الحزب الثوري والتخلف

Monday 22nd of November 2021 10:49:52 PM ,
العدد : 5070
الصفحة : آراء وأفكار ,

 فيصل لعيبي صاحي

حول حتمية الانتصار البروليتاري على البرجوازية والرأسمال في القرن التاسع عشر، كان ماركس وأنجلز بالذات يعتقدان بأن الثورة سوف تبدأ من المملكة المتحدة ( بريطانيا العظمى ) او المانيا، لأنهما اكثر تقدماً وقدرة على بناء الإشتراكية بما يتوفر لدى الدولتين من مصادر قوة وغنى وإمكانيات إقتصادية وصناعية و إجتماعية وطبقية متطورة،

كان الحلم بالنسبة لهما ليس ببعيد ، خاصة والأحداث تجري متسارعة امامهما. لكن حتى لو حدث وقامت البروليتاريا في هاتين الدولتين بثورتيهما، فهل كان بمقدورهما نشر الإشتراكية في بقاع الأرض كما أفترض ماركس وأنجلز؟

المشكلة ان الرأسمالية نفسها لم تعم لحد الآن في بقاع الأرض كاملة رغم مرور اكثر من 178 عاما على صدور البيان الشيوعي . فكيف سيقدر لهاتين الدولتين ان يطبقا الإشتراكية في عالم لا يزال يرزح معظمه تحت تقاليد الأفكار الدينية المتعصبة والعديد من العادات والتقاليد المتخلفة ومن الشعوذة والدجل والخرافات الراسخة رسوخ الجبال ؟؟ فماركس في كتابه االشهير( الرأسمال ) قد درس الرأسمالية وتطورها وحلل المباديء الأساسية لطبيعتها وتوجهاتها وطرق نموها وكذلك عوامل إضمحلالها ، ولم يقم برسم برنامج واضح ومحدد للخطوات التي تلي إنهيارها او أفولها ، وكانت كتاباته حول كومونة باريس 1871 بعد ذلك حول ما يجب على الكومونة القيام به، و وصاياه قد أصبحت اليوم من مهام العديد من الدول التي لا توصف بأي حال من الأحوال ، حتى ولو من بعيد كونها إشتراكية، بل كل ما يمكن وصفه بها هي رأسمالية الدولة الوطنية، وهي رأسمالية ضعيفة امام جبروت الرأسمال العالمي وغير قادرة على مقاومته ، أي أن هذه الوصايا حتى لو طبقت فسوف تسحقها الملكيات المحيطة بفرنسا بسهولة وهذا ما جرى للكومونة بدون هذه الإجراءات أصلاً .

لقد فشل العديد من قادة الفكر الإشتراكي الذين سبقوا ماركس في تحقيق ما أعتقدوه قابل للتحقيق وذهبوا وطواهم النسيان ولم يعد ُيذْكَرون إلا كرواد لهذا الفكر، ولا اظن انهم كانوا غير عارفين بظروفهم وما يحيط بهم من عوائق ولا يمكن إعتبارهم غير صادقين بتوجهاتهم تلك، لقد حاولوا ولكنهم فشلوا، لسبب بسيط هو أن العوامل التي تساعد على تطبيق مثل هذه المحاولات غير متوفرة ، أي ان البيئة اكثر تخلفاً من ان تستوعب مثل هذه القيم والأفكار او التجارب. فهذا الكم الهائل من التراث الغيبي وغير العقلاني وحتى اللا إنساني والتسابق والمنافسة والإحتكار بكل الطرق والتطلع نحو السيطرة وعدم نضج فكرة التعاون الجماعي والعمل المشترك للصالح العام ، ساهم في عرقلة كل محاولة تريد النهوض بالناس والبلدان نحو الخير العام والتآخي والسلام. ماذا تنفع المشاريع الإنسانية الخيِّرة دون وجود أرضية يمكن أن تتقبلها او إستعداد واعيا للقيام بها ؟

