قراءة في مذكرات محسن الشيخ راضي (كنت بعثيا) 3-3

Wednesday 15th of September 2021 11:21:38 PM ,
العدد : 5025
الصفحة : آراء وأفكار ,

 زهير كاظم عبود

وبالنظر للمعلومات التي وردت الى دائرة الاستخبارات العسكرية العراقية حول الشكوك التي تفيد بارتباط محمد المهداوي مع المخابرات الأجنبية واتجاه النية الى استقدامه الى العراق تمهيداً لاعتقاله ومحاكمته، فقد أرسل صالح مهدي عماش كلمة السر ( ابو هدى يسلم ) مع مسؤول المخابرات المركزية ( بيل ليكلاند )

ليبلغه بعدم العودة لوجود تحقيق ضده ونية لاعتقاله وخشية من كشف الشبكة المخابراتية وتصفيتها بالنظر للمهمة المناطة بها ابلغ ( بيل ليكلاند ) كلمة السر الى محمد المهداوي الذي ازداد وثوقاً بان الرجل الأمريكي يعمل ضمن المنظومة التي يعمل بها مع صالح مهدي عماش ( انظر طالب شبيب الصفحة 276 من كتابة عراق 8 شباط 1963 ) ويذكر المرحوم علي كريم سعيد في حاشية الصفحة 280 من كتابه من حوار المفاهيم الى حوار الدم ما يؤكد تفصيل الشبهات التي تحوم حول ارتباط صالح مهدي عماش بالمخابرات الأجنبية وليس مصادفة أو اعتباطاً أن يفشي عماش كلمة السر الموجهة الى محمد المهداوي بواسطة رجل مخابرات أمريكي مع معرفته بمهمته الاستخبارية ٫ ويذكر السيد محسن ( ص ٢٣٣ )حقيقة تسربت اليه عن علاقة عماش بليكيلاند وهذه العلاقة بعلم وموافقة عبد السلام عارف والبكر وعبد الستار عبد اللطيف الذي يرتبط بعلاقة مع المدعو موفق الخضيري المرتبط بعلاقات مشبوهة بالسفارة البريطانية ٫ بالإضافة الي تعاون عماش مع مدير الامن العام جميل صبري البياتي حيث تم تزويد المخابرات الامريكية عن طريق كليفيلاند بأسرار سلاح الدبابة السوفيتي.T62 ويتفق السيد محسن الشيخ راضي مع زميله حازم جواد في تحميل صالح مهدي عماش تبعة الدماء العراقية في اكثر من قضية ٫ ويذكر حازم جواد أن صدام حضر لمقابلته (دون أن يذكر صفته أو علاقته به ) وأعرب استعداده لقتل علي صالح السعدي، لكن جواد عارض الفكرة، فأي انضباط حزبي هذا ؟ الا يدلل هذا الأمر على فرض صحته أن القضية هي حرب عصابات وتصفية قبضايات حين يتبرع عضو عادي في الحزب أمام عضو قيادة قطرية استعداده لتصفية أمين سر القطر. الشبهات التي تنفي صفة الوطنية والتي طالت بعض أسماء قيادات في حزب البعث التي وردت في مذكرات طالب شبيب ومحسن الشيخ راضي والفكيكي تنسجم مع الاتهامات التي حاول الشيخ راضي ان يبرر لها ضمن مقولة امين سر القطر علي صالح السعدي من ان الحزب جاء الى السلطة بقطار امريكي ٫ حيث اتسمت حركة شباط ٦٣ بارتباطها بعدة جهات اجنبية يؤكدها المتمعن في تاريخ تلك الحركة ٫ ص ٢٧١ احد الحاضرين في المؤتمر القطري الخامس الاستثنائي صديق للسفارة البريطانية ٫ وخلال جلسات المؤتمر يدخل محمد المهداوي وليس غيره لاحتلال واقتحام القاعة ويتم انزال الفكيكي من منصة رئاسة المؤتمر والا سيملأ فمه بالرصاص. ما ورد ضمن المذكرات وان كان بحاجة للتدقيق والتمحيص والمطابقة مع ما ورد في بعض مذكرات الشهود من رحل منهم ومن بقي ٫ يساهم ذلك في كشف حقائق جديدة او يؤكد حقيقة يراد طمسها او تشويهها ٫ وخلال النبش في ذاكرة الشيخ راضي الذي يعتمد عليها بغياب الوثائق والسندات تمكن من تفكيك بعض الاسرار والغموض في العلاقات التي كانت تسود قيادات حزب البعث ٫ هذه المذكرات لا تقتصر على الاعتذار وطلب العفو من العراقيين بعد ان تكشفت حقائق عديدة له ٫ وان صاحب المذكرات بحكم موقعه القيادي في حزب البعث ساهم مع غيره من القيادات ان ضيعوا علي العراقيين فرصة العيش الكريم والامن والسلام والرخاء وقدموا بديلا عنها فترة موحشة ومظلمة وانهار من الدماء كانت تؤسس على ردة الفعل والبطش والثأر في اكثر صوره تخلفا ٫ غابت عنهم شعارات الوحدة والحرية والاشتراكية وتكشفت لهم حقيقة ( ميشيل عفلق ) والعناصر التي تحالفوا معها ٫ كتب الشيخ راضي مذكراته براحة ضمير وهو يكتب له ماله وعليه ما عليه ٫ كان جريئا في نقده وشجاعا في اعتذاره وصادقا في تشخيصه حتى وصل الى القطيعة التي سجلها بعد انفصاله عن حزب البعث ليريح ضميره ويقدم خدمة للحقيقة والتاريخ العراقي الحديث ٫ وبهذا فان الجميع مدعو اليوم للمراجعة والنقد الموضوعي لتجربة مرت بتاريخ العراقي خلفت للشعب اضرار وانتكاسات وتراجعا وخسائر كبيرة واضرت بمستقبله. الكتابة بضمير مفتوح مسألة صعبة لمن يعرف قيمة الضمير وقدسية الكلمة والحقيقة، والكتابة بضمير أعمى تحصل دون اكتراث للحقيقة التي نسحقها وندوس عليها ٫ لم تزل بعض الضمائر تمجد الاخطاء وتقدس الخطايا وتعتقد انها لو استمرت لنفعت أكثر في حين انها جلبت لنا الخراب والتخلف والدمار في العراق.

