نينوى.. فوضى وفساد عقاري لحساب نافذين في مجاميع مسلحة!

Thursday 13th of January 2022 12:03:02 AM ,
العدد : 5104
الصفحة : سياسية ,

 متابعة/ المدى

في مطلع شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2021 أصدرت محكمة الجنايات في نينوى مجموعة أحكام بحق موظفي التسجيل العقاري، بتهمة التلاعب بسجلات عقارية والاستيلاء على أراض تابعة للدولة.

ويظهر في قرارات محكمة جنايات نينوى اسم المدانة نجاة حسين خليف الجبوري، بحكم بلغ ست سنوات. والجبوري كانت رئيسة جمعية “أم الربيعين” العقارية التي عرفت بارتباطها بالفصائل المسلحة وقيامها بتزوير (ونقل) ملكية عقارات مملوكة للدولة لحساب نافذين في تلك الفصائل.

بمتابعة أعمال جمعية “أم الربيعين” يظهر أن رئيستها كانت مرشحة في الانتخابات البرلمانية في أيار/ مايو 2018، على رغم وجود أمر قبض بحقها صدر في آذار/ مارس 2018 وفقاً للمادة 4 أولاً، من قانون مكافحة الإرهاب رقم 13 لسنة 2005.

مخلص جاسم (46 سنة) مدرس ثانوي من سكان الموصل، يشير إلى أن رئيسة جمعية “أم الربيعين” كانت تستولي على أراض واسعة للدولة، بتزوير ملكيتها، ثم تقطيعها وبيعها لأغراض السكن.

ويقول واضعاً كفه على صدره، “أنا واحد من ضحاياها، دفعت لها 10 آلاف دولار لقطعة أرض اتضح لاحقاً أنها ملك للدولة، وهناك عشرات غيري، وبعضهم شيد مساكن والآن لم نعد نملك شيئاً وعلينا انتظار التعويض من المحاكم”.

بدأ تسليط الضوء على الموصل، مركز محافظة نينوى، وملفات الفساد المستشري في دوائرها بعد أقل من عامين على تحريرها من احتلال “داعش”، وعقب غرق عبّارة سياحية في نهر دجلة مساء 21 آذار 2019 كانت تقل نحو 200 مواطن توفي 120 منهم، غالبيتهم من الأطفال والنساء.

شنت بعدها هيئة “النزاهة” مدعومة برأي عام غاضب حملة اعتقالات شملت 20 موظفاً في ديوان محافظة نينوى وآخرين من دائرتي الماء والمجاري والتسجيل العقاري، بينهم 3 موظفات أطلق سراحهن لاحقاً بكفالة عشرة ملايين دينار ومنعن من السفر لحين انتهاء التحقيق.

مع تراكم الشكاوى والأدلة وتوالي التوقيفات ظهرت كبرى ملفات الفساد في دائرة التسجيل العقاري الأيسر أو كما تعرف شعبياً بـ”طابو الزهور”، إذ كشفت التحقيقات الأولية التي أجريت عن تلاعب وتزوير في سجلات نحو 9000 عقار، بينها عقارات تابعة للدولة. وهذا ما قالته النائبة بسمة بسيم وأكده زميلها عبد الرحيم الشمري موضحاً أن قسماً من تلك العقارات تعود ملكيته لمسيحيين يقيمون خارج العراق.

وقال الشمري، “المزورون انتعشوا في نينوى خلال الفترة الماضية لكونهم كانوا فوق القانون ويستطيعون فعل ما يريدون”.

وأشار النائب ضمناً إلى الميليشيات النافذة في الموصل والتي فرضت سطوتها بعد تحريرها من “داعش” صيف 2017 بقوله “الناس يعرفون من يقف وراء المزورين لكن لا أحد يجرؤ على ذكرهم”.

في نهاية آذار 2019، قامت قوة من عناصر التحقيق القضائي وجهاز الأمن الوطني باعتقال مدير التسجيل العقاري فرحان حسين طه أحمد، بتهمة التلاعب بمستندات عقارية لأراضٍ تابعة للدولة، مستخدماً أختاماً مزورة بمعاونة موظفين من الدائرة نفسها.

وأصدرت محكمة جنايات نينوى/ الهيئة الثالثة برئاسة القاضي أكرم خلف حسين في 11/4/2019 قرارها بالدعوى المرقمة 126/ جلد 3/2018، متضمناً السجن لخمس سنواتٍ وشهر واحد، ضد فرحان وفقاً للمادة (340) من قانون العقوبات العراقي المتعلقة بإحداث الموظف أضراراً بأموال عامة موكلة إليه.

كما أصدرت المحكمة نفسها حكماً جديداً ضده في آب/ أغسطس 2021 بالسجن لعشر سنوات ليصبح مجموع الحكمين خمسة عشر سنة وشهراً واحداً.

فرحان، كان تلقى من مرجعه وزارة المالية “عقوبة نقل” الى دائرة رعاية القاصرين مطلع تشرين الأول/ أكتوبر 2019 لكن وقبل تنفيذ القرار تم اعتقاله وأدين.

بعد ذلك أتى مدير جديد للدائرة يدعى محمد حسين الأعرجي، لكنه اعتقل بعدها بأشهر مع تسعة موظفين آخرين ومعقبي معاملات عقارية، ثم أطلق سراحه لاحقاً بكفالة مالية ضامنة. يقول المحامي (ع.ب)، “كانت كفالة غريبة، فالمتهم ضبطت معه أختام مزورة”.

