الانزياحات الكلية والمحلية فـي مفهوم - اليسار -

Tuesday 23rd of November 2021 10:13:04 PM ,
العدد : 5071
الصفحة : آراء وأفكار ,

 رزاق عداي

مفهوم( اليسار) سبق تاريخ الثورة الفرنسية ، ففي برلمان لويس السادس عشر كانت ولادته ، وبعد الثورة في 1789 كان هذا الفهوم ومضاداته هو من مهيمنات خطاب العصر الثوري الجديد،ثم انتشر سريعا في اوربا .

لم يتداوله الفيلسوف الالماني-هيغل - في سردياته الفلسفية لان مركز فلسفته في موضوعات الروح المطلق والوجود في ذاته ولذاته ،وفي مقاربات الدين والتاريخ كان الاقرب الى اللاهوت وجدله كان يتحدد في اسبقية الفكر ، شان تصوره للدولة ونهاية التاريخ ، فهذا الاخير يتحقق مثلا عندما يتطابق المطلق الكلي مع الذاتي ،وتجسد هذا في تصوره اكتمال التاريخ في جمهورية (بروسيا) في اعقاب الاقتراع الذي جرى فيها .

انقسم اتباع هيغل بعد وفاته الى يسار هيغلي ك(كارل ماركس ،وفيور باخ)ويمين متمثل في (شتراوس،شلاير ماخر وروغة).

يعتبر ماركس - فيلسوف - الثورة واليسار -دون منازع لانه أفترق عنن مفكري الحداثة والتنوير متجاوزا إياهم ، كونه فلسف عوامل الثورة واليسا ر بربطهما بتطور اجتماعي تاريخي ،حتى انه فسر ثورات اخرى عبر التاريخ وفقا لحتميتها ، فمفهومه العام ان الثورات تحصل عندما تتقدم قوى الانتاج على علاقاته ، مما ينجم ما اسماه بالازمة التى تحفز على الثورة ، واعتبر ان الثورة الفرنسية هي تورة برجوازية لان القوابين الاقطاعية لم تعد تنيسجم مع واقع علاقات جديدة ، لذلك اعتبر ان الطبقة العاملة في زمنه -القرن التاسع عشر-ولأحقاب قادمة هي الطبقة الثورية التي تتحمل المسؤولية في التغير القادم ، اما مفهوم اليسار فهو مفهوم خطابي يرتبط بواقع ثوري ،لذلك سيكون جدليا ومتغيرا تبعا لواقع على الارض يخضع الى صيرورة ابدية .

بعد الحرب العالمية الاولى توسع مفهوم اليسار لكون تلك الحرب ذات طبيعة استعمارية ،من تداعياتها انخراط شرائح من الطبقة العاملة واحزابها تحت شعارات ويافطات قومية ، فسارع (لينين) الى ردم هذه الهوة فكتب مؤلفا سماه (الامبريالية اعلى مراحلال الراسمالية) ، شرح فيه ان الدول الراسمالية تحاول من خلال السيطرة الاستعمارية بشكلها الامبريالي التخلص من ازماتها المستمرة عبر الهيمنة بدعوى شتى ،----- في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية كان العالم قد دشن استقطابا عالميا سميت تداعياتة ومخرجاته بالحرب الباردة ،وبدل اليسار بوصلته وفقا لاصطاف عالمي ،وبرزت حركات وفصائل تحررية،سميت بفصائل حركات التحرر الوطني ،احتسبت على قائمة اليسار العالمي---

بعض منظري اليسار يرون ان منظومات ماركس في قراءاته للقوانين الفاعلة في النظام الراسمالي الصناعي في منتصف القرن التاسع عشر ما عادت هي ذاتها في ستينات القرن العشرين اذ لم يمنح العامل العلمي (او الفيزياوي كما لمح له -فوكويامافي كتابه -نهاية التاريخ) المساحة الوافية ، اذ ان التقدم السريع في هذا المضمار ترك اثارا سريعة على البنى الاجتماعية ونمط حياة المجتمعات ، فمثلا قانون القيمة الاقتصادية للسلعة ( العمل المبذول يدويا لانتج السلعة) لم يعد ساري المفعول بفضل الاتمتة والتقدم التكنولوجي الهائلين ،كما ان مصطلح -فائض القيمة-تعرض الى الزحزحة ، العامل اليوم في الدول المتقدمة تكنولوجيا شمله واقع الرفاه ،وبمكنته الحصول على بعض من اسهم المؤوسسة التي يعمل فيها ،والانسان في تلك المجتمعات صارا منخرطا بما يسمي المجتمعات ذات النزعة الاستهلاكية كما شرحه -ماركوز- المفكر الامريكي باسهاب في كتابه (الانسان ذو البعد الواحد)،اذ خفت لدى هذا الانسان الحمية اليسارية كثيرا.

ومنظرو الماركسية في اقصى ركن من اليسار منحوا للراسمالية امادا بعيدة كي تغادر، والمعتدل منهم يحسبها بعدة قرون ( حسب المفكر الماركسي الامريكي - جيمسون-).

اما لو أردنا ان نتقصى اليوم واقع العراق يساريا فاي جهد في هذا المضمار سوف لن يصيب الهدف لأن النموذج الاجتماعي العراقي يمكن اعتباره قائم في ذاته وهو خارج التغطية ويسلك مسارا بعكس القوانين العامة والتاريخ،لجملة من العوامل المتشعبة بحد ذاتها ، وهذه تحتاج الى نشر خاص وقراءات محلية متفحصة.