عبد الله صخي: حاولت أن أسجل سيرة جيلي

Sunday 11th of July 2021 11:10:08 PM ,
العدد : 4984
الصفحة : عام ,

حاوره:علاء المفرجي

القسم الثاني

القاص والروائي عبد الله صخي، هو احد أدباء العراق الذين اختاروا المنفى في سنوات القمع الدكتاتوري، إثر الحملة التي شنها النظام القمعي نهاية السبعينيات..

ولد عبد الله صخي ونشأ في بغداد لعائلة كادحة. وبدأ رحلة العمل مبكرا، وهو بعمر المراهقة، حيث عمل عامل بناء أثناء دراسته ثم دخل الجامعة المستنصرية لدراسة الأدب الانكليزي. وبدأ سيرته المهنية في الصحافة العراقية. وصدرت له اولى اعماله عام 1980 في بيروت، بعد أن غادر العراق الى لبنان عام 1979 واصدر هناك مجموعته القصصية الأولى بعنوان «حقول دائمة الخضرة». ثم انتقل الى دمشق فأقام فيها نحو عشر سنوات ترجم خلالها قصصاً للكاتب الالماني هيرمان هيسه بعنوان «أنباء غريبة من كوكب آخر»، ورواية للكاتب الكيني بعنوان «النهر الفاصل». عمل في العديد من الصحف العربية والعراقية، ومحطات الإذاعة والتلفزيون ووكالات الأنباء. وصدرت له عام 2008 اولى رواياته بعنوان (خلف السدة) عن دار المدى، وأعقبها باصدار روايتين، شكلت ثلاثية، وهما (دروب الفقدان) و (اللاجئ العراقي) عن (المدى) ايضا.

حاورته (المدى) للوقوف على تجلربته الروائية:

 هل ضمنت سيرتك الذاتية في الثلاثية؟

- أحسب أن هناك فرقاً بين المذكرات والسيرة الذاتية. فالمذكرات غالباً ما تتناول علاقة كاتبها بزمنه وتجربته الفكرية والسياسية دون أن تمس الجوهر الشخصي. ولدينا الكثير من المذكرات عند طه حسين، ولويس عوض، وعمرو موسى، والجواهري، ومحمد نجيب. هذا النتاج ليس بالضرورة أن يكون أدباً إنما هو سجل حافل بالتجارب السياسية والفكرية والحياتية. أما أدب السيرة الذاتية، فهو نتاج كاتب محترف كرس حياته للفن أو الرواية أو الشعر، وهو نادر في العالم العربي بسبب التابوهات التي يضعها المجتمع أو الرقابة الحكومية. الكاتب العربي مقموع خائف من نفسه ومن السلطة والمجتمع فلا يجرؤ على الإعلان عن الوقائع الخاصة التي شكّلت تجربته منذ الطفولة، ولا على المنعطفات المهمة التي عصفت بجانب من تلك التجربة وغيّرت مسارها.

لذلك؛ فوجئنا بكتاب المغربي محمد شكري «الخبز الحافي» الذي أدهشنا بشجاعته في مواجهة نفسه ومجتمعه، وعرض لنا وقائع لم يجرؤ كاتب عربي قبله على عرضها وكشفها. لذلك؛ يمكننا أن نضع ما كتبه شكري تحت بند السيرة الذاتية، وأظنه كان صادقاً إلى حد كبير (غالباً ما تنتابني الشكوك حول صدقية هذا النوع من الكتابة). وهذه إحدى أهم مميزات السيرة الذاتية التي افتقدها يوسف الصائغ في كتابه «الاعتراف الأخير لمالك بن الريب» لظني أنه افتقر إلى نقل الحقائق التي يعرفها المقربون منه، خاصة فترة اعتقاله عقب انقلاب الثامن من فبراير (شباط) عام 1963 التي مر عليها مروراً سريعاً حتى كادت تسقط من الكتاب. فيما يتعلق بثلاثيتي الروائية «خلف السدة، دروب الفقدان، اللاجئ العراقي» فلم أكتب سيرة ذاتية، بل حاولت أن أسجل سيرة جيلي الذي نشأ في ظل المنعطفات السياسية الكبرى. لكني أعتقد أن أي رواية تتضمن شيئاً ما من سيرة كاتبها حتى دون أن يقصد ذلك.

