النظام الصحي العراقي يترنّح: نقص في المستشفيات والكوادر الطبية

Tuesday 22nd of June 2021 10:53:00 PM ,
العدد : 4971
الصفحة : سياسية ,

 متابعة/ المدى

في مطلع نيسان 2021 وبعد ثلاثة أيام من اكتشاف علي حسن (38 سنة) إصابة والده السبعيني بفايروس "كورونا"، قرر إخراجه من مستشفى حكومي في العاصمة بغداد ونقله الى مستشفى أهلي بعد اشتداد الأعراض عليه، في ظل معاناته من أمراض مزمنة.

الشاب الذي يعمل في متجر للهواتف النقالة اضطر إلى الاستدانة لتأمين متطلبات العلاج: "لا يمكن أن نتركه هناك حيث الزحام وضعف الخدمات… ساعة واحدة تجعلك تكتشف حجم الفوضى وقلة المستلزمات والأدوية والتلكؤ في معاينة المصابين"، يقول وهو يسرع متوجهاً إلى صيدلية أهلية لشراء أدوية وصفها الطبيب لوالده.

قبلها بنحو عام، وتحديداً في السادس من آذار 2020 ضجت وسائل الإعلام المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي بخبر هروب عثمان (35 سنة) المصاب بفايروس كورونا من محجر صحي جنوب العاصمة بغداد. برر الشاب فعلته بافتقار المكان إلى أبسط مقومات البيئة الصحية.

كان ذلك الخبر كفيلاً بإثارة الهلع بين الناس إذ كانت سيرة الفايروس الغامض في بداياتها. وقتها صبّ المؤمنون بخطر الجائحة جام غضبهم على المؤسسة الصحية العراقية التي تفتقد إلى البنى التحتية والمستلزمات والكوادر المتخصصة، وتعجز عن ان تكون محل ثقة المرضى.

لاحقاً تصدرت قصص وفاة شخصيات عراقية بارزة في المستشفيات كلاعب كرة القدم الدولي أحمد راضي الذي توفي في مستشفى النعمان في العاصمة في حزيران 2020، قائمة "الأدلة الشعبية" على نقص الخدمات العلاجية وسوء الرعاية في المؤسسات الصحية فضلاً عن اتهامات للعاملين فيها بسوء معاملة المرضى. طوال نحو عام ونصف العام من عمر الجائحة ركن الاتجاه العام إلى تجنب المصابين المستشفيات الحكومية "فاللجوء إليها نهايته موتٌ محتم".

لا يتعلق تجنب العلاج في المستشفيات الحكومية بمرضى "كورونا" فقط، بل هي حالة عامة ظهرت مع انحدار مستوى الخدمات الطبية، في ظل تهالك البنية التحتية الصحية والافتقار للأدوية والمستلزمات والأجهزة الطبية الحديثة نتيجة قلة تخصيصات القطاع الصحي إلى جانب تعطيل إنشاء مستشفيات جديدة. وهناك منشآت طبية كان يفترض أن تفتتح قبل عشر سنوات لكنها لا تزال تنتظر إنجازها بسبب الفساد وسوء الادارة، كما يقول مسؤولون وسياسيون باستمرار.

التمويل والفساد

في 30 حزيران 2020 وفي ظل ضعف قدرات المستشفيات لمواجهة الجائحة التي وصلت إلى العراق، موّلت الحكومة وزارة الصحة بمبلغ 50 مليار دينار من احتياطي الطوارئ، فوق ما خصص لها في الموازنة السنوية.

لكن تلك الأرقام التمويلية لا تعني شيئا بالنسبة إلى منتقدي واقع القطاع الصحي، وسط اتهامات مستمرة توجّه الى إدارات المؤسسات العامة بالفساد وسيطرة أحزاب سياسية نافذة عليها واستغلالها لمصالحها المالية، مستشهدين بأمثلة عدة أبرزها ملف تعطل إنشاء 9 مستشفيات في بغداد منذ 2008 (تتراوح سعة الواحد منها بين 200 و400 سرير) وعددا آخر في محافظات أخرى، نتيجة الفساد وسوء الإدارة، على رغم توفر الأموال.

يقول الطبيب محمود حسين إن الواقع المزري للمستشفيات الحكومية "معروف منذ سنوات طويلة ولا يختلف عليه اثنان، لكن كورونا كشف حجم أزمة القطاع الصحي وأظهر مقدار عجزه وعدم ثقة المرضى به".

