الانسداد السياسي وصفة خطيرة لأزمات إنسانية مركبة

Monday 9th of May 2022 12:01:43 AM ,
العدد : 5178
الصفحة : آراء وأفكار ,

 د. أحمد عبد الرزاق شكارة

إن إستمرار حالة الانسداد السياسي لمدة تنيف على 6 أشهر دون حل نهائي يوفق بين قوى تحالف إنقاذ وطن التي يفترض أن تشكل الاغلبية الوطنية كونها تشكل الكتلة الانتخابية الفائزة الاكبر في إنتخابات العاشر من أوكتوبر 2021 وقوى الاطار التنسيقي الطامح للتنافس على مقاعد السلطة في الحكومة المقبلة بحكم ما يعتقده قادتها جدلا انه يشكل “الكتلة النيابية الاكبر”

وفقا لتفسير المحكمة الدستورية العليا وصفة لإزمات إنسانية مركبة خطيرة متلاحقة. اولها ما نعيشه يوميا من عواصف ترابية ورملية حمراء لها علاقة بسوء إدارة الملف البيئئ ومع مرور الزمن الثمين يأخذ المشهد السياسي تعقيدا وتآزما غير مقبول إطلاقا للعراقيين قد يصل بالبلاد لمرحلة الازمة الانسانية الحرجة المزمنة التي تستوجب حلا أوحلولا سريعا تنقذ العراق مما هوعليه منعا لذهاب البلاد لمجهول غير متيقن منه بل وبآمال العراقيين التي تتبدد يوميا. إن الانتقال إلى واقع جديد رحب يمثل نافذة متواضعة للتغيير الايجابي وللاصلاح الديمقراطي على المديات الستراتيجية القريبة، المتوسطة والبعيد. ولكن التحسب وكل التحذر من أحتمال أن تصلنا رياح عواصف عاتية “ترابية سياسية جديدة “ تحمل تداعيات سلبية خطيرة “تأخذ الاخضر بسعر اليابس” لتنتهي بإزمات إنسانية مزمنة؟.

بمعنى أن ما يتوقعه كل عراقي مخلص لبلده أنتهاز كل من يحب العراق عن ضمير حي الفرصة النادرة المتاحة من قبل “التيار الصدري” لإيجاد حل ناجع قد يمنع وصول البلاد لإزمات سياسية وإنزلاقها إلى أزمات أكبر تنعكس سلبا على حياة المواطنين. صحيح أن للاطار التنسيقي مبادرة من 9 نقاط تهدف لتضيق الفجوة مع التيار الصدري ولكن الحلول الوسط لم تنضج وهي مكررة وقد لاتفي بمتطلبات حوار مثمر حول أزمات العراق الحقيقية القادمة. في مقال نشر على موقع العربي الجديد عنوانه : “العراق: النزاعات السياسية تهيئ الظروف لعودة الاحتجاجات” ورد ما ينبئ عن مسار غير متيقن من نتائجه أو تداعياته إن سلبا أم إيجابا. إذ تلوح “قوى مدنية وشعبية عراقية بورقة تفعيل الشارع مجددا، عبر تظاهرات شبيهة بموجة الاحتجاجات التي شهدتها البلاد في الربع الاخير من عام 2019 واستمرت أكثر من 14 شهرا وخلفت عشرات القتلى والآف الجرحى”. لازالت أحداث آثارها وتداعياتها لم تندمل بعد بشكل مرضي لشعبنا.

من هنا فإن مرحلة من إحتجاجات شعبية مجددة بحكم إستمرار واقع سياسي - اقتصادي – إنساني يزداد حراجة وتأزما أوسوءا لابد من توقعها والاستعداد للتكييف والتعامل السلمي معها. من هنا، السؤال المشروع : هل من آمال حقيقية متوقعة تحمل تفاؤلا نسبيا ينهي حالة المخاض الصعب موفرا بعين الوقت فرصة حقيقية للانتقال إلى واقع جديد ينقذ البلاد من أزماتها المتلاحقة علما بإن ما يجب أن يتحقق على أرض الواقع يجب أن ينبع من وضع جميع الفاعلين في العملية السياسية نصب أعينهم الحكمة التي تقول بأولوية مصلحة البلاد والعباد اولا وليس المصالح الفئوية الحزبية المذهبية – الدينية أوالعرقية، القبلية والجهوية وفقا لنظام المحاصصة السياسية المقيت. إن العراق ليس مجرد كعكة أو غنيمة (موارد طبيعية ومالية) يراد اقتسامها ومن ثم توزيعها على التكتلات والاحزاب السياسية والشخصيات مع كل أجلالنا لإدوارهم في تاريخ العراق السياسي قبل وعقب تحرر العراق من نظام حكم الفرد الطاغية المستبد في 2003 الذي أدخل العراق والمنطقة في آتون مراحل من دورات العنف والفوضى والحروب غير المبررة بكل مآسيها الانسانية. علما بإن المرحلة الراهنة على المحك لأنقاذ العراق.

