السلطة المستبدة والعداء للفن: (1)

Saturday 17th of November 2012 08:00:00 PM ,
العدد : 2652
الصفحة : الأعمدة , لطفية الدليمي

 لطفية الدليميأمام أندريه مارلو في بغداد يعلن الجواري 1963:
قرار إزالة نصب الحرية بالدبابات
في 2005 قام متشددون - بتحجيب تماثيل حوريات البحر في البصرة  وعمد آخرون إلى نسف رأس أبي جعفر المنصور في حي المنصور  ودعت فتاوى لإزالة تمثال أبي نؤاس ونصب شهرزاد وشهريار وباقي النصب في بغداد، وفي الثمانينيات أثناء صعود النزعة الطلفاحية الشوفينية صحونا ذات صباح على تماثيل كانت تزين الساحة الأمامية لمعهد الفنون الجميلة – وقد كفنت بقطع من القماش الأبيض ولبثت محجوبة على مدى أسابيع ثم جرى تحطيمها ونصبوا في مواقعها تماثيل بشعة بنسب مختلة أو مبالغ فيها لشخصيات تاريخية محاربة بعمائمها وعباءاتها وسيوفها المشهرة فتحولت ساحة الفن الجميل وتماثيل النساء ورموز الحب و الحياة إلى ساحة حرب أعلنها ذكور السلطة المتخلفون الشوفينيون.
وفي يوم الخميس 1 أيار 2003 نشرت الصفحة الأخيرة لجريدة (الزمان) لقاء مع المنجم المشعوذ (ثابت الآلوسي) يدعو فيه إلى إزالة نصب الحرية، فقد أعلن بصفاقة الجهلة أو بتواطؤ المنتفعين:  (يجب أن يرفع من ساحة التحرير في بغداد تمثال مشؤوم فإن بقي ستبقي مشكلة العراق قائمة، أزيحوا هذا التمثال لأنه سحر أسود ولو حللنا رموزه لوجدنا أنها طلاسم من دون معنى(!) ولكنها تجلب اللعنة فارفعوه لكي تعيش بغداد بسلام..).
استوقفني في اللقاء أمران:
الأول: اللهجة التحريضية للمنجم بدعوته علانية وبلا مواربة إلى إزالة (نصب الحرية) الذي يعد أهم منجز فني معاصر في الشرق الأوسط   ومعلما يؤرخ لنضال الشعب العراقي من اجل الحرية -  بدعوى انطواء  النصب الملحمي على ما دعاه المنجم بـ (السحر الاسود) وهو الذي يتسبب بسوء طالع مستديم للعراق!
الثاني: إغفال محرر الجريدة المحاور التعليق على دعوة المشعوذ وكأن لطرحه قوة القول الفصل في تقرير مشكلة العراق ومصيره والذي وصلت مأساته حد أن يتدخل المنجمون والمشعوذون والسحرة في مصيره والمطالبة بتدمير معالم ثقافته المعاصرة وبيقين مطلق يقرر هذا المنجم -الذي كدس ثروة من الشعوذة وجهل البشر - إن مشاكل العراق وعذابات أناسه وموضوعة الحريات العامة والعزلة الدولية وتدجين البشر وتجويعهم  تعود  جميعها  إلى (لعنة) هذا النصب، وان كارثة البلاد المستمرة منذ خمسين عاما معلقة في عنق النحات الكبير الراحل  (جواد سليم)، وليس في عنق النظام المستبد وحروبه الدموية.
   وفي 1963 بعد انقلاب 8 شباط الدموي واستيلاء البعثيين على السلطة وكان معظم  العراقيين  مسبيين  في المجازر وبين  المعتقلات  وزنازين التعذيب، صادف أن زار وزير الثقافة الفرنسي والكاتب الشهير  (اندريه مارلو ) العراق  وفي جلسة روى وقائعها احد  حضورها الفنان الراحل  (حافظ الدروبي) أنهم قدموه إلى (اندريه مارلو) فنانا تشكيليا رائدا   وكانت الجلسة تضم من الجانب الرسمي الدكتور احمد عبد الستار الجواري وزير تربية  حكومة  البعث الأولى 63 والثانية 68 - فانبرى الجواري  يقول: (مادام بيننا الفنان الدروبي سأخبركم بشيء عن "عكاريك" ضفادع الباب الشرقي -  ويقصد  منحوتات نصب الحرية العظيم - لقد اتخذنا قرارا  في مجلس قيادة الثورة  لإزالة نصب العكاريك  بأن تأتي مجموعة من الدبابات  مستعرضة من جسر الجمهورية وتتجه نحو النصب وتقتلعه من جذوره ولا نعلم كيف وصل الخبر للسفارة السوفيتية فاتصلوا بنا وعرضوا مبلغا طائلا لشراء (العكاريك) فكان أن أعدنا النظر في أمر الإزالة  وساومنا على  سعر أعلى) ولم تتم الصفقة   فقد قام عبد السلام عارف  بحركته في 18 تشرين 1963 وأزاحهم وبقي النصب.