ولكن ماذا عن ثورة أكتوبر ؟ كان الوضع في روسيا مهيئاً للثورة ولكن هل كان مهيئاً للإشتراكية ؟ الأحداث أثبتت ان البلاشفة قد قفزوا فوق القوانين الطبيعية للتطور وحاولوا ان يجترحوا معجزة لا سابق لها، ولكنهم إصطدموا بالواقع المتخلف والمرير وحجم البؤس والحرمان والتخلف المريع الذي تنوء تحته كل شعوب قيصرية آل رومانوف .وجاء الحصار والحرب الأهلية والتدخل الأجنبي ليزيدوا من الصعوبات التي لا يقدر عليها حتى الآلهة انفسهم. كان لينين اول من لاحظ الصعوبات فتحدث عن السياسة الإقتصادية الجديدة التي تسمح للبرجوازية الروسية المساهمة في الإقتصاد الوطني ، بعد ان امموا كل شيء . لكن مع هذا لم تستمر الخطة ومات لينين وتغلب الجانب المتخلف في القيادة البلشفية على القادة الأكثر مرونة وتحضر وأصبح الحزب تحت رحمة هؤلاء ففرضوا افكارهم المتخلفة والتي لا تتماشى مع المفاهيم الديمقراطية التي كان يسير عليها البلاشفة قبل ذلك ، خاصة فيما يتعلق بالرأي والرأي الأخر. كما منعت التكتلات داخل الحزب او بالأحرى الأفكار المخالفة لسياسة الحزب العامة من النشر في الصحافة وكان إحتكار الحزب للفعاليات النقابية والمهنية والجماهيرية وعلى الإقتصاد والثقافة والفنون والسلطة السياسية قد جعلته هو القوة التنفيذية والتشريعية والقضائية في البلاد، وسُدَتْ كل الأبواب امام كل توجه يعارض الوجهة العامة للسياسة المتبعة وإختفت الديمقراطية التي كانوا يطالبون فيها أيام القيصرية وقمع كل صوت يريد التعبير عن ذاته . أصبح جهاز الدولة البيروقراطي والتابع للجناح الحاكم يمارس نفوذه بالعنف والإبعاد والتجاهل. وذهب ضحية هذه الممارسات خيرة مناضلي الحزب بواسطة البوليس السياسي للبيروقراطية ، وقد رفع شعار الإشتراكية في بلد واحد ، الذي زاد من تقهقر الفكر والسياسة وتلتها الحرب الكونية الثانية لتعمق ازمة النظام . لم تفلح معه قرارات “ المؤتمر العشرين “ ولا “ البيروسترويكا والغلاسنوست “ فسقط جدار برلين وإنهار البناء الهش والبوليسي في كامل المنظومة الإشتراكية ولا اظن ان أنظمة الدول التي تدعى بالإشتراكية اليوم لها صلة بهذا المفهوم حالياً .

المعروف أن لكل ظاهرة جانبان أو عاملان عموماً هما العنصر الذاتي والعنصر الموضوعي مع وضع الإحتمال غير المتوقع مع هذين العنصرين، فكان نجاح البلاشفة هو الإحتمال غير المتوقع حتى من قبل أكبر الرؤوس البلشفية وقتها ، بإستثناء لينين وربما تروتسكي وبعض القادة الذين تعلموا وتثقفوا بطريقة علمية فلسفياً وإقتصادياً وثقافياً ممن كانوا يعتقدون بأن نجاح ثورتهم قد تلهب بروليتاريا الدول المتقدمة لأخذ السلطة على غرار البلاشفة والطبقة العاملة الروسية. و مع إمكانية نجاح بروليتارية الدول المتقدمة ، فمصير الثورة ومسارها حتما سيختلف ولكنه لا يؤدي الى الإشتراكية قطعاً . لأن الإشتراكية لا تنجح كجزر معزولة او منعزلة، حتى لو كانت بحجم اوربا كلها. لأن اوربا الرأسمالية كما نوهت أعلاه ، لا تزال تواجه قوى تعود في ثقافتها الى العصر ما قبل الصناعي .

الإشتراكية ليس مهمة مجموعة دول ولا حتى مهام قارة بكاملها ، الإشتراكية هي حركة تاريخية تنمو وتتطور من رحم الرأسمال ولن تكون ناضجة وقادرة على الوقوف على رجليها إلا بعد ان تعجز الرأسمالية على البقاء والإستمرار عالمياً . قبل هذا الوضع لا يجب الحديث عن بناء إشتراكية ، إلا إذا كنا نريد خداع بعضنا والناس معنا في هذا الأمر او نريد ان نقفز مثل البلاشفة ليدق عنقنا بعد ذلك كما حصل للنموذج السوفياتي .

التجربة التاريخية إذن تعلمنا أنه لا جدوى من القفزات غير المحسوبة والمغامرات غير المدروسة، وهذه اوربا الديمقراطية كما نعرف امامنا بكل تقدمها وتطورها وغناها، لم يستطع حزب شيوعي واحد فيها من الوصول الى السلطة ، في إنتخابات ديمقرطية ينعدم أو يستحيل فيها التزوير، وكانت نسبهم في أحيان كثيرة اقل من 10 % من حجم التصويت .