 كتبت الناقدة فاطمة المحسن: «الصعب القول ان «دروب الفقدان» رواية تاريخية، رغم ان تضاريس التواريخ التي تتحدد بين الستينات والسبعينات واضحة المعالم فيها، بل هي الرابط الذي يشد بنيات الرواية. ولكنها رواية توثّق حقبة في تاريخ المدينة التي غدت اليوم أشد تأثيرا من دورها السابق في الحدث العراقي.».. هل تعد الثلاثية رواية تاريخية.. وماذا تقول عن غياب هذا النوع من الرواية؟

- الأعمال التي أنتجها جورجي زيدان ونجيب كيلاني وسليم البستاني لم يكن دافعها إعادة خلق الواقعة التاريخية استجابة لمعطى حياتي راهن، إنما أغلبها كتب بدوافع تعليمية أو قومية أو محاولة لاستعادة مجد غابر. و أن هذه الروايات استعادية أو تعليمية، ويقول إن غايتها الأساسية، كما أحسب، هي التذكير بالتجارب الحربية والسياسية أثناء الحكم الإسلامي حتى الاستعمار العثماني. لمن نحتكم؟ للتاريخ أم للنص الذي كتب عنه ومنه؟ وإلى أي مدى يلتزم الكاتب بالواقعة التاريخية لجهة دقة الأحداث وحجم الخيال الذي يؤطرها؟»، مُشيراً إلى أن النقد العربي اهتم بهذين السؤالين فتنافرت الأجوبة.

هناك من يرجح الخيال على التاريخ أو من يرجح التاريخ على الخيال. إن أحد أسباب ضعف الاهتمام بالرواية التاريخية اليوم قد يكون غياب مفهوم دقيق لمصطلح الرواية التاريخية وجوهره وتكوينه. السبب الآخر هو الانتشار واسع النطاق للمسلسلات التلفزيونية العراقية والعربية التي استقت من التاريخ جل أحداثه وشخصياته البارزة للحد الذي سلبت من الروائي فرصة إعادة كتابة تلك الأحداث وإعادة بناء تلك الشخصيات في رؤية سردية جديدة. وقد أضيف سبب آخر هو أن الواقع العراقي، على سبيل المثال، يزخر بمادة يومية ثرية قد تغني الروائي عن البحث في بطون الكتب والوثائق للحصول على مادة يضاهي بها اللحظة الراهنة أو يماثلها».

فإذا كان التاريخ بمعنى وقائع وأحداث فالرواية تعتمده كوسيلة لتقديم رؤية عن الحياة في مرحلة زمنية معينة. بلزاك يرى أن الرواية حليف التاريخ. لقد تناولت أحداثاً في سياقات زمنية معروفة للقارئ. أما غير المعروف فهو تركيب تلك الحوادث وتشييدها في معمار أساسه الواقع والخيال. إذا كان التاريخ مزيفاً، هنا تقصد التاريخ كماض، كأحداث تاريخية في أزمنة غابرة من المستحيل فحص مصداقيتها، ستكون مهمة الرواية تصحيح التاريخ ووضعه في سياقه المعتدل والعقلاني استناداً إلى الهدف المتوخى من العودة إلى الماضي السحيق. ولدينا أمثلة على ذلك رواية “قصر الذئاب” لهيلاري مانتل التي تناولت صعود كرومويل رئيس وزراء هنري الثامن، والصراعات السياسية في ديوان الملك، أو رواية “مذكرات أدريان” لمارغريت يورسنار. ويحدث أن تزيّف الرواية التاريخ، كما يرى بعض النقاد الذي وجهوا انتقادا لاذعا لأبرز كتاب الرواية التاريخية والتر سكوت إذ قال أحدهم: “كل هذه الصور من الماضي البعيد التي يعرضها صور زائفة، ليس فيها صحيح سوى الملابس والمناظر والمظاهر الخارجية”. على العموم لا يمكن الفصل بين الرواية والتواريخ كأحداث. فلو تناولنا فترة الاحتلال البريطاني للعراق ثم تأسيس الدولة العراقية الحديثة مروراً بثورة العشرين سنعتمد على التاريخ، ولكن في النسق الذي يخدم وجهتنا، رسالتنا، هدفنا.

 ياخذ البعض ممن كتب عن الثلاثية هو الاغراق في المحلية.. ما تعليقك؟

- لم تأت المحلية عرضاً أو مصادفة بل كنت أقصدها. لقد تلقيتها من أساتذتي الكتاب الذين برعوا في استخدامها، مثل نجيب محفوظ، غائب طعمة فرمان، فؤاد التكرلي، والكثير من الكتاب الأجانب. المحلية هي روح الأدب. من المحلية ننطلق إلى آفاق أرحب. ألم تكن رواية «النخلة والجيران» محلية؟ أليست «الشراع والعاصفة» محلية؟ ألم تكن «الرجع البعيد» محلية؟ أو رواية غارسيا ماركيز «حب في زمن الكوليرا»؟ إذا لم يكتب الروائي عن روح بلاده عن ماذا يكتب؟ المحلية أولاً.