عراقيون عالقون في ليتوانيا .. أحلام هجرة تلاشت خلف سياج مخيم

Sunday 15th of August 2021 11:58:46 PM ,
العدد : 5003
الصفحة : سياسية ,

 متابعة / المدى

سلط تقرير نشره موقع (DW) الألماني، الضوء على الحياة الصعبة التي يقاسيها العراقيون المهاجرون العالقون في ليتوانيا، وما إذا كان هؤلاء يرغبون بالعودة إلى بلدهم.

في ما يلي مقتطف ضافٍ من التقرير:

استغرق الأمر نحو أربعين دقيقة بالسيارة من العاصمة فيلنيوس حتى مخيم رودنينكاي. سرنا في طريق قديم في الغابة، فجأة ظهر لنا المخيم، توقفنا وهرول إلينا بسرعة الحرس للسؤال عن سبب قدومنا، فنحن رجلان شرق أوسطيان يشبهان كثيرا ملامح المحتجزين في المخيم ومعنا سيدة أوروبية. قلنا للحرس نحن صحفيون. طلب واحد منهم رفيع الرتبة هوياتنا، وحين قرأ أننا من "دويتشه فيله" ابتسم قائلا "أعرف قناتكم". لكنه رفض دخولنا المخيم من دون إذن من وزارة الداخلية، فالمخيمات أغلقت لتوها بوجه الصحافة بعد هروب عدد من المهاجرين غير النظاميين. انتظرنا ثلاث ساعات حتى حصلنا على موافقة من مكتب وزيرة الداخلية، فجاء الحرس مهرولين هذه المرة أيضا لكن لفتح بوابة المخيم. كارافانات وخيم صغيرة وكبيرة تحيط بها أسيجة من الحديد، لم يسمح لنا بدخول الخيم ربما حفاظا على سلامتنا وصحتنا، لكن سمح لنا بلقاء المهاجرين من خلف السياج. معظم الوجوه شرق أوسطية والبعض من أفريقيا. الملابس رثة وسخة والوجوه متعبة لحد الأعياء. أغلبهم شباب بالعشرينيات.

العراقيون منهم يشكون من ظلم الدولة وسلطة الأحزاب والميليشيات، واحد منهم بدأ بشتم أحد أبرز القادة العراقيين، فرد عليه آخر بإن "القائد" لا يتحمل مسؤولية الفساد في العراق. صراع في الأفكار، حتى وهم خلف سياج حديدي في وضع مزر وسط غابة رطبة. أغلبهم ممن اشترك في التظاهرات التي اندلعت بالعراق في أكتوبر/ تشرين الأول 2019. اشتكوا من الخدمات ومن أن وجبات الطعام سيئة ويقولون إن هناك وجبة طعام واحدة ساخنة في اليوم، والمتبقي بسكويت وخبز مجفف لا يؤكل. صرخ واحد منهم اسمه أحمد بالجميع: "لا تتكلموا عن الطعام والوجبات، فنحن جئنا من أجل أن نعيش بحرية لا لغرض الطعام، لسنا جياعا في بلادنا". المياه تميل إلى اللون الأصفر، مرافقتنا الأوروبية قالت إن الجميع يستعمل هذه المياه للغسيل في القرى، وهذه ليست مياه ملوثة. مياه الشرب يحصلون عليها في قناني بلاستيكية. كل يوم تأتي شاحنة تبيع لهم ما يحتاجون، لكن الأسعار مرتفعة. يصرخ أحدهم: "السيدة صاحبة المتجر المتنقل تضاعف الأسعار كل يوم. وتستغل حاجتنا للطعام". أحمد شاب من كربلاء، الإصابات بجسمه في كل مكان. يروي وأصابعه تلتف حول الفراغات في السياج الحديدي، قصة إصابته قبل 6 أعوام بانفجار سيارة مفخخة في الكاظمية في بغداد، فقد إحدى عينيه "خرجنا للتظاهر في العراق فقتلوا بعضنا، جئنا إلى أوروبا فعاملونا مثل الحيوانات". يتكلم أحمد وعينه الأخرى التي ينظر فيها تبدو حزينة، مثل صوته.

