د. جليل العطية: تحوّل التحقيق لدى البعض إلى (تجارة رخيصة)

Monday 23rd of May 2022 10:31:34 PM ,
العدد : 5189 (نسخة الكترونية)
الصفحة : عام ,

حقق حتى اليوم 35 كتابا أغلبها يرجع إلى العصر العباسي

حاوره/ علاء المفرجي

عشقه اللغة العربية والتاريخ والفلسفة، جعل الدكتور جليل ابراهيم العطية يختار مجال التحقيق التراثي الذي كرس فيه حضورا مهما ،أثمر عن العديد من الكتب المهمة في مجال التحقيق التراثي.

عمل في بداياته في الصحافة واشتهر بعموده حكايات جهين في جريدة صوت العرب. كتب القصة القصيرة ونشر البعض منها في الصحف العراقي آنذاك.

ولد في الكوت عام 1940 وهوخريج قسم الأعلام جامعة بغداد 1972 وغادر الى باريس لغرض الدراسة عام 1978 وأستقر هناك، حيث نال حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة السوربون عام 1987 عن أطروحته الموسومة (تطور المجتمع العراقي بين الحربين العالميتين 1918 ـــ 1939 ).

صدرت له العديد من المؤلفات منها موسوعته المهمة (الذخائر الشرقية) ، وكتاب (حكايات جهين) وموسوعة (هؤلاء أحببتهم) و (وجوه عراقية رائدة)، وكان الجزء الأول قد صدر له كتابان عن دار المدى في بغداد (عراقيون في القلب) و (قمم عراقية)، وينتظر صدور كتاب محقق جديد لي عنوانه (غاية الاماني في شعراء زماني) لأمين الدين الانفي . كما يتوقع طبع كتابه المحقق التاريخي (المناقب العباسية) لصدر الدين البصري، إضافة لذلك الطبقة الثانية من كتاب ديوان الميكالي عبيد الله بن احمد .

 حدثنا عن طفولتك ومن الذي قادك خطواتك الى الكتابة والتأليف، وما هي المصادر والمرجعيات التي دفعتك لدخول هذا العالم؟

ما ان أطل صيف 1947 حتى توجه ابي الملا رحمه الله ليسجلني عنده كطالب، كان هذا الملا من اشهر ملالي الكتاب في مدينة الكوت مسقط رأسي وملعب صباي، كان يمتاز بلحيه طويلة وبيده عصا غليظة أرعبتني، وقال له والدي: لك اللحم ولي العظم! وهذا زاد في قلقي وارقي كان بيت الملا عتيقا وكنا نحن الصغار لا نجد موضعا للعب الا عندما ننصرف حيث نتقافز في دروب محلة الجديدة، وحدث ان حصل شجار بين الطلبة اسفر عن جرح العديد منهم وعندما علم الوالد بالأمر طلب مني ترك الكتّاب، دون ان احفظ جزءا من المصحف الكريم، لكنني تعلمت مبادئ الحروف واسس القراءة وهي ثروة لا بأس بها..

وفي احد ايام الخريف اللاحق قادني ابي وهو يحمل رحلة خشبية ليسجلني كطالب في الص الاول في المدرسة المركزية للبنين. كانت المدارس تطالب ذوي الطلاب المبتدئين توفير رحلة بسبب سوء الاحول الاقتصادية آنذاك قبيل الانفجار النفطي، كانت الرحلة قد كلفت الوالد ثلاثة دنانير، وهو مبلغ لا يستهان به أيامئذ.. عندما خرجت والوالد صحبة الرحلة من الدار ودعتنا الوالدة بالدعاء لكن جارتنا «قسمت» أطلقت زغرودة مناسبة ابهجت قلبي، فلقد شجعتني على المضي بدرب طويل سيتوج بعد نحو خمسين عاما بنيل دكتوراه الدولة من جامعة السوربون في باريس!

