطيع إن يدير المعركة السياسية بشكل أقوى وأكثر تنظيماً يلتف حولها المنتفضون والوطنيون ولن يكون ذلك إلا حول أحزاب وطنية (كمرحلة الأولى) ثم تنضج وتتبلور (لاحقاً) في حزب وطني واحد كبديل من بدائل الإعتصامات التي حرصت الأحزاب على قمعها بوحشية دموية وخبث.

ومع هذا هناك تشكيك بتشكيل تلك الأحزاب لتنفرد أحزاب الفساد في توجيه الصراع السياسي العراقي من دون منافس . لذا فهناك أهمية كبيرة لتأسيس الأحزاب الوطنية ومع هذا هناك حملة ضد تأسيس أحزاب جديدة (هناك 265 حزباً مجازاً لحد آن ؛ هذا الانتفاخ السرطاني في عدد الأحزاب يؤشر إلى عدة أمور مختلفة منها أن الاحزاب المنبثقة من رحم الانتفاضة مازالت في مرحلة النضج وأما الأحزاب المنبثقة من رحم الأحزاب القديمة فتؤشر إلى أنهم باتوا مقتنعين أن خطابهم القديم بلى وعليهم تجديد خطابهم بشكل جديد وهذه الأحزاب الجديدة محاولة لإرتداء أثواب جديدة بموديلات جديدة). ومن المعترضين على تشكيل تلك الأحزاب في ظل عملية سياسية فاسدة (وبنفس المآخذ والشبهات التي إثيرت على الإنتخابات)من يمثل الإنتفاضة (التشرينية) بحسن نية ورغم أن الأحزاب هي واحدة من أهم أدوات التغير السياسية السلمية المعاصرة ومن أهم الأدوات الديمقراطية.

وفي بعض الأحيان يصدر هذا التشكيك من أطراف أصيلة في العملية السياسية الحالية لغرض عزل الأحزاب التشرينية عن جماهيرها وتسقيطها

لكن الأحزاب الوطنية و التشرينية ضرورة واقعية لأي نشاط سياسي قادم في العراق للأسباب الآتية :ــ

a. الأحزاب والتجمعات والهيئات السياسية حق مكفول لكل مواطن أو مجموعة من المواطنين بموجب القانون والدستور يعطيهم الحق في التجمع والدفاع عن أفكارهم والترويج لها .

b. أن يكون للإنتفاضة أحزاب أوتجمعات محددة تمثلهم وتمنحهم الشخصية السياسية المميزة عن (أحزاب الفساد والفتن) ضرورة نوعية، تصوغ خطابها السياسي وتدافع عن المشروع الوطني،وتلف حولها الوطنيين العراقيين.

c. إذا إتفقنا إن الإنتخابات البرلمانية القادمة معركة مفروضة وسواء اتفقنا أواختلفنا بضرورة المشاركة في إنتخابات2021 القادمة أو لا فإن تشكيل الإنتفاضة لأحزابها ضرورة لابد منها كي يكون هناك من يمثل الإنتفاضة ويدافع عنها ويتبنى قراراتها، ويشارك في أي إنتخابات أخرى قادمة فلا إنتخابات من دون أحزاب تنظمها وتشارك بها وتقدم مرشحيها لها.

d. الإنتفاضة ظاهرة جديدة على المجتمع العراقي وتحتاج إلى تنظير وترويج ودعاية وإعلان ووسائل دفاع ورد المكائد والشبهات عنها بخطاب سياسي منظم والإنتقال من الخطاب العشوائي العاطفي إلى الخطاب السياسي الرسمي المخطط له مسبقاً.

e. هناك حاجة شديدة لتنظيم الإنتفاضة والتخلي عن عشوائية العمل والإرتجال إلى العمل المنظم ولا يوجد بديل في الوقت الحاضر لتنظيم الإنتفاضة خير من تشكيل الأحزاب السياسية الممثلة للمنتفضين .

f. لا من إيجاد قيادة للأنتفاضة تمثل المنتفضين ويمكن إختيار هذه القيادة عبرتلك الأحزاب وبمشاركة جماهيرالمنتفضين وعموم الشعب

g. وجود الأحزاب المنظمة والمعترف بها رسمياً ممكن أن يحدّ من الإغتيالات وتكميم الأفواه ومسلسل العنف والإرهاب ومحاولات إنهاء الإنتفاضة ويكون خطاً دفاعياً عن منتسبي تلك الأحزاب وعن الخط الوطني بشكل عام .

