كلامٌ عاديٌّ جداً: الشعر على كوكب الزهرة

Tuesday 12th of October 2021 11:08:42 PM ,
العدد : 5042
الصفحة : الأعمدة , حيدر المحسن

 حيدر المحسن

يشبه كوكب الزهرة بلدنا في نواحي عديدة؛ الاثنان تعرّضا إلى صدمة قويّة، الزهرة من جرّاء احتراب سماويّ حدث قبل ملايين السنين كانت نتيجته أن كويكبا ارتطم بها، وبلدنا من جرّاء اقتتال سياسيّ جرى على أرضه منذ عقود. صارت الزهرة تدور بسبب تلك الصدمة إلى الوراء في رحلتها حول الشمس، والعراق أدّت به الحوادث التي مرّت به منذ منتصف القرن الماضي إلى السير إلى الوراء في جميع صور الحياة، وأولها الشعر.

الزهرة أشدّ النجوم لمعانا في السماء، وأرض العراق أكثر تربة عطاء، وبسبب اصطدام الكويكب ارتفعت الحرارة على سطح الزهرة إلى أكثر من 400 درجة مئوية، وهي كافية لصهر الرصاص، أما عدد ساعات اليوم الزهريّ فهي ما يعادل سنة من زمننا.

في بلدة بغداد الجديدة، حيث يقع مكان عملي، يجوب شابٌّ مجنون الشوارع، يضحك على الدوام، ويؤشر بسبابته إلى رأسه:

- غباء. غباء. غباء مطلق!

هو سعيد بغبائه، وبه يفخر، ويشهر، ويشتهر...

الذي يفشل في الإبداع مصاب بهذه اللوثة، وما أكثر هؤلاء في بلدنا الذي يلمع اسمه بين الأمم، مثل كوكب الزهرة!

أعرف كاتب قصة أعلن اعتزاله الكتابة، أي تقاعده، وكأنه يعتزل المصارعة. لقد تقدّم به العمر، ووهن عظمه إلخ إلخ....

كل رحلة في العمل اليومي هي مغامرة، لا تقلّ البهجة والمخاطرة وحمّى الاكتشاف فيها عن رحلة صيد الدبّ القطبيّ في القوقاز، فكيف إذا كنت تقوم بتأليف كتاب، أو عمل لوحة، أو اللعب مع أوتار الكمان؟

هل تدرون: هنالك شاعر (معتزليّ) هو الآخر!!

الشعر هو الهمّ اللذيذ، الفريد من نوعه، والذي يستيقظ كائنه فيك في اللحظة التي تقرّر فيها السير على هذا الدرب، ولا ينام بعدها الوحش الجميل الذي يسكنك أبدا.

من أجل مناقشة هذا الأمر علينا أولا ان نعرف ماهيّة الشعر. الزمن، والحياة المتدفقة في الواقع، وتلك التي تراها العين في الخيال بواسطة الكتب، بالإضافة إلى الذكريات هي مادة الشعر. فالشاعر إذن هو الشخص الذي يمتلك صلاحية التعامل مع هذه الأدوات، ولا يجوز له التخلّي عن هذا الواجب العظيم إلا في حالة العجز الذي سببه المرض أو الموت...

سركون بولص: “أكتب كلمة واحدة في دفتري، وأغلقه. حركة تكفي لكي تتغيّر الدنيا”.

يكتشف الشاعر، متغطرسا وضجرا، الوجود بطريقة رمزية بواسطة مجموعة من الاستعارات والإيماءات والخيالات، والشعر في الأخير ليس سوى لا مبالاة وضجر شديدين يختلقان حياة مختلفة، بحماس أو بلا حماس، والأمر الأهم لدى من يقوله أن يترك قصائد قليلة مبتكرة تضيف إلى حياتنا معنى.

سُئل الرسّام أوجست رينوار عن معنى الفنّ في حياته: أجاب لو أني نسيت الرسم يوما واحدا لكسرت فرشاتي.

نقيض النجاح هو عدمه، وهذا يحصل في أمور الحياة، وفي الفن، وفي الحبّ. الفشل في الحياة وفي الحبّ غامض، ولا تحكمه قواعد وضوابط. غير ذلك واضح، وهو الفشل في الإبداع.

ماذا نسمّيه، وهو يحيط بنا من جميع الجهات؟

يقول الجاحظ: جلست مع الجاهل نصف ساعة فأحسست بفراغ عقله في عقلي.

هل أخطأ معلّمنا الأول؟

الجواب نعم، لو أنه قال جلست مع الغبيّ نصف ساعة...

الجهل هو عدم المعرفة.

الغباء هو الإصرار على العدم.

يحدث في كوكب الزهرة، مثلما يحدث في بلدنا، أن كائنات عجيبة تأتينا كلّ يوم بشعر فاخر من الدرجة الثالثة -وهي الأخيرة- وتريد أن تقنعنا أنها بلغت أعلى السلّم.

نجم الزهرة يدور إلى الوراء، والشعر في بلد السيّاب يجري حثيثا إلى الخلف، ويحصد هنا جوائز الإبداع، وفي الخارج!

هل تزيد بسبب الإحباط الذي نعيشه عدد ساعات اليوم العراقيّ على ذلك الزهريّ؟