أقدم ساعي بريد في البصرة يتمسك بمهنته في زمن الإنترنت

Monday 25th of October 2021 12:17:21 AM ,
العدد : 5049
الصفحة : منوعات وأخيرة ,

سعد ناظم
البصرة – بين أجواء مناخية متغيرة وتحت أشعة الشمس الملتهبة والبرد القارس، يؤدي ساعي البريد عمله بانتظام فيرسم البهجة على وجوه عوائل تنتظر أخبار الأهل والأقارب في دول المهجر بمختلف بقاع الأرض، حيث ما زالت للرسائل الورقية قيمة اجتماعية بالغة الأثر. ويشكل كل من التطور التكنولوجي وتطبيقات التواصل الاجتماعي وشركات النقل للقطاع الخاص التحدي الذي قد ينهي هذه المهنة بشكل كامل، لتصبح مهنة تراثية تعتز بها المجتمعات كون ساعي البريد "موظفا يوزع الرسائل والطرود البريدية بأنواعها إلى المرسل إليهم حسب العناوين المدونة عليها، مرتديا زيا رسميا موحدا ومعتمدا من قبل المشغل يدل على صفته".
يتمتع ساعي البريد إياد عبد الله محمد العزاوي (58 عاما) بخبرة تمتد إلى 27 سنة خدمة في دائرة اتصالات وبريد العشار في محافظة البصرة ويحظى باهتمام اجتماعي ونقابي لمهنته التراثية التي ترسم البهجة والفرح على من يقبل عليهم. يقول العزاوي عن أحد المواقف الصعبة التي مرت به "في أحد أيام الشتاء البارد، وردتني رسالة من بريطانيا إلى مواطن بصري صاحب مكتب عقارات في البصرة. وعندما توجهت إلى مكتبه من أجل إعطائه البريد، رحب بي ولكن بإشارة غامضة بعض الشيء، وضعت عليها علامة استفهام".
ويضيف العزاوي "قال لي متسلم الرسالة: إذا كانت تتضمن تعويضا عن سيارتي التي دهستها مدرعات القوات البريطانية، فسوف أكرمك. وإن كان عكس ذلك، فسوف أعطيك قدح ماء وأقول لك مع السلامة. وقبل أن يفتح الرسالة، قلت له: إكرام الضيف واجب؛ فأكرمني بقدح ماء ووقع لي على وصل استلام الرسالة. تعلمت عمل الخير بدون مقابل".
تقول الباحثة في التراث الاجتماعي نوال جويد إن "عمل ساعي البريد انحسر في الوقت الحاضر، وأصبح من المهن القديمة بسبب تطور وسائل التواصل وسرعتها؛ فلم نعد ننتظر الرسائل الورقية ولا نكتبها، إذ كانت تبقى لأشهر في صناديق البريد حتى تصل إلى وجهتها. أصبح العالم الآن قرية صغيرة؛ نعرف الأخبار ونتواصل مع الأحبة لحظة بلحظة".
لم يستسلم العزاوي للتطور التكنولوجي؛ فعمله جزء من تراث اجتماعي وهوية ثقافية، ويقول "واجهت خلال عملي كساعي بريد كثيرا من المصاعب، أولها عدم الاهتمام الحكومي بهذا التراث". ويشير إلى أن ساعي البريد صمام الأمان لوزارة الاتصالات والبريد، لأنه يعمل بجد وإخلاص ولكن -مع الأسف- لم يحظ بحقوقه المسلوبة، ويخضع للتجاهل المتعمد -في بعض الأحيان- من قبل الحكومة، لكنه يستمر بهذه المهنة لحبه لها ومن أجل محبته لمجتمعه كونه أقدم ساعي بريد في العراق.