كان معلمي الاول السيد طه معلما مثاليا، صبورا يمنحنا الوقت الكافي للرد على اية اسئلة وكان كتابنا (القراءة الخلدونية) الذي استند اليه معلمنا الرائع في رفدنا بمبادئ المعرفة فمنه عرفنا اسماء لفيف من الحيوانات وكوكبة من النباتات اضافة الى اسماء عدد من الاشخاص.

كم اودن ان اتذكر اسماء زملائي في الصف الاول ومعرفة مصائرهم في الحياة، للأسف تخونني الذاكرة المتعبة، فلست اذكر اليوم غير صديق ورفيق واحد هو:

جميل عبد الهادي السبتي، الدكتور الاكاديمي لاحقا.. وعندما التقي به من حين لاخر اذكر طفولتي بكل ما فيها من انتصارات وخيبات وفي هذه الاثناء اذكر انه اقتحم المدرسة عدد من الاشخاص وطلبوا منا الخروج، فخرجنا لنجد الشارع امتلأ بالغاضبين وباللافتات التي لم نحسن قراءتها، كانت تظاهرة من اجل عروبة فلسطين. وهتفنا بأصواتنا الخفيفة مع الهاتفين: عاشت فلسطين! عاشت فلسطين!

نشأت في دار لها تراث في الميدان العلمي والادبي، فالوالد رحمه الله كان خطيبا لامعا واديبا، كان يحفظ نصف ديوان المتنبي وثلثي كتاب نهج البلاغة، وكان أخي خليل الذي يكبرني بنحو أربع سنوات أديبا وشاعرا ومحققا، وكانت في دارنا مكتبة تضم عيون التراث العربي وكتب الادب والشعر، منها نهلت والتهمت دواوين الشعر الجاهلي والمخضرم ومرورا بالجواهري والشعر الشرقي ومحمد رضا الشبيبي ومن المحدثين قرأت شعر علي محمود طه وكنب سلامة موسى، وفي المدرسة ادين لمدرسين اثنين افخر بهما هما محمود منير، واحمد الشحاذ. كان منير صديقا لبدر شاكر السياب منه سمعت اسم السياب وأستعرت منه بعض اعداد مجلة الآداب التي أيقظت مشاعري الادبية وفيها قرأت قصائد جميلة للسياب وعبد الوهاب البياتي، ثم قرأت بفضل أستاذي الشحاذ عدة أعداد من مجلة الأديب اللبنانية، وفيها اكتشفت عبد الملك نوري وعالمه السحري. وهنا بدأت أمارس كتابة القصص القصيرة والمقالات الادبية، وبلغ مجموع ما نشرت نحو اثنتي عشرة قصة نشرت في صحف البلاد والشعب والمجتمع والمعارف وغيرها، ولقد نوه بها صديقي الراحل الدكتور عبد الاله احمد في كتابه القصة العراقية، وكانت المصادر التي حثتني على الكتابة الادبية والقصصية ظفرت بها من مكتبة الكوت العامة والتي كان يديرها محمد جواد خضر، وهو من شعراء النجف الذي كان يضع بين يدي اكداس الكتب ويعيرني ما اريد خلافا للتعليمات الادارية كان خضر الذي توسم بي بداية قاص او اديب من اصدقاء الوالد.

 ما الذي جعلك تحجم عن المواصلة في كتابة القصة وقد بدأت في كتابتها، لتتجه الى الصحافة؟ هل كان ذلك بسب الاجواء الادبية في الستينيات التي افرزت عددا من كتاب القصة المهمين؟

الذي دفعني الى التوقف عن مواصلة كتابة القصة امران: الاول هو رغبتي في الانصراف لعالم التراث الذي سحرني وجذبني بعد ان قرأت ما استطعت من مؤلفات الجاحظ وابي حيان التوحيدي وابن قتيبة وسواهم من المبدعين. الثاني هو انني بعد ان نشرت العديد من القصص القصيرة في الصحافة العراقية سعيت الى مجلة الآداب على أمل النشر فيها، فكتبت قصة اعتذرت المجلة عن نشرها هذا على الرغم من ان تلك القصة نالت استحسان قاصين عراقيين مرموقين اطلعتهما عليها هما: الراحل نزار عباس وجيان (يحيى عبد المجيد) اطال الله عمره.