إن فكرتي المواطنة والدولة المدنية تؤكدان مقولة أن “سيد القوم خادمهم “ وإن شرعية الانجاز هي جزءا من منظومة القيم التي يجب أن تسود بعيدا عن الرجوع لنقطة الصفر التي سادت منذ 2003 خلالها تم تبني حالة التوافق السياسي القائم في الغالب ليس على أولوية “مصلحة الوطن” وإنما على نيل مغانم السلطة ممثلة بعملية محاصصة حزبية فاسدة سياسيا ومؤطرة “دستوريا” هدفها اقتسام، إحتكار وتوزيع موارد البلاد على التكتلات والاحزاب السياسية بصورة أنتهت إلى اضعاف حقيقي للعراق. صورة مظلمة تؤكد على أن العراق لايعدو أن يكون سوى “دولة للمكونات” وليست “دولة قائمة على المساواة وتكافؤ الفرص “. يفترض أن يكون الاتفاق الجديد بعيدا جدا عن تبني صيغة غير مجدية محورها “التوافقية” بمعنى إعتماد المحاصصة السياسية - الحزبية او ما يعرف ب”الكتلة الاكبر للمكون الاجتماعي” نهجا للحكم. الاصل أن تتجه الانظار نحو مراعاة وأعتماد أجندة إستراتيجية جديدة متنورة مفادها القيام بأعمال أصلاحات (دستورية – قانونية – اقتصادية - أجتماعية جذرية) في نظامنا السياسي، أي “اصلاحات استراتيجية” تهدف لخدمة الشعب العراقي بأكمله مع إعطاء اولوية لتحسين وتجويد نوعية الحياة “إقتصاديا وإجتماعيا” للفئات الاكثر تضررا أوالاكثر تعرضا لمخاطر الجوع المدقع (اطفالا، شبابا وشيبا من الجنسين) التي من نتائجها ليس الموت جوعا وهذه مآساة بحد ذاتها أو أنتشار الامراض والاوبئة ايضا بل وبأمتهان يومي لكرامة المواطن العراقي ولحقوقه وحرياته الاساسية في الحياة الكريمة في بلد يزخر بالامكانات والقدرات المادية والبشرية غير المستغلة “الكامنة”. إضافة لتمتعه برزمة متنامية مالية من عوائد تصديرالنفط حيث تصاعدت الايرادات بصورة لافتة خلال الشهرين الماضيين. إن المشهد المالي والاقتصادي الراهن يشهد خطا بيانيا متصاعدا من موارد مالية أضافية يمكن أن ترفد بها الموازنة العامة للعام 2022 (غير المقرة حاليا بسبب شلل النظام السياسي). يفترض إذن أن تتجه مثل هذه الموارد الحيوية لتلبية الاحتياجات الاساسية للمواطنين الفقراء المحرومين من لقمة العيش الكريم ومن الخدمات الاساسية (من ماء وكهرباء وسكن لائق وشبكة حديثة لتصريف المجاري وحماية حيوية حقيقية للبيئة النظيفة) في ظل تغيب أو غياب لمشروعات التنمية الانسانية المستدامة وعلى رأسها مشروعات الطاقة المتجددة التي تؤسس لبيئة نظيفة خضراء في بلد اصلا يعتبر تاريخيا من أهم البلدان الزراعية المنتجة للموارد التي تحقق الاكتفاء الغذائي الذاتي. لست بوارد تقديم الاحصائيات عن أعداد ونسب الفقر المتصاعدة ولا حتى أيراد أعداد النازحين والمرضى والمعوقين من جراء الحروب، او أن اكرر نسب البطالة العامة وللخريجيين بشكل خاص والتي وصلت لنسب عالية جدا ولا أن أتحدث عن مآسي الاخرين الذين يعيشون اوضاعا اقل ما يقال عنها “غير أنسانية” في كل مناح الحياة. ما يعنيني من منظور آخر ايضا أن لاأجلد الذات فقط كما يقال ولكن أملي أن يأتي التغير الايجابي سريعا نابعا اولا: من أهمية إستقطاب كل جهد وطني كفوء، نزيه ومخلص وغير فاسد ومستقل لخدمة البلاد بصورة تنقذ العراق اولا من وضعه المآساوي الانساني وثانيا إن يتم عبر حوار مثمر سياسيا التوصل لإتفاق مقبول وعقلاني يلبي توقعات ومصالح العراقيين في الحدود الدنيا وثالثا أتفاق يؤكد على أولوية خلق منهج ونهج ديمقراطي حقيقي مؤسساتي شفاف يعتمد الحوكمة القانونية – القضائية العادلة. بعبارة مركزة، مايطمح أو يأمل العراقيون الوصول إليه من إنجازات مادية ومعنوية يجب أن يمر عبر بوابة التطبيق السليم والحازم للعملية الديمقراطية بشكلها ومضمونها المتعارف عليه دوليا والتي تعني في أحد مظاهرها وليس في مجمل ابعادها وجود غالبية سياسية أنتخابية تحكم وأخرى تعارض، تراقب وتحاسب كل ما يجري من وقائع وأحداث تقع تحت طائلة ومسؤولية الحكومة الجديدة التي يفترض أن تتمتع ب “المهنية و الجدارة الادارية – السياسية».