أعتقد ان الأفكار الإنسانية الجديدة او الثورية والمتقدمة، عندما تظهر الى حيز الوجود، فإنها توحي الى البشر بإمكانية تحقيقها، لكنها لا تقول متى بالضبط وأين. ونحن نعرف كيف تنبأ ماركس لبريطانيا أو المانيا في قيادة العالم الى الإشتراكية، لكن الثورة حدثت في أضعف حلقة رأسمالية في أوربا ، أي في روسيا القيصرية المتعبة. إذن الفكرة قد تسبق التحقق بمسافة زمنية قد تطول الى ما لا نهاية. فنحن لانزال ننتظر” المخلص “ لينهي عذابات البشر وقبلنا كان الناس أيضاً على موعد معه ولكنه لم يظهر حتى هذه اللحظة !!.

ومن جانبه حاول القائد الشيوعي اللامع أنتونيو غرامشي أن يؤسس على مفهوم “ الهيمنة “ قاعدة لإنطلاق ونشر الوعي الثوري دون اللجوء الى العنف الدموي حيث يصبح الفكر الثوري عندما تستوعبه الجماهير وغالبية الشعب ، قوة مادية يمكنها ان ترغم القوى المعادية للتطور ان تستسلم، والحقيقة ان هذه القاعدة معمول بها قديما وحديثا وبقوة ولكن من قبل القوى المتخلفة والرجعية والظلامية، فهي تملك الشارع الجاهل والمغيب من خلال أفكارها الأخروية ووعودها الماورائية وعنفها الوحشي الدموي الذي لا يجارى. فالهيمنة مبدأ مهم ولكن بيد من ؟ هذا هو السؤال. وقد ظهرت محاولات عدة بعد وفاة غرامشي مثل البرنامج المشترك بين الشيوعيين والإشتراكيين ومفهوم الشيوعية الأوربية وغيرها ، لكن فشلها كان مرتبطا بضعف العوامل الموضوعية، التي تساعد على ترسيخة مثل “هيمنة “ النمط الرأسمالي على الإنتاج مع عيوب النمط السوفياتي غير المشجعة للإعتماد عليها.

أما عالمنا الثالث كما يطلق علينا سابقاً والذي أصبح عالما رابعا اليوم كما يبدو ، فهو في تدهور مستمر نحو الهاوية ، إن لم تنتبه القوى المعنية في التغيير أو التقدم والمدنية. وان تضع برنامجاً معقولاً قابل للتطبيق وسهل الفهم وسريع النتائج. برنامج يسد الطريق على كل الأفاقين ومافيات الفساد والعنف وقوى الظلام والجريمة، هذه الخطوة مهمة لكل حزب جدي وأصيل له مصلحة في التغيير .

وفي العراق اليوم لا أحد ينكر وجود مثل هذه القوى، وأقصد الحزب الشيوعي العراقي بالذات والى جانبه كل الحركات المعنية بالديمقراطية الحقيقية وليس الشكلية من مناصري الدولة المدنية والمواطنة والدستور . هذه الكتلة التاريخية تملك البرنامج الواقعي والمعقول ولها خبرة ليست قليلة في معالجة الأزمات و التوترات التي تحدث في البلد . رغم ما تعرضت له من تنكيل وتصفيات ومجازر دموية وعلى مر القرن الماضي وحتى يوم الناس هذا. عليّ ان اؤكد ان هذه الكتلة تتحمل أيضاً وزر أخطائها غير المبررة وعليها الإعتراف بذلك من اجل ان تبدأ بداية صحيحة ، فقد كان هناك ولا يزال البعض وضمن العقلية السابقة التي كانت سائدة ، من يريد الهيمنة على بقية الأجنحة التي تشكل هذه الكتلة عموماً ويفرض عليها اجندته الخاصة، وهذا ما جعل الفرقة تحصيل حاصل مما جعلها ضعيفة بعد ذلك امام الخصم المشترك الذي إستطاع ان ينفرد بها كل على حدة.

هذه هي الكتلة الأكثر إستعداداً لعبور المرحلة الحرجة والأكثر إقتداراً لتحقيق النقلة المرجوة. وبعد سقوط النظام الديكتاتوري السابق وإحتلال العراق ومع هيمنة الأحزاب الإسلامية والتيارات المرادفة لها على مقاليد الأمور الى جانب القوى الكردية القومية المتعصبة . فإن المطلوب من هذه الكتلة رسم سياسة واضحة ضمن برنامج يؤكد على المعضلات الكبرى في حياتنا المعاصرة، يتوخى الحيطة والحذر من أية حساسية قد تؤدي الى إنسحاب الجماهيرعنها . ولما كانت الإشتراكية كهدف قريب لم يعد في متناول اليد ، فإن البرنامج المطلوب سيحتوي حتما على امور تراعي وعي ومستوى الغالبية العظمى من الناس ولا يكرر العبارات التي عفى عليها الزمن وأصبحت من عاديات فترة الحرب الباردة السيئة الصيت.

