العمود الثامن: عراق علي الوردي

Monday 13th of September 2021 11:19:31 PM ,
العدد : 5023
الصفحة : الأعمدة , علي حسين

 علي حسين

في مرات كثيرة أعود للحديث عن شخصيات كتبتُ عنها أكثر من مرة في هذه الزاوية التي دخلت عامها الثاني عشر منذ أيام، وأسباب العودة للحديث عن شخصيات بأهمية الجواهري وجواد علي والسياب وهادي العلوي وجواد سليم ويوسف العاني وعلي الوردي ونازك الملائكة والساحرة عفيفة إسكندر،

وصاحب النخلة والجيران الذي تحول بيته إلى أنقاض أمام أنظار الجهات المسؤولة، هي مسؤولية وطنية للحفاظ على ذكرى رموز العراق، وتذكير الجيل الجديد بأن هذه البلاد لم تنجب سليم الجبوري وعباس البياتي وعواطف النعمة وأبو مازن فقط، وإنما صورتها الحقيقية تكمن فيمن يمثلها أحسن تمثيل، وكان واحداً من هؤلاء الراحل علي الوردي الذي تفتتح وزارة الثقافة اليوم مؤتمر العلوم الاجتماعية والإنسانية تحت عنوان "دورة علي الوردي"، وكنت أتمنى أن يكون علي الوردي شخصية العراق الثقافية والفكرية لعام 2021، وأن يتم تحويل بيته علي إلى متحف ، وان تقدم كتبه للاجيال . في مصر الدولة الفقيرة مالياً، شاهدنا كيف وزعت وزارة الثقافة كتب طه حسين وجمال حمدان ورجال التنوير بأسعار زهيدة لجمهور القراء، لتقول لهم هذا هو تاريخكم الفكري والثقافي، قبل أن تهجم عليكم "كوامة" العشائر.

حاول المرحوم علي الوردي أن ينشر ثقافة مضادة لإثنين، وعاظ السلاطين وشيوخ الطائفية.. لكن كلاهما فيما بعد كان وراء محاربته، لأنه حذّر في كتابه "وعاظ السلاطين" من أن يؤمن الناس بأن الحــلَّ لأزمات البلد هو تحويل الشعب إلى قبائل، كل منها تبحث عن مصالحها.

علي الوردي كتب "وعاظ السلاطين" بعد كتابة "مهزلة العقل البشري" الذي أثار عليه وعاظ الخرافة، وهو أول كتاب ينشد فيه الوردي التغيير الذي لا يتحقق إلا من خلال نقد مفاهيم اجتماعية تعشّش في الرؤوس منذ قرون.

في وعّاظ السلاطين حكايتنا جميعاً مع مندوبي الطائفية الذين يعتقدون أن الحــلَّ لأزمات البلد هو تحويل الشعب إلى قبائل، كل منها تبحث عن مظلوميتها.. المهم أن يجد الشيعي خلاصه في مطاردة السُنّي، وأن يرى السُنّي سعادته في تحقير الشيعي وشتمه والانتقاص منه.

هذا ما يجعل الوردي، وهو ينحاز إلى المواطن البسيط المبتلى بفرسان الطائفية ووعّاظها، يضيف إلى قدراته كعالم اجتماع ميزة أخرى هي الجمع بين المثقف ورجل التنوير. وبين التعرف على خزعبلات التاريخ الذي يصر الآن معظم الساسة على أن نبقى نعيش فيه ولا نغادر حوادثه، وبين المستقبل الذي لا يمكن الدخول إليه بلباس طائفي وعقول تعيش في القرن الأول الهجري.

أيها السادة الجيل الجديد في العراق بحاجة إلى نموذج علي الوردي ليعرف جيداً أن الشعوب لا تذهب إلى المستقبل ومستنقعات الفساد والطائفية تحيط بها من كل جانب وتظهر إلى العلن في الفضائيات.