إن نظرة واحدة لعناوين الصحف العراقية مصحوبة برؤية مختارة لمواقع التواصل الاجتماعي ترينا أن العراق يسير في مسارات معوجة لاتسلم من خطورة وأضطراب مقلقة للشعب العراقي . منطق ليس صعبا على الفهم للمواطن العراقي او للنخب السياسية والاجتماعية الذي لاتود ولانود كشعب الدخول في ما يعد نفقا مظلما من التوافقات الهشة والضعيفة سياسيا التي تنتج لنا حكما اقل ما يقال عنه أنه “غير رشيد” حكما فاسدا تداعياته في الغالب الاعم سلبية على مجمل حياة المواطنين الذين لازالوا يعيشون معاناة أنسانية شديدة الوطئة كنتيجة متوقعة لنقص خطير وكبير في الخدمات العامة، ليس فقط مع تصاعد في نسب البطالة بين الخريجين الذين يمكن للدولة أن تستعين بهم لتجاوزأزماتها ولكن نسب أخرى ضخمة من آخرين اصابهم الجهل والامية المتفاقمة . أخيرا وليس آخرا افتقاد نظام بيئي شامل وقويم يحمي المواطن من تكرار عواصف الرمل والتراب الخانق والمؤثر بشكل خطير على الصحة العامة في ظل غياب مؤسف للارادة السياسية في إدارة وتنفيذ مشاريع بيئية وتنموية سبق أن خطط لها من قبل حكومات سابقة منذ العهد الملكي من امثلتها الاحزمة الخضراء في العراق ما يستدعي مزيدا من التعاون والتنسيق مع دول الجوار لحل مشكلات البيئة، الغذاء والمياه.

ليس في نيتي أن أحبط المواطن، نعم نشهد وشهدنا وقائع توقيع أتفاقات وتعاهدات دبلوماسية دولية واقليمية هدفها التخفيف من وطئة الحياة ولكن ماهو مهم جدا أننا لانحكم على ما يرد من عبارات ونصوص اتفاقات ومعاهدات ومذكرات تفاهم (غير ملزمة قانونا) في الاطار القانوني الدولي وأنما علينا أن نحكم على مدى تحقق الانجازات على الارض. ما يهم إذن هو أن تبلور السلطات المعنية بحكم البلاد آفقا سياسيا إستراتيجيا مستقبليا يحتسب لعواقب الامور قبل وقوعها. بعكس ذلك، لن يكون المشهد القادم مريحا لمجمل شعبنا الذي ينتظر بفروغ الصبر أن يركن الساسة والنخب والمستشارين أخيرا لضمائرهم في أيجاد حلول عملية ممكنة وليست سحرية أولها وضع الشخص المناسب في المكان المناسب مع استقطاب كل كفاءة وتخصص عراقي من خلال برنامج يحترم كرامة الانسان وحقوقه المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.

كل أملي أخيرا أن تلقى صرختي وصرخة كل مواطن موجوع ومتألم للحال العراقي إستجابة سريعة وفاعلة من الجهات المعنية بالشان العراقي من مؤسسات حكومية ومنظمات غير حكومية لإنهاء حالة الانسداد السياسي والانتقال إلى أنفتاح حقيقي بفضل الجهود الحكومية وغير الحكومية الخيرة والرشيدة - التي لا أنفي أنها حققت بعضا من الانجازات ولكنها مجتزأة غير متكاملة- ترنو لأنجاز الاهداف ال17 لعقد التنمية الانسانية المستدامة بحلول 2030، منعا لتكرار قول الشاعر عمرو بن معد يكرب بن ربيعة الزبيدي في مناسبات عامة: “ ولو نارا نفخت اضاءت. لقد سمعت لو ناديت حيا ولكن تنفخ في رماد ولكن لاحياة لمن تنادي”. وقول أخر أتوج خاتمة مقالي المتواضع به عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن رسول الله صلى عليه وسلم قال: “الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء».