ثورة العشرين ..من خلال لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث

Sunday 27th of June 2010 04:28:00 PM ,
العدد :
الصفحة : ملحق ذاكرة عراقية ,

علي الشيخ ابراهيم حينما يتعامل البياع –الخضار في سوق \"خضار ينحصر تفكيره بـ (الربحية) قبل كل شيء والا فأنه يعتبر التعامل في مثل هذا الميدان نوعا من السحت نفس الشيء عمله الدكتور علي الوردي في الجزاء الخامس – القسم الاول من كتابه: لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث،

 فقد صور المساهمين في ثورة العشرين وكأنهم مجموعة من البياعين – الخضارين يتعاملون في سوق الخضار ومن خلال التفكير المحض والربحية من دون سواها. فشيخ العشيرة –مثلا – لم يشترك في في عرف الدكتور في الثورة الا بفعل الصلافة والتصرف الاهوج الذي لقيه من بعض المسؤولين الانكليز في البلد  أو نتيجة اهانة لحقته منهم بصورة خاصة (ص32 ، 117) او لان غريمه الرئيس الفلاني قد صار من مؤيدي الانكليز فاضطر هو الى اتخاذ موقف مغاير لموقف غريمه فصار من الثائرين (ص263) او لان المسؤولين البريطان قد جردوه من قطعة ارض يملكها فلم يبق امامه سوى النظر الى ارنبة انفه فأضحى في النهاية من الثائرين (راجع ص 121) عن كيفية انضمام عبد الواحد الحاج  سكر للثوار) او لان الانكليز قد فضلوا احد منافسيه عليه في رئاسة العشيرة فسلك لهذا درب الثورة (ص263) وعلى هذا الغرار كذلك صار علوان الحاج سعدون احد رؤساء عشيرة بني حسن مع الثوار لانه تلقى منهم الف ليرة قدمت اليه كرشوة (ص244 و256) كما اعلن شقيقه عمران الانضمام الى الثورة بعد ان رأى انه لايستطيع ان يحتفظ بسمعته ومكانته اذا ظل بعيدا عن الثورة) (ص261). كذلك الحال مع العالم الديني فانه حينما انجر الى حلبة الثورة لابد انه كان يحمل في دخيلته مأرباً ذاتياً لان الملائي يعلم علم اليقين ان قبوله أي مبلغ من الانكليز سوف يؤدي الى هبوط سمعته بين الناس، ومعنى هذا ان خسارته في الامد البعيد ستكون اكثر جدا من الربح العاجل الذي يجنبه من الانكليز (ص38) نفس التعليل تمسك به الدكتور الوردي مع الشعراء الذين انضموا الى الثورة، فبعد ان تأكد هؤلاء ان اتجاه الرأي العام اخذ ينمو ضد الاحتلال صاروا) يرون مصلحتهم في مسايرة هذا التيار فقد وجدوا ان الاجور التي يحصلون عليها من جريدة العرب لاتكفي للتعويض عن الخسارة المعنوية التي تصيبهم من جراء مدحهم للاحتلال ولهذا اخذوا ينظمون القصائد في مدح الوطن وفي الشكوى من ظلم الانكليز) (ص43) ولان الشاعر: (كصاحب اية مهنة يريد ان يكسب رزقه بها او ينال المكانة الاجتماعية، ولا لوم عليه في ذلك اذ هو بشر يريد ان يعيش ، وليس من الانصاف ان نتوقع منه خلاف ما نتوقعه من غيره من البشر.. فالناس جميعا يركضون معهم) (ص44) وحتى اضطلاع عدد كبير من السادة الفراتيين بدور فعال في الثورة كان يفعل اضطرارهم لا ستجابة دعوة الجهاد في سبيل الله وقبل غيرهم خوفاً من ان يفقدوا مكانتهم الدينية في نظر العشائر (ص116) ولولا ازدراء الانكليز للسيد نور- الرجل البارز في الفرات الاوسط وصاحب الدور الفعال في الثورة –لربما صار حسب تصور المؤلف في غير ساحة الثورة (ص120)  وابن الشارع لابد ان ينظر هو الاخر الى مصلحته الذاتية قبل الانحراف مع الثوار، وكذلك المثقف الثوري لاينظم الى الثورة الا بعد ان يتهم من قبل الانكليز بالاختلاس! او يعامل من قبلهم بفضاضة!! (ص149) ..وهكذا دواليك – والانكى من كل هذا ان المناداة بالثورة المسلطة في الفرات الاوسط ذاتها وعلى يد السيد علوان الياسري قد جاءت –كما يعتقد الدكتور – بفعل الاهانة التي وجهها ابو صخير الانكليزي العسكري لرجل من الوجوه حين طرده من امامه ذليلا!! اما السند الذي ارتكن عليه المؤلف في استنباط مثل هذه التفاسير للاحداث فلا يعدو: (ربما، قيل، يقال، على ما ذكر) وغيرها من الصيغ التي غالبا ما تقف وراءها مصادر بريطانية سداها ولحمتها اقوال وتخريجات بعض اساطين الانكليز من امثال: ولسن هالدين، بيل، هذا يعني ان المؤلف لم يعر الشعور القومي والتفاعل الوطني والتأثير الاقتصادي والاندفاع الذاتي. اية اهمية لهذا بدت الثورة من زاوية نظره طبعاً وكأنها جملة احداث متلاحقة متداخلة قامت على اكتاف مجموعة من المؤمنين بالربحية فحسب الامر الذي جعلها مشوهة خالية من نكهة القدسية وانكار الذات..مثل هذا التفسير لوقائع الثورة يذكرنا بمسلك المؤرخ المعروف جرجي زيدان فقد دأب في اكثر من مؤلفاته على اقران الشخصيات العربية الاسلامية المرموقة بغانية فاتنة أو امرأة لعوب او زوجة ذات مكر ودهاء وجمال فبدا على اثر ذلك التاريخ العربي الاسلامي وكأنه مجموعة مشوهة من الوقائع الخالية من الجلال وتجاهل الذات\". هنا يطرح السؤال التالي نفسه بالحاح؟ لماذا تمسك الدكتور الوردي في تشريح احداث الثورة بمثل هذا التفسير الاحادي الجانب المبني على الاخذ والعطاء او التلقي والاستجابة فحسب؟؟ اكبر الظن ان الدكتور نسي ان الثورة – اية ثورة- هي غير الانقلاب، غير التمرد.. غير الاضطراب، وان لكل كلمة من هذه الكلمات مدلولها الخاص ولو  انها بجملتها تنطوي تحت مصطلح (الحدث) فحينما يسمع القارئ كلمة الثورة – نشدان تغيير المجتمع – لابد ان تنطبع امامه قدسية خاصة