باختصار ديمقراطي: ديمقراطيون حدَّ النخاع!

Tuesday 24th of May 2022 11:40:48 PM ,
العدد : 5190
الصفحة : الأعمدة , رعد العراقي

 رعد العراقي

مقولة "أن المصائب لا تأتي فرادا" تكاد تنطبق تماماً على ما تواجهه الرياضة العراقية من تحدّيات وانتكاسات وتراجع كبير في مقياس التطوّر والحداثة ألقت بها من قمّة التألق والسيطرة لمعظم الألعاب على المستوى العربي والآسيوي الى أدنى قاع الفشل والاخفاق الذي بات هو السمة الأبرز في أغلب مشاركاتنا الخارجية حتى أصبح تحقيق انتصار هنا أو هناك كأنه انجاز غير مسبوق!

ما نعنيه بالمصائب هو تعدّد الأزمات، وانكشاف عورات المنظومة الإدارية التي تعاني الضعف والهزالة في فلسفة القيادة والتخطيط نتيجة الأخطاء الكارثية وتراكمها من دون أي حلول واقعية ومنطقية تحاكي الواقع وتذهب نحو معالجة الجذور بدلاً من سياسة الترقيع واغفال المسبّبات والظروف والأجواء العامة، وتتناغم مع المرحلة الحالية، وما أفرزته من عوامل نفسية واخلاقية واجتماعية كانت سبباً في حدوث انقلاب جذري في مجمل المنظومة الرياضية إدارةً ورؤيةً وأهدافاً!

صطلح الإنجاز والنجاح في عالم الرياضة لا يمكن أن يتحقّق من دون اكتمال عوامل مترابطة تشترك بها مفاصل مختلفة تشكل الهيكل العام لها بدءاً من وزارة الشباب والرياضة واللجنة الأولمبية الوطنية والاتحادات الرياضية المرتبطة بها والأندية التي تُشكّل إحدى أهم الحلقات الأساسية في تهيئة وانتاج النجوم ليكونوا واجهة سواء لاسم النادي أو من خلال تمثيلهم للمنتخبات الوطنية

أولى سقطات الفشل هو أن يرتبط نجاح الهيئة الإدارية لأي نادٍ بمدى تحقيق فريقها الكروي فوزاً معنوياً أو حتى الظفر بدرع الدوري المحلي، بينما تختفي وراء ذلك الألعاب الأخرى وملفاتها، وتركن في أدراج النسيان وتبتعد قياسات جوهرية عن جداول التقييم الفعلي مثل برامج التطوّر والبُنى التحتية وإيجاد منافذ التمويل المالي وتوفر حواضن حقيقية وعلمية في اكتشاف المواهب بمختلف الألعاب، وأخيراً تماسك وتعاون كل أعضاء النادي في أداء مهامهم بروحية العمل الجمعي في السرّ والعلن كشرط لإعلان أن تلك الهيئة قد أمسكت بأسرار التفوّق

المفترض أن قيادة الأندية تعتمد على ركنين أساسيين أوّلهما الخبرة الإدارية الطامحة الى الارتقاء بمستوى الأداء تحت ضغط ودافع الحرص الذاتي كهدف تسعى اليه وتتخلّى عن مواقعها متى ما أيقنت أن بقاءها سيسبّب ضرراً يُطيح بكل الأمنيات.

وثانياً توظيف الطاقات من أبطال ونجوم سابقين محسوبين على النادي واحتضانهم في تقديم المشورة والدعم بشقّيها المعنوي والفني لتشكّل عامل قوّة وديمومة تزيد من تماسك البناء وتطرح مقولة إن أبناء النادي هم أكثر حرصاً على تقدمه وازدهاره، لا أن تشن حملات تحت ذرائع مختلفة هدفها إبعاد تلك النخب عن أسوار النادي وضمان الانفراد بالقرار والتحكّم بمصير النادي.

ما يحصل لدينا يكاد يُشكّل واقعة فريدة خارج حدود المنطق، والأغرب هو صمت الجهات ذات العلاقة على القبول بهذا الواقع تحت ذريعة (الديمقراطية) والانتخابات وغيرها من المصطلحات التي طرحت بمفهومها اللفظي من دون التمسّك بجوهرها العملي ليكون اغتيال الرياضة أمراً واقعاً يجري على بساط تلك الممارسة الزائفة، وكأننا نضحّي بالهدف الأغلى من أجل أن نفتخر بأننا ديمقراطيون حد النخاع!

إن عملية وصول الهيئات الإدارية عبر انتخابات روتينية تعتمد على الاتفاقات والصفقات السرية التي تدخل بها المحسوبية والعشائرية اصبحت لا تختلف من حيث النتيجة عن أسلوب التعيين الذي كان هو النظام المعمول به سابقاً، بل إن الإجراء الأخير ربما يتّسم بمرونة عزل أيّة شخصية من دون أن تكون له حصانة مطلقة تتيح له البقاء فترة طويلة حتى وإن كانت له علاقات ومصالح مع الهيئات العامة.

باختصار.. لنذهب بمفهوم انقاذ الرياضة العراقية نحو آفاق عملية وعلمية أكثر تأثيراً وأيسر تطبيقاً على أرض الواقع من خلال مقترح عقد مؤتمر مصغّر عابر للخلافات وجامع للكفاءات والخبرات يتم الإعداد له بالتعاون بين الاطراف المؤثّرة وهي وزارة الشباب والرياضة واللجنة الأولمبية واتحاد الصحافة الرياضية كلا ضمن حدود اختصاصه ومسؤولياته يتم فيه إعداد دراسة مفصّلة لمجمل معوّقات العمل وتشخيص الممارسات والظواهر السلبية التي سبّبت في خلق الفوضى والأجواء الطاردة للكفاءات وانهيار القيم الاخلاقية الحاكمة للعلاقات بين الرياضيين وإيجاد الحلول لإعادة رسم مفهوم الانتخابات الديمقراطية بما يضمن إنهاء عقبة (التمسّك بالمناصب) من خلال فكّ طلاسم التأثير والمصالح بين المرشّح والهيئات العامة حين نرسم بحرص وتصميم طريق وصول الأصلح والأكفأ والنزيه إلى سدّة المسؤولية لكل المفاصل الرياضية، ونعيد الدور المهني الحقيقي للإعلام والصحافة الرياضية في الرصد والتصحيح بلا تسقيط أو انحياز، عندها فقط سنقول بلا تردد لا خوف على مستقبل الرياضة العراقية!