بالنسبة لي، فأني أعتقد ان الحزب الشيوعي يتحمل العبأ الأكبر في هذه المعادلة ، وعليه فهو اكثر من غيره يحتاج الى التخلص من نواقص ونقاط ضعفه وأخطائه. وأن ينتبه لحركة الواقع بشكل جدي وان لا يكون تصرفه كما عودنا منذ الإحتلال وحتى هذه اللحظة عبارة عن ردود أفعال على ما يجري حوله، بدلاً من ان يكون مبادراً فعالاً وجريئا في طرح مواقفه وحلوله ورؤاه. وان ينزل الى الشارع بقوة ويثبت حضوره الحقيقي وليس الرمزي وان لا يتخفى وراء مسميات مختلفة ومصطنعة أحياناً. انا هنا اتكلم من تجربة وممارسة معاشة وليست من تصورات او توهمات. فالحزب يحتاج الى ان يقدم نفسه بكل شفافية الى جمهوره وشعبه وبلا تردد. ولتنته ما تربينا عليه من سلوكيات العمل السري والشكوكية وأن نفتح صفحات “ طريق الشعب” و”الثقافة الجديدة” وغيرها للرأي المختلف مع سياسة الحزب في هذه النقطة او تلك وان لا نرى في المختلف معنا كعدو مفترض او نشكك في نواياه، حتى يعرف جمهور الحزب وانصاره وحتى خصومه مستوى الديمقراطية التي نتحلى بها والتي كنا نطالب خصومنا بتطبيقها . فخط الحزب السياسي وبرنامجه يحيا ويتطور بالنقد ومن خلاله وحتى الفكر والنظرية والعمل أيضاً، بدون النقد والمراجعة والتعديل والتجديد لا يمكننا الإستمرار او التطور. وبسبب عقلية المتزمتين والسلفيين منا، تمت تجاوزات عديدة خلال فترة الثمانينات والتسعينات وما تلاها وجرى تشويه وتجريم وحتى تخوين رفاق بسبب وجهات نظرهم التي لا تتطابق مع توجهات قيادة الحزب عموماً، وهذه الممارسات لم يجر التوقف عندها حتى هذه اللحظة ولم يتم بشأن الرفاق الذين وجدوا انفسهم معزولين ومبعدين عن الحزب وحتى مطرودين دون سبب غير عدم موافقتهم لبعض مواقف الحزب اولأسباب احيانا شخصية وفردية ولا تمت بصلة للفكر او السياسة ناهيك عن التنظيم .

تدقيق السياسة يعتمد على النقد من أعلى والنقد من أسفل، أي ان النقد هو العنصر المحرك لمسيرة الحزب وحيويته و منع النقد او الحوار وعدم الرد على الرسائل وتجاهل آراء القاعدة الحزبية العريضة ، لا يخدم غيرخصوم الحزب ومناوئيه والذين يتحينون الفرص للنيل منه لأتفه الأسباب و هو يجمد الروح الرفاقية ويضعف الحرص والحماس أوالنشاط المطلوب ويقتل روح المبادرة ويدفع الى الإتكالية والتلقين وإنتظار النازل من اعلى.

يجري الحديث كثيرأ حول موضوعة التحالفات، والتحالفات من وجهة نظري ليست محرمة او لا معنى لها، بل ضرورية إذا أردنا ان لا ننفرد بالأمر ، ولكن علينا في تحالفاتنا ان ننتبه للحليف وطبيعته الطبقية وأيديولوجيته وطبيعة البرنامج السياسي المتفق عليه، مع وضع تواريخ وبنود لتحقيق الأهداف مرحلياً ومتابعتها ولا نعتمد على كلمة او تعهد شخصي او لفظي من الحليف مها كانت درجة تبنيه و قربه من الهدف المقصود من التحالف .