بين الوطنية والتشرينية

تبقى الإنتفاضة التشرينية جزءاً من المشروع الوطني لذا فمن الطبيعي أن ينفتح التيار التشريني ليكون جزءاً أصيلاً من التيار السياسي الوطني العراقي وجزءاً من الشعب العراقي ، وأن لا ينحصر الخطاب التشريني بالمنتفضين بشكل متحزب ومتعصب بل يكون دافعاً للتيارالوطني أن ينفتح هو الآخر على الإنتفاضة التشرينية لكي يقوى التيار الوطني ويتمكن من حشد القوى الوطنية بشكل يمكنه من مواجهة التيارات غير الوطنية التي تعلن تحشدها ضد التيارات الشبابية الوطنية.

السلمية والبدائل :

الديمقراطية الحقيقية والإنتخابات النزيهة والأحزاب الوطنية والتظاهرات والإعتصامات والعصيان المدني المنضبط والإعلام بكل أشكاله كلها من أهم الوسائل السلمية المعتمدة في التغيير والتي لا يمكن للمنتفضين والوطنيين التخلي عنها لأسباب متعددة منها :

A. السلمية ظاهرة حضارية تنبذ العنف تجيزها القوانين والدستور وتجيزها القوانين الأممية والأعراف الدولية وتحظى بمساندة ودعم المنظمات الأممية والدولية ومحمية بغطاء (قوانين حقوق الإنسان الدولية) وتعتبر منتهكي حقوق الإنسان منتهكين للقوانين الدولية .

B. لا يمتلك المنتفضون إمكانية التغيير بغير الوسائل السلمية (في المرحلة الحالية على الأقل) وغالبهم شباب متحمس لوطنه والقسم الأكبر منهم عاطلون عن العمل ومن الطبقات الفقيرة والمسحوقة ولا قبل لهم بالمنازلات العسكرية العنيفة كون أعدائهم مسلحون بشتى الأسلحة ومدربون وخبراء في عمليات العنف المسلح وفي بعض الأحيان يستغلون الأغطية الرسمية (جيش شرطة حشد) كونهم وبتخطيط دقيق ودراية تمكنوا من إختراق أجهزة الدولة لذا فإن أي منازلة مسلحة مع تلك العصابات الخارجة عن القانون لن تكون في صالح المنتفضين.

C. واحد من أهم أهداف المنتفضين هو(حصرالسلاح)بيد الدولة وإنهاء الفصائل المسلحة وكل مظاهر العنف والتوحش والإرهاب والقضاء على كل مبرراته ؛ لذا فأن التخلي عن السلمية يعني الذهاب إلى العنف والصدام المسلح مع تلك العصابات وبالتالي يتخلون عن أهدافهم ومسيرتهم ويدخلون في معركة خاسرة بالتأكيد!.

D. الذهاب إلى الحلول غير السلمية يعطي الحجة القانونية لقمع المنتفضين ويسقط شرعية الإنتفاضة السلمية ويساهم في محاصرة الإنتفاضة في كل ما هو متاح لها من وسائل التغيير السلمية.

نعم هناك قوى كثيرة من أعداء الإنتفاضة تخطط ليلاً ونهاراً للقضاء على الإنتفاضة وعلى المنتفضين أو تحجيم تأثيرهم السياسي أوعزلهم عن مجتمعهم بشتى الوسائل غير الشريفة وغير الشرعية وهناك محاولات متعددة ومتفرقة لتشتيت المنتفضين والتأثيرعلى قراراتهم ؛ وهم يدركون أن الإنتفاضة في وضعها الحالي تحظى بقناعة الشعب وحبهم وتأييدهم وإنهم وبكل تأكيد لو تمكنوا من تنظيم أنفسهم فسيكونون من أهم القوى المؤثرة في الإنتخابات القادمة التي لم يعد التزوير فيها بنفس السهولة التي كانت عليها في الإنتخابات السابقة وهم يدركون أن هناك تراجعاً كبيراً في حصص أحزاب الجريمة والفساد. وإن المستقبل ليس لهم بكل تأكيد وأن الواعي الوطني يزداد يوماً بعد يوم والعراق القوي آت والصبح قريب .