ويضيف، "أعداد السكان تضاعفت مرتين، فيما المستشفيات هي ذاتها التي بنيت في القرن الماضي. وتلك التي تم التخطيط لبنائها قبل 15 عاماً، التهم الفساد تخصيصاتها ولم تكتمل، الأدوية نادرة والمستلزمات الطبية الحديثة المنقذة للحياة قليلة. بعض المرضى عليهم الانتظار أسابيع لإجراء عمليات قد يؤدي تأجيلها الى موتهم".

طوال نحو عام ونصف العام من عمر الجائحة ركن الاتجاه العام إلى تجنب المصابين المستشفيات الحكومية "فاللجوء إليها نهايته موتٌ محتم".

وتحولت القناعة بعجز المؤسسة الصحية الحكومية وتخلفها إلى إيمان مطلق لدى معظم العراقيين، إثر الحريق الذي اندلع في 24 نيسان 2021 في مستشفى ابن الخطيب بالعاصمة بغداد وأدى إلى مقتل 82 شخصاً وجرح 110 آخرين، معظمهم كانوا مصابين بكورونا ويرقدون هناك لتلقي العلاج.

يقول خبير المناعة العامة والفايروسات الدكتور ماجد العاني، إن الارتفاع في أعداد المتوفين جراء الإصابة بفايروس كورونا في المؤسسات الصحية العراقية سببه "التعامل مع بروتوكولات علاجية خاطئة أضعفت عمل القلب وميعت الدم، وبعضها أدى إلى التهاب بكتيري عند المصابين". العاني الذي ينتقد باستمرار إجراءات وزارة الصحة في تعاملها مع "كوفيد- 19"، يقول إن "هناك علاجات كــ"هيدروكسي كلوروكوين والميرونيم" كانت تصرف للمرضى في المشتشفيات الحكومية على رغم أنها ممنوعة دوليا، وتسببت بقتل المصابين لا الفايروس".

ويضيف أن بعض الأدوية كــ"الكلورفين والديكادرون ساهمت بتدمير أعضاء داخلية لبعض المصابين كالكبد الذي يعد من أهم الأعضاء المصنعة للبروتينات المناعية وأضعفت جهاز المناعة بنحو عام وسمحت بتنشيط الفايروس وتدمير الرئة وحدوث التجلطات القلبية ومن ثم الوفاة". وفي تقرير صدر في 16 تشرين الأول 2020 حددت منظمة الصحة العالمية، أربعة أدوية قالت إنها غير صالحة في التعامل مع الفايروس في المستشفيات، من حيث فاعليتها في تقليل عدد الوفيات، وهي عقاقير بعضها لا يزال معتمداً في البروتوكول العلاجي داخل مستشفيات العراق. لكن المتحدث باسم وزارة الصحة العراقية سيف البدر، يؤكد أنَّ العلاجات المستخدمة في العراق لمصابي "كورونا" يتم تحديثها باستمرار "وهي نفسها التي استخدمت لمعالجة حالات الإصابة بكورونا في الدول المتقدمة".

ويوضح البدر، أن "العراق كانت لديه خبرات علمية متقدمة ومتراكمة من الأطباء المختصين خلال الأشهر الماضية"، لافتاً إلى أن "الوزارة حدثت البروتوكولات العلاجية أكثر من مرة، اعتماداً على المراجعات العلمية والمعطيات المستجدة".

نقص الأوكسجين

ويعدُّ النقص الحاد في تجهيز الأوكسجين الطبي، والذي تكرر في الكثير من المستشفيات الحكومية في طول البلاد وعرضها خلال عام 2020، من بين المؤشرات المرصودة على تردي الواقع الخدمي في المؤسسات الصحية.

لا يستطيع معاون مدير صحة واسط سعدون الأمير نسيان ليلة 21 تموز 2020 حين نفدت قناني الأوكسجين المجهزة لمستشفى الزهراء المخصص لحجر المصابين في محافظة واسط.

ووفقاً للأمير، لم يكن بوسع الملاكات الصحية في رئاسة صحة المحافظة سوى إطلاق نداء استغاثة، داعيةً الأهالي الى مساعدة المرضى الراقدين، وبالفعل تبرع "مُحسنون" بـ400 اسطوانة أوكسجين في تلك الليلة.

