العرب أمام خيارات صعبة

Wednesday 1st of June 2022 11:49:51 PM ,
العدد : 5196
الصفحة : آراء وأفكار ,

 د. جاسم الصفار

2-2

أما بالنسبة لمواقف الدول العربية في غرب اسيا، فسوريا، كحليف تقليدي لموسكو، كانت أول من دعم العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. حتى قبل بدء العملية العسكرية، كانت هناك تصريحات مفادها أن دمشق ستعترف بجمهوريتي دانيتسك ولوكانسك كدولتين مستقلتين ذات سيادة. ويتجلى موقف سوريا بوضوح في تصريح نائب وزير خارجية الجمهورية العربية السورية بشار الجعفري: «سوريا تدعم موقف روسيا وحقها المشروع في الدفاع عن أمنها القومي ضد السياسات الغربية العدوانية».

ومع ذلك يجب ألا يغيب عن بالنا أن هناك تمايز في موقف المجتمع السوري من الحرب في أوكرانيا. فإن كان اغلب الذين يعيشون في المنطقة التي تسيطر عليها الحكومة في دمشق متضامنين مع موسكو، الا أن سكان المحافظات الخارجة عن سيطرة دمشق لديهم مواقف أخرى. ففي إدلب، يدينون بشدة العملية الروسية ويدعمون أوكرانيا بكل الطريقة الممكنة، على سبيل المثال، من خلال رسم رسومات على الجدران لدعم كييف. هذا الموقف يمكن التكهن به ومفهوم تمامًا. تساعد روسيا عسكريا الحكومة الرسمية في عمليات إعادة أراضي المحافظة الخارجة عن السيطرة. هذا هو السبب في أن دعم أوكرانيا في إدلب يفسر بالكامل بالعداء لموسكو.

وهناك نشاطات مثيرة للاهتمام في الأراضي السورية التي تسيطر عليها تركيا. ففي مدينة عفرين، تم نشر نقاط لتسجيل الراغبين في إرسالهم للتطوع للقتال الى جانب القوات الأوكرانية. وتجدر الإشارة الى أن تسجيل المتطوعين كان قد بدأ حتى قبل بدء العملية العسكرية الروسية. يشير هذا إلى أنه تم التخطيط لمشاركة المرتزقة الأجانب في عملية عسكرية كان من المخطط أن تبدأ بها أوكرانيا ضد دانيتسك ولوكانسك. بالطبع لم تنظم هذه العملية بدون دعم أو موافقة تركية.

لبنان منقسم كذلك حول موضوع العملية العسكرية الروسية. الموقف الرسمي للحكومة اللبنانية، كما جاء في بيان لوزير الخارجية اللبنانية، أدان العملية ودعا روسيا إلى مغادرة أراضي أوكرانيا على الفور. في حين، انتقد نواب لبنانيون علانية الموقف الرسمي للحكومة، وكان تحالف 8 آذار الأكثر انتقادا لموقف وزير الخارجية.

ولم يقف المجتمع اللبناني جانبا واتخذ موقفا فاعلا من هذه القضية. قام سكان الضاحية الجنوبية ببيروت بتعليق الأعلام الروسية وصور فلاديمير بوتين في مناطقهم، مستنكرين بذلك اعلان وزير الخارجية. في غضون ذلك، نظمت مسيرات دعما لروسيا في بيروت ومدينة صور جنوب لبنان. خرج المتظاهرون بصور الضحايا في دونباس، مذكرين بأن الحرب مستمرة منذ 8 سنوات.

اتخذت الحكومة العراقية موقفًا محايدًا ودعت الأطراف إلى حل النزاع بالطرق السلمية. بينما انتقدت جهات سياسية، منها السيد مقتدى الصدر العملية الروسية. في الوقت نفسه، اتخذ الشارع العراقي موقفًا متبايناً من العملية، وعبر العراقيون عن موقفهم في العديد من الفعاليات التي أظهرت تارتاً الدعم للعملية العسكرية الخاصة الروسية في أوكرانيا وتارة أخرى مناهضتها. وانعكست المواقف المتباينة للعراقيين على نمط كتاباتهم ومساهماتهم الاخرى في مواقع التواصل الاجتماعي والصحافة العراقية. الا أن الرأي الشعبي والنخبوي العراقي يميل في أغلبه لصالح تأييد الموقف الروسي.

قرر الأردن، النأي بنفسه عن المشكلة، واتخذ موقفاً حيادياً، مؤكداً على أهمية جهود المجتمع الدولي لمنع تصعيد الصراع، وحله بالطرق السلمية، لاستعادة الأمن والاستقرار في المنطقة من خلال الحوار.

من بين دول الخليج، اتخذت الإمارات العربية المتحدة، كما ذكرنا أعلاه، موقفاً موالياً لروسيا. ولم يتم التعبير عن هذا الموقف فقط في رفض التصويت على مشروع القرار المناهض لروسيا في مجلس الأمن الدولي. ففي محادثة هاتفية، على سبيل المثال، بين فلاديمير بوتين وولي عهد أبو ظبي، محمد آل نهيان، أكد ولي العهد، الذي أصبح قبل أيام أميرا للبلاد، على حق روسيا في ضمان أمنها القومي.