ثم انني اتجهت الى الصحافة التي تربطني بها وشائج عميقة تمتد جذورها الى سنوات الخمسينيات، حيث مارست العمل الصحفي وانا طالب في ثانوية الكوت حيث شاركت في تحرير مجلة تكتب باليد عنوانها (الفجر الجديد)، واذكر من زملائي في هيأة التحرير صديقي مؤيد سعيد بسيم – الدكتور رئيس مؤسسة الاثار لاحقا- وسيمون ملكون وعبد الرزاق محمود علي والاخير يقيم في الولايات المتحدة اليوم، اذكر ان التحريات الجنائية (الأمن) تنبهت الى صدور المجلة، لأننا كنا نرسلها بالبريد الى اصدقائنا في البصرة والموصل والنجف والى الكويت ومصر وسوريا وغيرها من البلدان والأمصار وكانت نتيجة ذلك استدعاء السلطة الامنية لوالدي ولي.. سألني مفوض الشرطة بخشونة: انت مسؤول المجلة حسب تحقيقاتنا، الا تعلم ان اصدار المجلة يتطلب موافقة وزارة الداخلية؟ فاعتذرت لجهلي بالقوانين الادارية ثم اطلق سراحي بكفالة الوالد.

 بدأت صحفيا، وتحديداً في مواضيع قريبة من اختصاصك فيما بعد، واعني عمودك الاشهر (حكايات جهين) الذي صار كتابا فيما بعد.. كيف تبلورت كتابة هذا العمود، ولماذا (جهين)؟

تجربتي الصحفية الساذجة تكررت عندما انخرطت في كشافة المدرسة ومضت بنا الحافلة الى اربيل واذكر اننا بتنا ليلة جميلة في قلعتها التاريخية ومن هناك توجهنا الى مصيف شقلاوة وعسكرنا في سفح جبل (سفين) وانيط بي تحرير مجلة سميتها (سفين) صدر منها ثلاثة اعداد مشتملة على المواقع التاريخية والجغرافية للعراق وقام صديقي (حازم) بإعداد بعض الرسوم لها.

وهكذا لصقت الصحافة في وجداني وقلبي منذ سنة 1956 ، اذكر انني كتبت مقالة عن الإنشاء نشرته مجلة المعلم الجديد بعنوان (مشكلة الإنشاء ابدا) سنة 1960 ثم اخبرني الدكتور على جواد الطاهر انه أعجب بالمقال وأوعز بنشره مما زاد في غبطتني وسروري.

افترست بغداد انا القادم من واسط، وتسلقت نتاجاتي الادبية صحفها ومجلاتها مثل: صوت العرب والنصر والوادي والرسالة والمكتب والكتاب وغيرها.. وكانت المجالس الادبية والمقاهي هي ميادين اللقاء بفرسان الموجه الستينية التي افرزت عددا من الروائيين وكتاب القصة اذكر منهم الاصدقاء عبد الرحمن مجيد الربيعي، وخضير عبد الامير، وفاضل العزاوي، وغازي العبادي، وسلمى صالح، ومحمد عبد المجيد وغيرهم.

كنت اعمل في جريدة (صوت العرب) لصاحبها المحامي فوزي عبد الواحد- كانت الجريدة قومية ولها سوق رائج وكان عملي في الشؤون المحلية، تعبت كثيرا من الجوران في اروقة الوزارات بحثا عن الاخبار، وفكرت ان اتحول الى قسم اخر وفجأة خطر في ذهني ان اكتب عمودا اجتماعيا ادبيا، فكتبت نموذجا وقدمته لصاحب الجريدة الذي اعجب به لكنه طالبني بتوقيع، وعندها فكرت بالمثل العربي العتيق: وعند جهينة الخبر اليقين.. ولما كان جهينة اسم مؤنث في العراق فقد ذكرته بتشديد الكاف الى: جهين..