يفاقم المشكلة اعتماد المستشفيات الحكومية على معامل أهلية لتجهيزها بالأوكسجين، بحسب الأمير، وهي معامل غير خاضعة لإشراف لجان مختصة لمراقبة جودة ونقاوة الأوكسجين المنتج، واصفاً الأمر بالتخبط والإرباك في الإجراءات الصحية المتبعة لمواجهة الوباء. ويرصد الأمير مشكلات أخرى مثل "نقل أجهزة الأوكسجين التي هي عرضة للتلوث من مريض إلى آخر، في ظل ندرة مستلزمات الوقاية والعلاج والافتقار إلى النظافة".

أفضل من المستشفى

مع تدهور الواقع الخدمي في المؤسسات الصحية، يقول بسيم ناهي (39 سنة)، أحد الذين تأكدت إصابتهم بـ"كورونا" ورقد في مستشفى مدينة الطب، بأنه شاهد خلال الساعات التي أمضاها هناك، مصابين يفترشون الممرات لعدم كفاية الأسرِّة يستنجدون بالممرضين لمعاينة أوضاعهم وإلى جانبهم أعداد كبيرة من المرافقين ما يعني "حتمية انتقال العدوى إليهم".

ناهي الذي غادر المستشفى على مسؤوليته الشخصية تاركاً خلفه وثائق المعاينات الطبية، يقول إنه فضل البقاء 17 يوماً محجوراً في غرفة صغيرة داخل منزله المتواضع في حي البياع شرقي بغداد، على رغم الأعراض الشديدة التي عانى منها وخطر نقل العدوى إلى عائلته والحر الخانق جراء انقطاع الكهرباء الى جانب مصاريف العلاج الباهظة، على البقاء داخل المستشفى.

قلة الكوادر المتخصصة

وفق شهادات لمرضى ومراجعين وبعض الكوادر الصحية، تشكو غالبية المؤسسات الصحية الحكومية من غياب الأطباء الاختصاص عن ردهات الطوارئ، ويتم الاعتماد بنحو شبه كامل على الطبيب الممارس أو الكادر التمريضي.

غياب الكوادر المتخصصة وشح الأدوية في صيدليات المستشفيات والافتقاد لبعض الأجهزة الحيوية وغياب النظافة وقلة الاهتمام، إلى جانب التباين الكبير في تعامل الطبيب مع المريض في ردهات المستشفيات وعيادته الخاصة، كلها أسباب تدفع لفقدان ثقة المواطن بالمؤسسات الصحية الحكومية، مقارنة مع المستشفيات الأهلية (الخاصة) التي تتميز بخدمات أفضل. وهذا ما يجمعون عليه. يكشف تقرير للجهاز المركزي للإحصاء في العراق تدني نسبة الأطباء مقارنة بعدد السكان، إذ أن لكل ألف عراقي هناك 20 ممرضاً وممرضة، و3 صيادلة، وأقل من طبيب واحد.

وبحسب تقرير للبنك الدولي عن مؤشرات التنمية العالمية، فإن نسبة الأطباء إلى مجموع السكان في العراق لا تتعدى 0.08 في المئة، أي أقل من طبيب لكل ألف نسمة (مقابل 1.57 طبيب لكل ألف كمعدل عالمي).

لا ينفي المتحدث الرسمي باسم صحة الكرخ زياد حازم وجود هذه المشكلات التي تضع القطاع الصحي الحكومي في موضع انتقاد دائم، لكنه يردها الى ضخامة المسؤولية الملقاة على الأطباء والكوادر التمريضية في ظل قلة الإمكانات "على رغم الجهود المضنية التي يبذلونها" وفقاً لتعبيره.

يقول حازم "لا يمكن وصف النظام الصحي في البلاد بمعزل عن المحيط الدولي وتداعيات كورونا، التي شهدنا خلال فترة انتشار الفايروس انهيارها في أغلب الدول".

ذلك الواقع هو ذاته الذي دفع خلية الأزمة النيابية في الحادي والعشرين من أيار/ مايو 2020، إلى إطلاق جرس الإنذار والتحذير مما وصفته بـ"انهيار النظام الصحي" في "العراق في حال لم تتخذ الجهات المعنية إجراءات صارمة لمواجهة جائحة كورونا، في ظل عدم التزام المواطنين بمتطلبات مكافحة الفايروس من ارتداء الكمامات وتجنب المناطق المزدحمة ووقف الزيارات العائلية".

• أنجز التقرير بدعم من مؤسسة "نيريج" للتحقيقات الاستقصائية