كلاكيت: تحولات السينما الايرانية

Wednesday 25th of May 2022 11:46:47 PM ,
العدد : 5191
الصفحة : الأعمدة , علاء المفرجي

 علاء المفرجي

رغم ان السينما الايرانية بدأت في الانتاج منذ بداية الثلاثينيات، غلا انها اكدت حضورا عالميا في السنوات الاخيرة.. أصبحت محط اهتمام عالمي كبير بعد عام 1979، خاصة وفق ما قدمته هذه السينما تحت رقابة العملية الإبداعية. وهي ورغم الضغوط الرقابية الممارسة بالفعل، استطاعت من خلال النص السينمائي الذكي الذي يوظف الرموز المحلية أن تؤكد أنها ما زالت قادرة على تناول الحاضر الايراني بكل تفاصيله.

كان لابد لهذا الحضور المتميز للسينما الإيرانية بالمشهد السينمائي العالمي ان يتوج بامتياز الجوائز المهمة، وإن كانت هذه السينما قد اقتحمت سابقا قلاع احد اهم مهرجان سينمائي على الإطلاق وهو مهرجان كان من خلال احد اهم ممثلي تيارها الجديد المخرج عباس كياروستامي. الحضور الجديد تمثل في فيلم اصغر فرهادي (انفصال نادر وسيمين)، الذي كرس بدوره حضورا متميزا للسينما الايرانية في اكثر من تظاهرة سينمائية، استطاع فيها انتزاع اهم الجوائز فيها، توجها فيما بعد باختياره في قائمة الافلام الخمسة المرشحة للاوسكار في جائزة افضل فيلم اجنبي، وهو الانجاز الذي سرعان ما أخذ اقصى مداه بالفوز بهذه الاوسكار والتي هي بدورها الانجاز الاول للسينما الايرانية.

ولا غرابة أن يتوج هذا الفيلم بمثل هذا الامتياز، وهو من رحم سينما اكدت حضورها القوي والمؤثر في الفن السابع، خلال العقود الثلاثة الأخيرة. فبفضل عدد من رجالاتها استطاعت السينما الايرانية ان تلفت اليها انظار عشاق السينما في كل مكان، بالرغم من سيف الرقابة المسلط على مبدعي هذا البلد، والمتمثل بالكثير من الاشتراطات والتابوهات، والذي وصلت محظوراته حد الزج في السجن والمنع من العمل كما حصل مع احد مبدعي هذا الفن، وهو المخرج المتميز جعفر بناهي، الذي يقضي عقوبة الحجر والمنع لعشرين عاما قادمة. وبرغم ان هذا الفيلم يندرج ضمن عديد الافلام الايرانية التي حققت نجاحات جماهيرية ونقدية ملحوظة في السنوات الاخيرة، إلا ما يميزه عنها هو انغماره الملحوظ في الخصوصية المحلية، من خلال تاريخ يلامس هموم وانشغالات مجتمعه.. وتوثيقه لمرحلة مهمة من تاريخ بلد يعاني ظروفاً ملتبسة، ووضعا اجتماعيا استثنائيا.. هذا فضلاً عن الصنعة المتقنة والمعالجة الذكية لموضوع، قد يبدو للوهلة الأولى موضوعاً عادياً ومطروقاً، لكن سرعان ما نكتشف انه موضوع على قدر كبير من الاهمية..فمهارة المخرج (أصغر فرهادي) تتجلى في التقاطه فكرة، تكون محوراً لخطوط درامية أخرى، تعكس هموماً اجتماعية، ومعاناة حياتية، هي نتاج طبيعي لاختلالات في البنية الاقتصادية والسياسية لهذا البلد.. وموضوعة الفيلم لا تتعدى قرار زوجين هما نادر(بيمان موادي) وسيمين(ليلى حاتمي) - وهما زوجان من الطبقة الوسطى - الانفصال، باقتناع الطرفين.. فالزوجة تريد الهجرة باصطحاب ابنتها المراهقة، بينما الزوج يرفض، بسب مرض والده المصاب بالزهايمر والاعتناء به.. وهو موضوع غير مثير كما يبدو، لكن الإثارة فيه هي الأسباب الكامنة وراء اصرار الزوجة على الهجرة، التي تتلخص في ان ايران ليست مكاناً مناسباً لتربية الابنة.. وهو سبب يشتمل على ابعاد، استطاع المخرج ان يبرزها بمهارة مشهودة..ويلاحظ الكثير من متابعي المنجز السينمائي الايراني في السنوات الاخيرة، ان صناعه ومن اجل التحايل على قواعد الرقابة، يلجأون الى موضوعات مبذولة وشائعة، لكنهم يسعون من خلالها الى الوقوف عن ابرز قضايا مجتمعهم، من خلال اغنائها بالكثير من التفاصيل.. وهي مهمة بلا شك وليست باليسيرة. وتكفي نظرة سريعة على النتاج السينمائي الإيراني لتلمس هذه الحقيقة. انفصال نادر وسيمين يدخل الاوسكار مدججاً بجوائز سينمائية قيمة لعل اهمها فوز هذا الفيلم بالجائزة الكبرى في البرينالة الأخير، والذي يعد احد اهم التظاهرات السينمائية في العالم. فضلاً عن حصول ممثليه على جوائز التمثيل.