موسيقى الاحد: السريناد

Saturday 20th of November 2021 11:16:18 PM ,
العدد : 5068
الصفحة : عام ,

ثائر صالح

يعبر هذا الاسم المعروف عن شكل موسيقي عريق من أنواع الموسيقى الغنائية أو الآلية لتحية شخص ما. فكلمة سَريناد (أو السرناتا بالإيطالية) هي كلمة لاتينية الأصل وتشير إلى الاحتفاء بشخص ما لشيء ما، كانتصار قائد عسكري أو عيد ميلاد أو زواج أو حتى تحية لصديق، أو حبيبة وما شابه هذا من احتفالات اجتماعية.

يرتبط في أذهان الناس بعاشق يعزف على العود أو الغيتار ويغني تحت شباك حبيبته، وهذه هي الصورة النمطية الأوروبية اليوم، من هنا ارتباطه بالمساء/ الليل وتقديمه خارج الغرف. يعود الشكل إلى العصور الوسطى عندما ارتبط بنشاط المغنين الذين كانوا يعزفون على العود بالدرجة الأولى. استمر هذا التقليد لاحقاً في عصر الباروك ليقدم من قبل بضعة مغنين، وأخذ يقترب من شكل الكانتاتا، أو يتوسط الكانتاتا والأوبرا. في نفس الوقت برز الشكل الأوركسترالي منه، سواء لفرقة صغيرة أو حتى كبيرة، وكثيراً ما كان طابعه احتفالياً، من أمثلته سرينادات المؤلف النمساوي الكبير والمنظّر الفذ يوهان يوزف فوكس (1660 - 1741) الذي أصبح مؤلف بلاط أباطرة هابسبورغ في فيينا. كانت سرينادات فوكس فخمة واحتفالية تليق بإمبراطور مثل ليوبولد الأول، أعمال من عدة حركات (أربع أو أكثر) تقدمها أوركسترا بمصاحبة الطبول الكبيرة والأدوات النحاسية. للأسف، لا تقدم أعمال فوكس اليوم بما يتناسب مع فنه.

مع تطور الموسيقى أخذ السريناد في عصر موتسارت وهايدن منحى أبعد في موسيقى الأدوات، عندما اقترب من شكل السيمفونية لكن حافظ على طابعه الترفيهي الخفيف الممتع، بعيداً عن الدراما والتعقيد الفني. وتعددت الأسماء التي تدخل ضمن هذا الشكل إلى جانب السريناد، فقد استعمل مصطلح ديفرتيمنتو ونوتّورنو كذلك. وهنا نصل إلى أشهر سريناد هو عمل موتسارت "مقطوعة ليلية صغيرة" وقد كتبه لأوركسترا وتريات وغدا أحد الأمثلة التعليمية على البناء والتوزيع الموسيقيين. كتب موتسارت عشرات السرينادات الاخرى إلى جانب هذا العمل الأنيق المتسامي، وهي أعمال للأوركسترا على الأغلب، أو لمجموعات من الأدوات، مثل سريناد لثلاث عشرة أداة هوائية كوخل 361 أو سريناد كوخل 375 لزوجين من أدوات الأوبو والكلارينيت والهولان والباسون (الفاغوت). وغالباً ما تكون هذه السرينادات أطول حتى من السيمفونيات لكثرة عدد حركاتها، فقد تزيد عن ثلاثة أرباع الساعة أحيانا.

احتفظ السريناد في فن الأوبرا بوظيفته القديمة منذ البداية، فهناك الكثير من السرينادات التي يغنيها المغنون لحبيباتهم تحت الشبابيك، مثلما فعل موتسارت في اوبراه العظيمة دون جوفاني بمصاحبة الماندولين، وهي الأداة التي ترتبط أكثر من غيرها بهذا الشكل القديم الى جانب الغيتار.

أبتعد سريناد القرن التاسع عشر عن أصله أكثر وتحول إلى عمل أنيق يكتب لجمهور القاعات الموسيقية. من أمثلته الشائعة سرينادات شوبرت للبيانو وسرينادات الأوركسترا التي كتبها برامز وتشايكوفسكي ودفورجاك. واستمر هذا التقليد لاحقاً حتى في القرن العشرين، نذكر هنا السريناد الصغير للسويدي لارش – أيريك لارشون (1908 – 1986) بين الأمثلة الجميلة والمعروفة المسموعة كثيراً اليوم. وأطلق بعض المؤلفين اسم سريناد على حركة واحدة من الأعمال، مثل شوستاكوفيتش في الحركة الثانية من رباعيته الوترية الأخيرة رقم 15 (كتبها سنة 1974)