وهو اسم نادر يسعدني ان صديقتي الصحفية والكاتبة المرموقة الدكتورة (إنعام كجه جي) قد اطلقت على ولدها الوحيد، وفي اليوم الثالث من مقابلتي لرئيس التحرير في صيف 1965 ظهر العمود في مكان شبه مهمل وهو –الحقل- يحمل مجموعة من الاخبار الاجتماعية مع تعليقات ساخرة سرعان ما تطورت (حكايات جهين) واضحت المادة الاولى في وعطلت الجريدة ثلاث مرات بسبب قلمي.

 هل نستطيع ان نضم هذا العمود الى مصافي الكتابات الساخرة في الصحافة العراقية؟ ولماذا الكتابة الساخرة ؟ هل لأنها كانت مرتبطة بالظروف الاجتماعية والسياسية في تلك الفترة في العراق؟

الجريدة يقبل عليها القراء بشغف وراح قلبي يتفجر حمما ضد الفاسدين ولعلي كنت السباق الى كشف الاختلاسات وعلى سبيل السخرية دعوت الى تأليف اتحاد عربي للمختلسين مما راق ذلك للكاتب الكبير أنيس منصور وكذلك الصحفي اللامع محمود السعدني.

اذكر انني هاجمت احد رؤساء الجامعات العراقية الاهلية وفي اليوم التالي استدعيت من قبل رئيس الجمهورية الرئيس عبد الرحمن عارف، وكنت حديث الزواج (اذار 1968) فجهزت ام محمد البطانية على أساس انني سأرمى في المعتقل.. قابلت الرئيس- وكانت لي به معرفة طيبة فرحب بي واثنى على كتاباتي التي اكد انه يطالعها كل صباح ثم سألني عن وضعي في الجريدة وفجأة قال:

استدعيتك لأخبرك ان هناك من لا يستحسن كتاباتك لصراحتها وجرأتها.. جاءني (أ) يشكو من مهاجمة جامعته وقد قلت له: جليل العطية هاجمك في جريدة يمكنك الرد عليه في نفس الجريدة، او في جريدة اخرى، ولا مبرر لإشغال رئيس الدولة بصغائر الامور.

 غادرت العراق الى باريس نهاية السبعينيات بغرض الدراسة، هل كان التحقيق والعناية بالتراث هو مقصدك من رحلتك هذه؟ ولما التحقيق تحديدا الذي صار شاغلك الاساس؟

غادرت العراق في شباط 1978 بعد انتهاء عملي في السفارة العراقية بالكويت (72-1977) في تموز 1977 زرت الرئيس الاسبق احمد حسن البكر بناء على طلبه وكانت لي به صلة جيدة فسألني لماذا عدت الى العراق؟ قلت: انتهت مهمتي الوظيفية بعد خمس سنوات من العمل الاعلامي، فقال لي بهدوء وهو يتلفت الى حيث تجمعه صورة بنائبه (صدام حسين) اسمع يا ولدي جليل، عد الى الخارج مرة اخرى، فلقد انتهى كل شيء ولم اعد أملك سلطة القرار فلقد أنتُزعت مني- قلت بعد دقائق من التفكير:

ليس من سبيل للخروج - يا سيدي- الا لغرض الدراسة، وتم ذلك بمعونته حيث منحت اجازة دراسية من وزارة الاعلام وبعد ذلك بسنوات دفعت كفالة مقدارها سبعة عشر الف دينار ثمن عدم عودتي الى العراق بعد نيل الشهادة العلمية (دكتوراه دولة في جامعة السوربون).

نعود الى التحقيق، هل تعتقد ان البعض خاض في هذا المجال دون معرفة علمية ، وهل اساء ذلك للتحقيق في العراق؟ حدثنا بإسهاب عن اهمية التحقيق في الثقافة العراقية بشكل خاص؟

لو تمعنا قليلا بالكتب التراثية المطبوعة حديثا لهالنا ان نكتشف أن الكثير منها يعوزها التحقيق العلمي، بل ان الكثير منها ملفقة وهي باختصار تشويه للتراث الاصيل.. لقد تحول التحقيق لدى البعض الى (تجارة رخيصة) تجد اسم المحقق الدكتور تجاه نص تراثي لكنه لا يملك من مقومات التحقيق العلمي اي شيء، انني اطالب الجهات الرسمية خاصة وزارة الثقافة بتدقيق الكتب التراثية ومنع تداول الكتب المزورة او الملفقة او المسروقة، وذلك حماية للتقاليد العلمية والاخلاقية والمجمع العلمي العراقي مدعو هو الاخر للقيام بدوره في حماية التراث العربي.

 ألا تعتقد بضرورة إنشاء مركز لدراسة موضوع تحقيق التراث مثلا؟ اذا كان ذلك معمولا به في بلدان العالم؟

ثمة مركز لإحياء التراث العربي تابع لوزارة التعليم العالي وهذا المركز يحتاج الى دعم ليضطلع بدوره في عملية إحياء التراث العربي وثمة معهد للمخطوطات العربية تابع لجامعة الدول العربية ومركزه في القاهرة يقوم بدوره بحفظ التراث العربي وصيانته ونشره.

 وهل في ظنك انه لازالت هناك الكثير الذي يستحق التحقيق والتدقيق في المخطوطات العراقية، ولكن لم يكن في دائرة الاهتمام لا من قبل المؤسسات المعنية ولا من الافراد ذي الشأن؟

نعم لا تزال هناك الكثير من المخطوطات العراقية بحاجة الى بحث وتحقيق، فمثلا يوجد 48 الف مخطوط عراقي في دار الكتب العلمية تحتاج الى من ينفض الغبار عنها بعد ان نجت من كارثة الاحتلال الامريكي للعراق.

 هل تعتقد ان البعض خاض في هذا المجال دون معرفة علمية ، وهل اساء ذلك للتحقيق في العراق؟ حدثنا بإسهاب عن اهمية التحقيق في الثقافة العراقية بشكل خاص؟

عندما غادرت بغداد باتجاه باريس زودني الاستاذان ميخائيل عواد وهلال ناجي عنواين عدد من المستشرقين الفرنسيين.. وكان هذا الامر قد نفعني في مواصلة جهودي التراثية.. افدت من المستشرقين الاطلاع على اساليب التحقيق العلمي للتراث.. ولقد صورت عدد من المخطوطات

وخلال وجودي في العاصمة الفرنسية جردت ألوف المخطوطات العربية التي تضمها المكتبة الوطنية بباريس، واذا عرفت ان مجموع المخطوطات العربية المحفوظة بهذه المكتبة العريقة يبلغ اكثر من عشرة الاف مخطوط أدركت مدى الجهد الذي بذلته في رصد التراث العربي الاصيل المودع في عاصمة هيغو وروسو، ولقد اخبرتني السيدة (ايفيت سوفان) مديرة الجناح العربي في المكتبة ان العلامة مصطفى جواد كان يمضي أيامه فيها يراجع المخطوطات العربية النادرة ويقتبس منها في دفاتره لان وسائل التصوير لم تكن متيسرة خاصة اثناء الحرب العالمية الثانية.

لقد اصبح التحقيق شغلي الشاغل، خاصة بعد ان فرغت من اعداد رسالتي –اطروحتي- الجامعية (1987) حيث حققت حتى اليوم، خمسة وثلاثين كتابا اغلبها يرجع الى العصر العباسي وقد صدرت هذه الكتب في بيروت ولندن والكويت والدوحة وبغداد، واستغربت لان شارع المتنبي يخلو من كتبي وكذلك مكتبات بغداد في مناطقها المختلفة. لقد رأيت في التحقيق خدمة لأمتي ووطني فحرام ان تبقى ألوف المخطوطات رهن الرفوف يسودها الاهمال.