ويستدرك، “الكفالة ربما أكدت الأحاديث التي كانت تشير الى أن مدير التسجيل العقاري محمد الاعرجي كان مدعوماً من فصائل مسلحة وهي أصلاً التي عينته في منصبه على رغم عدم أهليته لذلك الموقع المهم والحساس لأنه كان موظفاً بدرجة مساعد مساح لا غير”.

سجل من التزويرات

البحث في أعمال رئيسة جمعية “أم الربيعين” يكشف من جهة عن علاقات تربطها بالحشد، ومن جهة ثانية عن حجم الفساد الكبير في قطاع العقارات والذي كان يجري تحت رعاية جهات إدارية وسياسية نافذة.

مصدر في محكمة التحقيق الخاصة بقضايا الإرهاب قال إن رئيسة جمعية “أم الربيعين” اتهمت بالتجارة بالعقارات لمصلحة تنظيم “داعش” خلال فترة سيطرته على الموصل بعد 2014، ولتبييض سيرتها رشحت في الانتخابات البرلمانية في قائمة الوطنية التي يتزعمها البرلماني ووزير الزراعة السابق فلاح الزيدان.

وأدارت حملتها الانتخابية وهي في سجن التسفيرات في الموصل على أمل أن يساعدها الفوز بمنصب برلماني التخلص من عقوبة تصل الى الموت. وأثار انتشار صورها الدعائية في شوارع الموصل الرئيسة في ربيع 2018 موجة استياء شعبية وانتقادات لإجراءات مفوضية الانتخابات التي سمحت لمرشح متهم بالإرهاب بخوض الانتخابات.

يضيف المصدر أن الجبوري “كانت تبيع العقار السكني أو الأرض ذاتها إلى أشخاص وحين تُطالَب برد الأموال أو تسوية وضع العقارات تقول بأنها منتمية لعصائب أهل الحق المعروفة بسيطرتها الأمنية في الموصل، وكان هذا يبدو واقعياً بالنسبة إلى كثيرين بسبب ظهورها المعتاد برفقة مجموعة مسلحين”.

وزير الدفاع السابق والنائب عن نينوى خالد العبيدي، تحدث في مقابلة لصالح تلفزيون “التغيير” بثت في 24 آذار 2019 عن نجاة الجبوري من دون أن يذكرها بالاسم صراحة، وقال إنها كانت تتحرك في الموصل بعد تحريرها من “داعش” وترافقها أرتال من السيارات التابعة للميليشيات خلال تجوالها بين الدوائر والمؤسسات الحكومية ومنها التسجيل العقاري لتسهيل إجراءات متعلقة بتجارتها الخاصة ببيع عقارات في الموصل وتأجيرها.

وقال إن قيادة العمليات في نينوى كانت على علم بذلك “لكن القوات المتنفذة كانت تملك زمام الأمور هناك”.

نجاة الجبوري، خسرت في حملتها الانتخابية التي قادتها من التوقيف عام 2018، لكنها خرجت بمساعدة جهات متنفذة بحسب مصادر أمنية تحدثنا إليها، لتزاول أعمالها وتتورط في مزيد من جرائم تزوير عقارات تعود ملكيتها للدولة.

بل إنها حاولت تجريب حظها الانتخابي مرة أخرى وهذه المرة مع قائمة الجماهير التي يتزعمها السياسي من محافظة صلاح الدين أحمد الجبوري المعروف بـ”ابو مازن”، قبل أن تقوم قوة من الاستخبارات بإلقاء القبض عليها في حزيران/ يونيو 2021 بتهمة التزوير والنصب والاحتيال.

وفيما تنتظر الجبوري أحكاماً قضائية في 8 دعاوى أخرى بالتهم ذاتها، رفعها متضررون، أصدرت محكمة جنايات الموصل الأولى حكماً بالسجن 8 سنوات على رئيس الاتحاد التعاوني في نينوى نايف خضر بـ8 سنوات لقيامه بتسجيل أرض مساحتها 800 متر تعود لبلدية الموصل باسمه بعد تزوير أولياتها وتحويلها باسم جمعية “أم الربيعين” التي ترأسها نجاة الجبوري.

وكانت الجبوري وشركاؤها يقومون أيضاً بالاتصال بعائلات كانت تملك أراضي اشترتها منهم الدولة في زمن النظام السابق قبل 2003 وخصصتها لتنفيذ مشاريع ذات نفع عام، فيقومون بمساعدة موظفين في التسجيل العقاري برفع إشارات الإطفاء عنها وكل ما يثبت نقل ملكيتها لدوائر كالبلدية على سبيل المثال وإعادة ترتيب أوراق العقار، كأنه ما زال في ملكية تلك العائلات ليقوموا بشرائها منهم وبيعها قطعاً سكنية عبر جمعية “ام الربيعين” وجمعية تعاونية أخرى اسمها “الحدباء”.

أراض أخرى تابعة لبلدية الموصل ودوائر حكومية أخرى كالآثار والتراث والزراعة، استولى عليها أشخاص مرتبطون بما يعرف بـ”المكاتب الاقتصادية” بعد تحرير المدينة بالكامل في 2017 ونُفذت أعمال تقطيعها وبيعها بمبالغ كبيرة لمواطنين.

والمكاتب الاقتصادية، هي أذرع تجارية اقتصادية للفصائل المسلحة التي قاتلت في نينوى، تشكلت من دون أي سند قانوني، من أجل تمكين تلك الفصائل من إدامة قوتها وتعزيزها عبر تمويل نفسها بشكل مستقل.

• عن موقع "درج"