محمود نسيمي يقدم درسافي الحياة في رواية( افغاني في باريس )

Monday 12th of July 2021 10:01:23 PM ,
العدد : 4985
الصفحة : عام ,

ترجمة : عدوية الهلالي

بعد إجباره على الفرار من بلاده افغانستان بين عشية وضحاها في عام 2013 ، من دون أن يكون قادرًا على توديع أقاربه واحبائه،

 ثم عبوره العديد من البلدان سيرًا على الأقدام مخاطرا بحياته في ظروف رهيبة لا يخوض في تفاصيلها ، بدافع الحياء وضبط النفس ، وصل هذا الرجل إلى فرنسا دون أن ينطق كلمة فرنسية واحدة .. ظل الشاب الافغاني ( محمود نسيمي) يتجول وحيدًا وبائسًا في شوارع باريس ، من دون ارتباط أو صديق يتحدث معه ، وعندما يدخل الشاب القادم من الجانب الآخر من العالم مقبرة بير لاشيز. ويكتشف لأول مرة قبر بلزاك ، الذي لا يعرف عنه شيئًا ،. يشرح في كتاب سيرته الصغير كيف أنه ، ومن خلال بحث بسيط على الشبكة المعلوماتية في هاتفه ، يكشف النقاب عن هوية هذا الكاتب المرموق بوضوح ، قبل أن يصبح شغوفًا بأعماله ، كما سيفعل بعد ذلك مع المؤلفين الكبار الآخرين. وهذا ما سيغير حياته وطريقته في العيش ورؤية الأشياء. وشيئًا فشيئًا ، سيغادر سجنه الخارجي ليحصل على حريته ..وبعد 730 يومًا من عبور الجحيم. أصبحت اللغة الفرنسية ملاذًا لهذا الأجنبي الذي أقام علاقة شعرية مع المقابر ، وخاصة مقبرة بير لاشيز في باريس .. الداخلية.

تعلم محمود نسيمي الفرنسية من خلال قراءة تشارلز بودلير ومارسيل بروست وإميل زولا ، وهي آثار أدبية وجدها في مقبرة بير لاشيز في شرق باريس.ثم قام بتأليف أول كتاب في عام 2018 ، وأصدر بعده كتابه الثاني “أفغاني في باريس “ الصادرعن منشورات دوباليه بلغة ليست لغته. فبعد ان عانى من الوحدة واليأس ، سيسمح لنفسه أن يسترشد بفضوله وشغفه. وبشكل منهجي ، وبمساعدة دفتر ملاحظاته الذي يسجل فيه كل شيء بدقة ، لم يتعلم الفرنسية فقط بنفسه (في البداية) ، ولكن قبل كل شيء التهم أعمال بلزاك وبروست وايلوار وآخرين.

يقول نسيمي في كتابه :” لست قارئًا صغيرًا (ولا قارئًا كبيرًا جدًا) ، انا أجد نفسي صغيرًا جدًا فيما يتعلق بالثقافة الفرنسية “ ..تلك الثقافة التي اكتسبها هذا الرجل بالفعل - في غضون ثلاث أو أربع سنوات بالكاد - إلى جانب خبرة استثنائية بالفعل.

ويجد نسيمي نفسه في هذا المكان المثالي: بين قبري مارسيل بروست وأونوريه دي بلزاك. في مقبرة بير لاشيز، وهي مقبرة باريسية شهيرة حيث يستريح أعظم كتاب الأدب الفرنسي. حيث يجلس المؤلف الأفغاني البالغ من العمر 34 عامًا على مقعد بين قبور الجرانيت ، وهو يشعر بالارتياح. فهذا هو المكان الذي يشعر فيه بأفضل ما يكون عليه منذ وصوله إلى فرنسا.

لكن ما يميزنسيمي قبل كل شيء هو حالة ذهنية معنية لابد ان يستلهمها الكثيرون ، فهو يعبر عن قوة شخصية وحرية داخلية رائعة للغاية بحيث تصبح نموذجًا حقيقيًا. فمن خلال حالة ذهنية معينة ، ومزيج من التفاؤل والإرادة ، يمكن للمرء التغلب على سلسلة من المصائب الشديدة وصياغة مستقبل بدا أنه كان معرضا للخطر إلى حد كبير.

في مايخص كتاب (افغاني في باريس) فهو مكتوب بلغة رائعة ، وفي نفس الوقت أنيقة ، ومليئة بالبراعة والشاعرية. أما الموضوع فهو ذكي ومدروس وينفث نفساً من الحياة والصفاء المستعاد جزئياً والذي يستحق الاحترام. اذ يمكن التغلب على الشوق والوحدة واليأس بفضل قوة حيوية تجد مصدر إلهامها في الأدب الراقي وهذا ليس شائعا جدا.وبهذه الطريقة يمكن ان يساعد اكتشاف الادب وحبه في انقاذ رجل فقد حريته ..

وبالنسبة لنا نحن الأشخاص المتذمرين ، الذين اعتدنا على التحسر على لا شيء ، يقدم محمود نسيمي درسًا في الحياة سيستفيد منه الجميع. عسى ان يتمكن في يوم من الأيام من العثور على أحبائه ، الموجودين دائمًا في قلبه.