 موسوعة (الذخائر الشرقية) بتقديري هي من أهم أعمالك في البحث والتحقيق.. هل حدثتنا عن ظروف العمل بهذا المشروع ؟ ولماذا كانت البداية بالعلامة كوركيس عواد؟ ولماذا برأيك انها ليس في يد القارئ العراقي؟

عندما فرغت من اعداد رسالتي الجامعية في السوربون (1987) فكرت ان اعني بالتراث العراقي المعاصر ففكرت بجمع وتحقيق اعمال الاستاذ كوركيس عواد لأهميتها، فزرته في داره (بالدورة) وعرضت عليه الأمر فرحب بذلك، وسألته: ماذا نسمي الكتاب –الموسوعة؟ فقال دعني افكر! قلت: الذخائر الشرقية

للاستاذ حبيب زيات (الخزانة الشرقية) ولك ذخائرها فرحب، وسلمني عدة مقالات من كتاباته وعدة أعداد من مجلة الرسالة وغير ذلك ثم باشرت العمل الذي استغرق ست سنوات، ولقد سافرت من أجل هذا الكتاب الى لندن والقاهرة وجنيف لتصوير بعض المقالات (العوادية) كنت ممنوعا من دخول العراق لأسباب سياسية وهكذا ولدت هذه الموسوعة بسبعة اجزاء تقع في نحو أربعة ألاف صفحة وصدر الكتاب سنة 1999 عن دار الغرب الاسلامي في بيروت ولم احصل من الناشر إلا على نسخة واحدة منه وبلا مكافأة على جهدي وعملي.

وعندما ترددت الى العراق بعد 2006 فوجئت بعدم وجوده في المكتبات العامة او الخاصة وقيل لي ان أحدى مكتبات شارع المتنبي استوردت منه ثلاث نسخ اقتنت إحداها (مشكورة) الدكتورة نادية العزاوي.

 المكتبة العراقية كما أرى فقيرة بهذا النوع من الاعمال، واعني التحقيق وما يتعلق به، الى من تعزو ذلك؟

المكتبة العراقية تفتقر الى الكتب التراثية المحققة وسبب ذلك غياب المحققين اللامعين، حيث لم يبق منهم الى القليل، بعد ذلك غياب دور النشر التي تعنى بالكتب الجادة والاصيلة ويبقى ان ننتظر من وزارة الثقافة ووزارة التعليم العالي أو المجمع العلمي العراقي ان تدعم النشر التراثي العلمي.

 ما الذي يشغل الدكتور حليل العطية الان، في مجال البحث والتحقيق من مشاريع ومؤلفات ؟ ارجو ان تحدثنا عن ذلك باسهاب.؟

تشغلني الان موسوعة (هؤلاء أحببتهم) وهي تشتمل على تراجم وسير الشخصيات والادباء والعلماء ممن عرفتهم من العراقيين والعرب والمستشرقين ولقد بدأت بنشر سير الشخصيات العراقية فصدر لي في هذا المضمار كتابان عن دار المدى في بغداد اولهما (عراقيون في القلب) والثاني (قمم عراقية) والثالث قيد الطبع وعنوانه وجوه عراقية رائدة.

واعكف حاليا على اعداد الجزء الرابع من هذه الموسوعة وعنوانه: عشرون شخصية عراقية. وتتضمن الموسوعة تراجم كبار العلماء العرب ببينهم الشيخ حمد الجاسر (سعودي) والشيخ محمود محمد شاكر (مصري) ومن المستشرقين: شارل بيلا (فرنسي)، وانتظر صدور كتاب محقق جديد لي عنوانه (غاية الاماني في شعراء زماني) لأمين الدين الأفقي . كما اتوقع طبع كتابي المحقق التاريخي (المناقب العباسية) لصدر الدين البصري، إضافة لذلك عندي رهن الطبع، الطبقة الثانية من كتاب ديوان الميكالي عبيد الله بن احمد .