عبد الله مصاب بداء الصدفية عمره 21 عاما، يعاني من المرض منذ 19 عاما والصدفية تغطي جسمه من رأسه إلى أخمص قدميه، خلع عنه ثيابه فبدا الجسد نحيلا متشققا وقال: "لا أستطيع الوقوف، كل يوم أموت أكثر من مرة، لم يعطوني العلاج". وهناك أيضا شخص مصاب بمرض مزمن قاتل في الجهاز العضلي، وشقيقه الآخر مصاب بنفس المرض، لكنه ممدد في الخيمة لا يستطيع النهوض. البعض تحدث عن وجود حالات إصابة بفايروس كورونا داخل المخيم. حالات الأمراض كثيرة والمخيم لا يصلح للعيش. ووزارة الداخلية الليتوانية تعرف ذلك. السياسي المحافظ ومساعد وزيرة الداخلية أرنولداس أبرامافيسيوس اعترف في حوار مع DW عربية أن هذا المخيم واحد من "أكثر الموضوعات تعقيدا في المخيمات التي تأوي لاجئين في ليتوانيا، قضية هذا المخيم قيد الدراسة". وأضاف أبرامافيسوس أنه كان قد "أوضح مع وفد عراقي وصل إلى فيلنيوس قبل أسابيع أن السلطات ستهتم بأوضاع المهاجرين أكثر في حال توقف تدفقهم من بيلاروسيا بعد توقف الطيران المباشر من بغداد إلى مينسك". هناك بالفعل مخيمات أفضل، خصوصا تلك التي تأوي الأسر. كما أن الأوضاع ستتحسن في المستقبل ويتم الآن إنشاء مخيمات ملائمة، حسبما كشف لنا مسؤول رفيع في وزارة الداخلية، ونحن في طريقنا إلى مكتب مساعد الوزيرة، وعرض علينا بعض الصور لغرف حديثة ومؤثثة جيدا. مساعد وزيرة الداخلية في ليتوانيا أرنولداس أبرامافيسيوس حمل السلطات في بيلاروسيا حادث مقتل أحد المهاجرين العراقيين على الحدود، لأنها "تدعو شركات السياحة العراقية إلى جلب الشباب الراغب بالهجرة إلى أوروبا وتساعدهم في بلوغ الحدود مع ليتوانيا، ولهذا فإن السلطات البيلاروسية تتحمل المسؤولية الكاملة".

كذلك فيتيس يوركونيس الباحث السياسي في منظمة فريدوم هاوس، يرى أن السلطات في بيلاروسيا تورط العراقيين الراغبين بدخول الاتحاد الأوروبي من خلال طريق الهجرة هذا، وقال إن "ليتوانيا لا تمتلك البنية التحتية ولا الخبرة البشرية في معالجة قضايا اللجوء. وأول أزمة لاجئين عصفت بليتوانيا هي بعد لجوء كثير من المواطنين من بيلاروس إليها بعد الصراع السياسي مع الرئيس لوكاشينكو. النظام هناك لا يسمح لمواطنيه بعبور الحدود، لكنه يسمح لمواطنين من الشرق الأوسط بفعل هذا".

العراق أوقف رحلات شركة الخطوط الجوية العراقية إلى مينسك، وأرسل طائرات فارغة لتعيد العالقين منهم في بيلاروسيا، بعضهم مازال عالقا في مينسك بعد أن خسر كل ما عنده من أموال وعليه دفع تذكرة العودة بنفسه. السلطات في بغداد لا يمكنها منع العراقيين الذين يغادرون مطار بغداد بطريقة قانونية، حسبما ذكر مسؤولون عراقيون. كما أنها لا يمكنها منع من يرغب بالطيران منهم إلى الخارج إلى إسطنبول مثلا ومن ثم إلى مينسك. وحين أغلقت ليتوانيا حدودها ومنعت المهاجرين من العبور، فتحت حدود أخرى مجاورة في لاتفيا وبولندا، إذ عبر هناك المئات من بيلاروسيا إلى تلك الدول.

حين تجولنا في مخيم رودنينكاي سألنا بعضهم عن طريق وصولهم إلى ليتوانيا، قالوا: "جئنا عن طريق مينسك، لكننا لسنا هجرة منظمة ولم نصل عن طريق مهربين، سمعنا بفرصة فتح منفذ إلى أوروبا وسافرنا". أحدهم قال إنه قرر المجيء بعد وصول وزير خارجية ليتوانيا غابريليوس لاندسبيرغيس إلى بغداد لمناقشة قضية لجوء بعض العراقيين إلى بلاده.

هناك أنباء تتحدث عن معاملة سيئة على الحدود مع لاتفيا، لكن لا يمكن التأكد من صحتها. أما في بولندا التي دخلها فعلا الشاب يحيى (اسم مستعار) وأمسكت به السلطات وأعادته إلى الحدود مع بيلاروسيا، فيقول إن الحرس لم يعاملوهم بشكل سيئ، لكن كانوا لا يعطوهم المساعدات.

ويضيف يحيى: "كنا في الوسط بين رجال حرس الحدود الليتوانيين والبيلاروسيين وكانوا يصرخون على بعضهم حتى أنني اعتقدت أننا سيطلق علينا النار ونموت وكنت أتوسل لحرس الحدود الليتوانيين ألَّا يطلقوا النار". من الواضح أن العراقيين الذين توهموا أن الطريق مفتوح إلى أوروبا وبالخصوص إلى ألمانيا عن طريق بيلاروسيا قد وقعوا ضحية لعبة سياسية، يحيى قرر ألّا يعود مرة أخرى إلى أوروبا، إلا بطريقة قانونية.