والملاحظ كذلك في المجال النظري هناك فقر واضح ، فلم تتجدد الأفكار بالنسبة للحزب، فبعد إستشهاد فهد المنظر والسياسي والمنظم الفريد في تاريخ الحزب ، إنعدم ظهور شخصية موازية او متقدمة على ما قدمه خلال حياته القصيرة التي عاشها. فصرنا نتلقى الأفكارمن المركز الأممي – الإتحاد السوفياتي – وبعض منظري الإشتراكية في اوربا و الذين يتكلمون عن مشاكل لا تخص مجتمعاتنا وليست لها صلة بما يجري عندنا. ولم ينشء الحزب مركز دراسات او فريق عمل جاد بهذا الشأن ، كما لم يطرح على الجسم الحزبي الواسع اسئلة نظرية وفكرية تحتاج التمعن والدرس والتحليل فظلت المرجعية بيد قيادة الحزب وهم لا يعرفون غير ما تعلموه في الدورات الخاصة بهم في دول تعطي دروس عامة للمفاهيم والأسس الفلسفية والإقتصادية والإجتماعية في الفكر الثوري عموماً . وهذا ينسحب على السياسة كذلك ، فقد إنتقلنا أكثر من مرة الى برامج لا تتناسب مع المهام المطلوبة وقمنا بتكتيكات لا تؤدي الى ما كنا نعتقد وعند الإنعطافات الخطرة والهجوم المعادي لنا نجد انفسنا لانملك طريقة للإنسحاب المنظم الذي يقلل خسائرنا. والأمثلة كثيرة – إنقلاب8 شباط الدموي في عام 1963 وفي إنهيار الجبهة مع البعث عام 1978 وفي مجزرة وجريمة بشت ئاشان أيضاً.

في المؤتمر الخامس للحزب ، تم إعلان مقررات مهمة ، تعتمد على الشفافية والعلنية والديمقراطية ، في الكثير من مرافق الحياة الحزبية ، لكن هذه المقررات لم يتم التقيد بها ولم يتم تطويرها نحو الإنفراج التام والعمل المشترك ما بين القاعدة والقيادة، بل جرى إنقسام في صفوف الشيوعيين وصار لدينا حزبان شيوعيان في بلد واحد. وجرى احياناً القيام بخطوات غير مدروسة ولا مبدأية دون العودة الى القاعدة. مثل التعامل مع المؤتمر الوطني، الذي خصص لنا 3% من مقاعد برلمانه الموعود .والتعامل مع القوى التي إرتمت في احضان الخطة الأمريكية للتخلص من نظام صدام حسين، مع اننا قد قدمنا برنامجا وطنيا صالحا للتحرك نحو إسقاط النظام، لكنه لم يحظ بتأييد بقية القوى السائرة في ركاب الأجنبي ، المتعدد المراكز العربية والإقليمية والغربية مع الأسف.

فلم نتخذ موقفاً حازماً منها بحجة عدم الإنعزال ، كما لم نمتنع عن دخول مجلس الحكم الكارتوني الذي كان يديره بريمر مثل ما تدار الدمى ، وساهمنا في صياغة دستور يحض على الطائفية والعرقية والإنقسام المجتمعي في عراق ما بعد الإحتلال. صحيح كانت لنا وجهات نظر متباينة مع ما يطرح، لكننا دخلنا العملية السياسية وساهمنا في اكثر من حكومة فاسدة وطائفية وعرقية بإمتياز.

والآن ما هي مهام اليسار والحزب الشيوعي العراقي بالذات ؟

1ــ توحيد الحزب وتصحيح الخطأ المبدأي والوطني فيما يتعلق برفاق الحزب من جميع القوميات والأثنيات والمنحدرات العرقية المختلفة التي تعيش ضمن العراق المعاصر دون تمييز او تفريق.

2ــ إعادة الرفاق الذين تم بحقهم وبدون وجه حق ممارسات جعلتهم خارج التنظيم وحولتهم الى قوة غير نافعة وربما معادية للحزب في بعض الأحيان مع إعادة الإعتبار لهم بعد التدقيق والمحاسبة للذين مارسوا إجراءات غير مبدأية بحقهم.

3ــ الخروج ببرنامج وطني شامل يمكن ان يلتف حوله سائر المواطنين المستقلين والديمقراطيين ودعاة دولة المواطنة والدستور والمجتمع المدني.

4ــ فتح وسائل الإعلام الحزبي للآراء المخالفة والنافعة والتي تصب في مصلحة التيار الوطني الديمقراطي العام. وجعل الصحافة الحزبية مرآة للرأي الديمقراطي والوطني إضافة لرأي الحزب المستقل والخاص.

5ــ قطع الصلة مع كل القوى التي ساهمت ولا تزال تساهم في تعميق الأزمة وتدفع بالبلاد الى احضان القوى الإقليمية والدولية دون مراعاة لمصالح شعبنا وقواه الحية.

6ــ تطبيق شعار المؤتمر الخامس في علنية الفكر والسياسة ، بجدية وإخلاص.