حفرّيات في تاريخ الفن: نرد من حفريات الفسطاط (القرن 10-15م)

Sunday 8th of May 2022 11:53:04 PM ,
العدد : 5178
الصفحة : عام ,

شاكر لعيبي

هنا نرد فريد. التاريخ غير معلوم بالضبط (ما بين القرن العاشر الميلادي إلى القرن الخامس عشر الميلادي)، عُثر عليه في الفسطاط، مصر.

من بين قطع من الألعاب المختلفة، تم العثور على هذا النرد، المصنوع من عظم منحوت، في حفريات الفسطاط الأثرية، وهو محفوظ في متحف كيلسي للآثار Kelsey Museum of Archaeology (تحت الرقم 1962.1.104). يتم تمييز الأرقام بسلسلة من الدوائر متحدة المركز، وتشتمل الأرقام على الأعداد من واحد إلى خمسة، إضافة إلى الجانب الأخير من المكعب الذي يحمل اثنتي عشرة دائرة (دوبل دوشيش). يمكن استخدام النرد فعليا في أي لعبة تتطلب فرصة السحب العشوائي للأرقام، وعلى رأسها لعبة الطاولة.

هناك شبه إجماع على الجذور الفارسية وبلاد الرافدين للعبة الطاولة: تم اكتشاف أقدم نسخة من الطاولة في عام 2004 من قبل علماء الآثار الإيرانيين في حفريات موقع شهري سوخته Shahr-e Sukhteh في شرق البلاد ويعتقد أن عمره يزيد عن 5000 عام. بعض الألعاب التي تشبه إلى حد بعيد الطاولة تعود إلى نفس الفترة وتم العثور عليها العراق القديم: فيما يسمّى «لعبة أور الملكية»، التي يعود تاريخ نسختين منها إلى حوالي 2600 قبل الميلاد وقد تمّ العثور عليها في مقابر مدينة أور القديمة (تل المقيّر)، بينما تم استخراج نسخة في مصر من لعبة السينيت Senet المصرية ترجع إلى حوالي 2620 قبل الميلاد، وهي ذات قرابة بعيدة مع الطاولة. يعود أقدم شكل من أشكال الطاولة الحالية إلى القرن السادس الميلادي: في كتابه «الملوك»، ينسب الشاعر الفارسي فردوسيّ (940 - م1019 أو 1025م) إلى الطبيب الفارسي برزويه (القرنان الخامس والسادس الميلاديين) أبوّة النرد، الطاولة الإيرانية، المعروف أيضا باسم «تخت إي» أو «تخت نرد»، حرفيا «قتال على لوح خشبيّ». سينتشر النرد بعد ذلك إلى القوقاز، في أرمينيا وجورجيا على سبيل المثال، وإلى بقية المنطقة.

وقد أجمعَ كثير من الفقهاء على أن اللعب بالنرد من «المحرَّمات»، ويذكرون بعض الأحاديث النبوية، غير أن المرويات عن اتساع رقعة اللعب بالنرد كثيرة، فقد روى شعبة عن يزيد بن أبي خالد قال: دخلتُ على عبد الله بن المغفل وهو يلاعب امرأته الخضيراء بالقصاب [يعني النردشير]. وروي عن عكرمة والشعبي أنهما كانا يلعبان بالنرد. وسئل سعيد بن المسيب عن اللعب بالنرد فقال: إذا لم يكن قماراً فلا بأس به...». وللجاحظ كتاب عنوانه (النرد والشطرنج)، لم يصل إلينا. ومن طرائفه في (البخلاء)، عن بخيل اسمه غازي أبو مجاهد قال مرة: «يا غلام هات خوان النرد»، وهو يريد تخت النرد. فقال له غازي: «نحن الى خوان الخبز أحوج». وفي وصف التوحيدي لأحدهم قوله: «فلان خفيف الروح [...] حلو الشمائل، حَسّن اللعب في النرد...» (الإمتاع والمؤانسة، ج 1، ص 18). ويذكر الراغب الأصفهاني في (محاضرات الأدباء): «قال بعض الحكماء: شُبِّهت رقعة النرد بالأرض الممهدة لساكنها، ومنازل الرقعة هي أربعة وعشرون بساعات النهار والليل، وبيادقها وهي ثلاثون بعدد أيام الشهر، واختلاف ألوانها باختلاف بياض النهار وسواد الليل [...] وجوانب الفص وهي ستة بالجهات الست فوق وأسفل ويمين ويسار وإمام وخلف، والفصان المحيطان بالجوانب الاثني عشر كشهور السنة، والشهور محيطة بالأيام إحاطة ما يخرج بالفصين [...] وسأل الزبيري أبا بكر بن فريعة في مجلس المهلبي عن النرد، فقال: ما أدري غير أني أرى لبدا مخططا وخشبا مُخرَّطا وعظما منقطا أيديا تضرب ميطا، وكل يطلب بصاحبه شططا. قال بعض المتكلمين: الشطرنج معتزلي والنرد مجبر، وذلك أن اللاعب بالشطرنج موكول إلى اختياره ومتروك مع إيثاره، واللاعب بالنرد مجبر على ما يخرج به الفصان...» انتهى قول الراغب باختصار.