على الرغم من أن الإمارات العربية المتحدة كانت تُعتبر دائمًا حليفًا تقليديًا للولايات المتحدة، إلا أن السياسة الحالية للإمارات في الشأن الأوكراني تميل نحو أقطاب بديلة للقوة في النظام العالمي الناشئ، حيث ستكون روسيا والصين مهمين أيضًا للإمارات. كما أن مستوى العلاقات المتطورة بين موسكو وأبو ظبي لا يشجع الإمارات العربية المتحدة على المشاركة في ضغط دولي على روسيا فقط لإرضاء الولايات المتحدة. ويتجلى ذلك بوضوح في رفض الإمارات لطلب وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن التضامن مع الدول الغربية بشأن المشكلة الأوكرانية.

حذت السعودية حذو جارتها الإمارات، ورفضت تعقيد العلاقات مع روسيا. الموقف الرسمي للرياض هو دعم الجهود الدولية لخفض التصعيد في أوكرانيا من خلال الدبلوماسية. حتى أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بعد إجراء محادثات هاتفية مع كل من فلاديمير بوتين وفلاديمير زيلينسكي، أعرب عن استعداده للتوسط في النزاع. عموما، فإن ما ليست الرياض مستعدة له بالتأكيد هو التضحية بعلاقتها مع موسكو من أجل كييف. لهذا السبب ترفض السعودية الانضمام إلى الدول الغربية في الضغط على روسيا.

مما لا شك فيه أن فلاديمير بوتين نجح في بناء علاقة ثقة مع محمد بن سلمان. إضافة لذلك فإن المملكة حصلت أيضًا على أرباح مالية من ازمة البترول الحالية. لذا لم تتحمس الرياض وأبو ظبي لزيادة إنتاج النفط رغم طلبات واشنطن. بعد بدء العملية العسكرية الروسية، تجاوز سعر نفط برنت 100 دولار للبرميل. تبعا لذلك، فإن الولايات المتحدة، في محاولة لخفض الأسعار، طالبت كبار منتجي النفط في العالم بزيادة الإنتاج، لكن طلباتها قوبلت بالرفض.

إذا كانت الإمارات والسعودية قد انحازتا، بدرجة أو بأخرى، إلى جانب روسيا، فإن بقية الممالك والامارات الخليجية إما اتخذت موقفًا محايدًا، مثل البحرين وعُمان، أو انحازت إلى جانب أوكرانيا. على سبيل المثال، كانت الكويت أحد المبادرين للقرار المناهض لروسيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وأجرى مسؤولون قطريون عدة محادثات هاتفية مع الجانب الأوكراني أعربوا فيها عن دعمهم، كما تحولت (الجزيرة) الى بوق اعلامي يسوق لوجهة النظر الغربية. هذا الموقف من النظام القطري يمكن التنبؤ به تمامًا. قبل وقت قصير من بدء العملية الخاصة في أوكرانيا، أعلنت واشنطن أن الدوحة هي الشريك الرئيسي خارج كتلة الناتو. بالإضافة إلى ذلك، كان البيت الأبيض يدرس بجدية خيارات قطر لاستبدال الغاز الروسي في أوروبا جزئيًا على الأقل بإمداداته من الغاز.

في اليمن الذي مزقته الحرب الأهلية، اتخذ كل جانب موقفه. لم تعلق الحكومة الرسمية على العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، لكنها صوتت لصالح القرار المناهض لروسيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة. بينما انحازت حركة الحوثيين (أنصار الله) إلى جانب روسيا، حتى أنها اعترفت باستقلال جمهورية لوكانسك ودانيتسك. في عدن، التي يسيطر عليها المجلس الانتقالي الجنوبي، أعربوا فقط عن قلقهم بشأن الإمدادات المستقبلية من القمح الأوكراني.

يتبين من ذلك، أن ليس فقط حلفاء موسكو الإقليميون، ولكن أيضًا دول أخرى في المنطقة ترفض التضحية بعلاقاتها مع روسيا بسبب العملية الخاصة في أوكرانيا. وحتى تلك الدول التي تعتبر تقليديًا حلفاء للولايات المتحدة في الشرق الأوسط مستعدة لمراعاة مصالح روسيا ورفض الانضمام للعقوبات عليها. ومع ذلك، ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار أن لا أحد تقريبًا مستعد من أجل موسكو لقطع العلاقات مع كييف. أوكرانيا هي أحد المصدرين الرئيسيين للحبوب وزيت عباد الشمس، مما يعني أن الإمدادات الأوكرانية تؤثر على الأمن الغذائي في المنطقة.

وأخيراً، فإن رد الفعل الرسمي المعقد ولكن المقيد للدول العربية على العملية الخاصة للقوات المسلحة الروسية في أوكرانيا يرتبط إلى حد كبير بالحيز الزمني الذي يسمح لها بتأخير تبني قرارات سيكون لها عواقب في جميع الاحوال. لذا تأمل دول المنطقة، في حل سريع للصراع وبدء عملية التطبيع، أو على الأقل تجميد تصعيد العلاقات بين روسيا والغرب. يبدو هذا السيناريو مثالياً وبعيد الاحتمال في ظل تكهنات بأن التوتر الغربي الروسي قد يستمر لما بعد توقف العمليات العسكرية مادامت موسكو مصرة على الحصول على ضمانات أمنها. لهذا السبب قد يتعذر على الدول العربية الجلوس على كرسيين في ان واحد لفترة طويلة وسيتعين عليها قريبًا اتخاذ خيار صعب.