بعد فك الشراكة مع أخيه بإخراجه لمكبث..جويل كوين: شكسبير استبق مجازات الجريمة في عصرنا

Wednesday 19th of January 2022 11:55:38 PM ,
العدد : 5109
الصفحة : سينما ,

ترجمة: نجاح الجبيلي

هذه هي المرة الأولى التي يقوم فيها جويل كوين بالإخراج دون أخيه وذلك في فيلم "مأساة مكبث" تمثيل دنزل واشنطن و فرانسيس ماكدورماند (زوجة المخرج الفائزة بجائزة الأوسكار 2020).

يعد الفيلم بداية منفردة لمخرج سينمائي لم تنجذب براعته البصرية بشكل صارخ إلى الصخب والعنف. جرى الترحيب بالفيلم كواحد من أفضل الأفلام التي قاربت مسرحية "مكبث" لشكسبير – فهناك إرث تناوله اساتذة في السينما العالمية مثل "أورسون ويلز" الذي أخرج فيلم مكبث" عام 1948 وأكيرا كوروساوا في اقتباسه القوي "عرش الدم"-1957، وعُدَّ انعطافاً مفاجئاً عن حياة مشتركة لصناعة الأفلام التي كانت دائماً يحددها الأخوان كوين.

قال جويل كوين في مقابلة أجريت معه مؤخراً: "لقد أمضيتُ 40 عاماً في النظر إلى أخي إيثان بعد كل لقطة أو النظر إليه إذا كانت هناك مشكلة. ولذا، فقد افتقدته لأنهُ لم يكن موجوداً في هذا الفيلم".

ويضيف: "من ناحية أخرى، كانت "فران" هناك كمنتجة تقدم مجموعة مهارات مختلفة كانت غائبة من بعض النواحي عن الأفلام التي حققناها سابقاً- خاصة في سياق هذا الفيلم بالذات بسبب خبرتها في المسرح."

مأساة مكبث من بطولة دينزل واشنطن في دور مكبث وفرانسيس ماكدورماند في دور الليدي مكبث. كان الدافع وراء المشروع نشأ جزئياً من ماكدورماند ، التي كانت تتوق لأداء المسرحية بإخراج زوجها على خشبة المسرح. رضخ كوين في النهاية، لكنه لم يستطع إلا أن يتخيله كفيلم- مجرداً ومؤسلباً، ومصوراً باللونين الأبيض والأسود، ومكوناً ضمن إطار مربع ذي نسبة قياسية على نمط الأفلام القديمة.

يقول كوين: "كان الطموح هو أن نحققهُ إلى حد كبير كفيلم له علاقة بما يمنحك الوسط من الناحية الأسلوبية والنفسية والشكلية، ولكن مع محاولة عدم فقدان الجوهر المسرحي للقطعة الأدبية. منذ البداية، لم نكن مهتمين بعمل نسخة واقعية من المسرحية. لم نكن مهتمين بنسخة عن طريق إيجار قلعة."

وعلى الرغم من أن الفيلم يمثل فكّاً لشراكة الأخوين كوين، إلا أنّ "مأساة مكبث" ليس فعلاً منفرداً حقاً. فإلى جانب العمل مع ممثلين مثل مكدورماند و وواشنطن و كاثرين هنتر (الساحرة المذهلة)، جرت صناعة الفيلم من خلال التعاون مع المصور السينمائي برونو دلبونل ومصمم المناظر ستيفان ديشانت.

التقى كوين ودلبونل ، اللذان صورا سابقاً فيلمي "داخل ليون دافيس "Inside Llewyn Davis” وفيلم الأخوين Coens السابق “أغنية بستر سكورجز” The Ballad of Buster Scruggs ، لأول مرة منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، وأمضيا أسبوعاً في فندق سويسري لاستعراض الأفكار والمراجع. في تلك المحادثة وغيرها، استوعبا أموراً مثل التصميم المسرحي في المرحلة المبكرة من القرن العشرين لإدوارد جوردون كريج، وفيلم “آلام جان دارك” لكارل دراير، ومعالجة الضوء والظل في صور هيروشي سوجيموتو الفوتوغرافية، وفيلم “ليلة الصياد” لتشارلز لوتون.

بعض المداولات المكثفة التي كان من الممكن أن يتبادلها كوين مع شقيقه، أجراها مع دلبونل، وهو يدرس الرسومات بعناية ويأخذ فترات راحة مدخناً السجائر. يقول دلبونل إن علاقتهما تكمن في مسائلة كل شيء.