وحيث ان السيد محسن الشيخ راضي عرض ان يتقبل النقد فانه ملزم اليوم ان يكون الجزء الثاني من كتابه اكثر تفصيلا ٫ وأوضح في كشف أدوار شخصيات لعبت أدوار مهمة في تاريخ العراق تم التعتيم عليها دون ان يتم التأكيد علي حقيقتها منها ميشيل عفلق وايليا زغيب الذي يقول عنه طالب شبيب في كتاب عراق 8 شباط 63 الصفحة ٢٧٠ : (( كنا نتهامس انا وأديب الجادر ونلمح لبعضنا بشكوك حول احتمال أن تكون للرجل علاقة بحكومة الولايات المتحدة الأمريكية، بل وصلنا الى قناعة بانه لا يمكن ان يكون بعيداً عن ذلك )) ٫ وان يكشف ما يعرف عن ( علي عبد السلام ) ( أبو ربيع ) الذي يشكل سرا عميقا من اسرار حزب البعث والوارد ذكره بشكل مفصل في الحلقة الأخيرة من مذكرات حازم جواد التي نشرها في جريدة الحياة ٫ وثمة أسماء اخرى أدت دورا ملتبسا لابد من الاقتراب من حقيقتها ٫ وأخيرا فان اختلافا في تقبل الوقائع التي يتم كتابتها بحاجة الى دلائل واسانيد وقرائن لتثبيت حجتها ٫ ودون الاعتماد على النقل عن الاخرين حتى يمكن ان تكون هناك رصانة في كتابة التاريخ ٫ واجد ان كتابة مذكرات الشيخ راضي والتي ضمنها اعتذاره وادانته لشخصه ودوره في احداث مهمة من تاريخ العراق الذي اتسم بالدم والموت والرعب وان كانت متأخرة فأنها خير من ان تبقى مدفونة في صدره.