ويضيف: “كان جويل وإيثان دائماً يتحققان عما إذا كانت هذه هي الطريقة الصحيحة لفعل شيء ما. لا توجد طريقة صحيحة، سوى الطريقة الصحيحة للفيلم. كلانا يعتقد أن كوروساوا كان عبقريا”.

بقدر ما قد تبدو ضجة أفلام الأخوين كوين بعيدة عن مأساة شكسبير، فإن أفلامهما مزدحمة بالمتآمرين الذين هيمنت عليهم طموحات مضللة- وعادة ما يكونون أكثر هزلاً. إنها ليست قفزة كبيرة جداً من “فارغو”، حيث كان الخطأ أيضاً عادلاً، إلى مكبث، أو حتى من المدربة “ليندا ليتزكه” الشخصية الانتهازية التي تؤديها ماكدورماند في فيلم “احرق بعد القراءة”، إلى الليدي مكبث.

يقول كوين: “هناك أصداء لأشياء فعلناها في الماضي في هذه المسرحية. أحد الأسباب التي جعلتني دائماً أحب المسرحية هو كيف توقع شكسبير أو تصور مسبقاً هذه المجازات التي تتردد في رواية الجريمة في القرن العشرين، هذه الفكرة عن زوجين يخططان لارتكاب جريمة قتل. في حين أنهما ليسا تعيسين بشكل هزلي أو شخصيتان اكتشفناهما في أفلام أخرى، إلا أنهما مع ذلك يفقدان السيطرة على الموقف”.

يأتي فيلم مكبث الخاص بـ” كوين” من منظور أكثر نضجاً مما هو معتاد في المسرحية الاسكتلندية. ماكدورماند وواشنطن كلاهما في الستينيات من العمر. دوراهما في”ماكبث” يوجهان طعنة أخيرة للعرش. هناك أوجه تشابه بالنسبة لصانعي الأفلام أيضاً.

يسلّم كوين بأن طموحه قد تضاءل؛ أصبح أكثر حكمة فيما هو على استعداد للقيام به. إنتاجه السنوي تقريباً مع إيثان - لقد صنعا “لا وطن للمسنين” “ و “احرق بعد القراءة” و “رجل جاد” و “True Grit” في فترة أربع سنوات - يبدو الآن “جنوناً بعض الشيء” بالنسبة له. كما أن عملية تصوير “ماكبث”، التي أُغلقت بعد ثلثي الطريق بسبب الوباء، ليست شيئاً يهتم بتكراره أيضاً.

يقول كوين وهو يضحك: “كلما تقدمت في العمر، تصبح أكثر خصوصية. إنها علاقة مختلفة للعمل. إنها طريقة جيدة أكثر استرخاء.”

بالنسبة لكوين، فإن القليل هو الأكثر على نحوٍ متزايد، لا سيما في فيلم “مأساة ماكبث” ذي الصيغة المصغرة. فقد قام هو و”دلبونل” برسم القصة المصورة بشكل كبير للعثور على المستوى الصحيح من التجريد. يقول مصمم المناظر ديشانت إن كوين لم يكن يريد القلعة بل “فكرة القلعة”.

الواقعية لم تكن أبداً أسلوب الأخوين كوين - يقتبس جويل من هيتشكوك: “أفلامي ليست شريحة من الحياة. إنها شريحة من الكيك” - ولكن في فيلم “ماكبث”، اندفع إلى عالم سينمائي مسرحي أكثر عمقاً.

لا يغلق كوين الباب في وجه إيثان للعمل معاً مرة أخرى. يقول:” من يدري ماذا سيحدث في المستقبل؟ إيثان وأنا ، عندما بدأنا العمل ، لم نقل مطلقاً إلى متى أو هل هذا أمر دائم. نحن لا نستجوب قرارات بعضنا البعض في هذا الصدد.”

ولكن من الواضح أيضاً أن عملية التوسيع - التحسين المستمر والتفكير والتساؤل – ما زالت تثير وتستهلك كوين، حتى لو كانت مع متعاونين آخرين.

يقول كوين: “لم يتم وصف عمليتنا مطلقاً. لم يكن الأمر مطلقا: أنت تفعل هذا وأنا أفعل ذلك. كان الأمر دائماً: كلانا نفعل كل شيء وأي شخص أقرب إلى الشخص الذي يطرح السؤال يجيب على السؤال. وهذا أساساً هو الإخراج السينمائي: الإجابة على الكثير من الأسئلة.”