آفاق: الحوارات مع الكتاب

Saturday 10th of July 2010 04:30:00 PM ,
العدد :
الصفحة : ملحق اوراق ,

سعد محمد رحيمتمارس عنوانات كتب مثل ( في تجربة الكتابة، كبار الكتّاب كيف يكتبون، حوارات مع كتّاب عالميين) جاذبيتها على الكتّاب وعلى شريحة واسعة من القرّاء. فغالباً ما يجعلنا الفضول نتحرى عن خلفيات الكتّاب الاجتماعية والثقافية؛ من أين استقوا أفكارهم وصورهم وأحداث رواياتهم وقصصهم؟ وكيف أبدعوا نصوصهم؟ وما هي طقوس الكتابة عندهم؟ وكيف هي ردود أفعالهم على المقالات النقدية التي تتناول كتبهم؟.

تثيرنا معلومات من قبيل أن إرنست همنغواي كان يبري عدداً من أقلام الرصاص قبل أن يبدأ الكتابة واقفاً على جلد بقرة وحشية متهرئ. وأن الشاعر نزار قباني يكتب بالقلم الرصاص، كذلك، وهو مضطجع على بطنه، فوق سريره. وأن إيزابيل الليندي تشرع بكتابة رواية جديدة في يوم محدد من السنة إن تخطته، لأي سبب قاهر، لن تستطيع الدخول في جو الكتابة إلاّ في اليوم المحدد ذاته من السنة التالية.  وأن اندريه موروا ينجز كتابة أية رواية في أحد عشر يوماً إن تعدى هذه المدة يمزق ما كتب. وفي يوم إنجازه لروايته يكون طبيبه في انتظاره مع سيارة إسعاف لأن ضغط دمه سيكون مرتفعاً إلى درجة خطيرة. وأن نجيب محفوظ يقوم بتحضير ملف متكامل عن حياة كل شخصية رئيسة أو ثانوية، من شخصيات روايته المتخيلة.     تغدو الحوارات مناسبات يفصح خلالها الكتّاب عن خفايا تجاربهم الكتابية. ومع أسئلة ذكية يمكن استدراج الكاتب إلى قول ما يضيء جوانب من مضمون نصّه، أو طريقة بنائه. وربما أيضاً مرجعياته التي تقف وراء كتابته له.      ( رائحة الجوافة ) واحد من الكتب المثيرة بهذا الشأن يحكي فيه غابريل غارسيا ماركيز للصحافي بيلينيو مندوزا عن أشياء كثيرة تخص تجاربه في عالم كتابة الروايات. وهنا يتحدث بطلاقة وصراحة وثقة عالية بالنفس، معترفاً بأن هذا الذي نعدّه معطيات خيال خلاّق في رواياته وقصصه لا يعدو كونه تفاصيل مألوفة في حياة الناس ومعتقداتهم في بلده كولومبيا. وأنه لم يفعل سوى مط الحكايات إلى نهاياتها التي تقترحها المخيلة وتقتضيها شروط وقواعد بناء النص الروائي.   في هذا الكتاب يخبرنا ماركيز أن ماكوندو؛ المكان الذي تدور فيه أحداث أهم رواياته ليس مكاناً محضاً بل حالة ذهنية. وأن تأثير وليم فوكنر عليه كان يشل حركته. ويعلن أنه يؤمن بالخرافات، وأن ثمة أشياء يتطير منها وأخرى يتفاءل بها. وأنه بحاجة إلى زهور صفر في منزله ونساء تحيط به ليشعر بالأمان. وأنه لابد أن تكون هناك وردة على مكتبه ليستمر في الكتابة، وأنه يعتمد الحدس في اتخاذ قراراته كلها. وأنه إذا ما أخطأ في كلمة واحدة حين يكتب، يضطر للبدء بصفحة جديدة، لأنه يعد ذلك خطأ في الشكل.   آخر كتاب يتضمن حوارات مع كتّاب عالميين حظيت بقراءته كان ( متعة المتخيل ) ترجمة وتقديم؛ الدكتور نايف الياسين. يتضمن حوارات مع اثني عشر كاتباً وكاتبة؛ ( همنغواي، فوكنر، شتاينبك، نابوكوف، توني موريسون، مايا آنجيلو، ماركيز، اكتافيو باز، يوسا، غرييه، غونتر غراس، كونديرا ). هؤلاء جميعاً قرأت أعمالاً روائية وقصصية لهم باستثناء مايا آنجيلو. وهي كاتبة أمريكية سوداء تصف نفسها بأنها؛ \"خاسرة بالولادة، طفلة لعائلة مفككة، اُغتصبت في الثامنة، أصبحت أماً غير متزوجة في السادسة عشرة\". وعاشت لخمس سنوات عقب اغتصابها خرساء متطوعة؛ أي أنها تستطيع الكلام ولا تتكلم.. تكتب في الغالب سيرة حياتها، وترغب دوماً بإجلاء الحقيقة الساطعة. وفي أثناء الكتابة تكون بصحبة زجاجة شيري وقاموس وأوراق صفر ومنفضة سجائر وإنجيل.. تفتنها اللغة الإنجليزية.. وأفضل شيء في الكتابة، حسب رأيها، هو أن تمنحها اللغة نفسها؛ أن تأتيها مستسلمة وتقول؛ أنا ملكك يا عزيزتي   آنجيلو ليست روائية وحسب، بل أيضاً شاعرة ومؤلفة موسيقية ومطربة وكاتبة أغان، وكاتبة مسرحية، ومخرجة سينمائية. صارعت ظروفاً قاسية في بيئة عدائية حتى تثبت جدارتها وتحصل على القبول.   ما نقرأه في نص الحوار معها يجعلنا نتمنى قراءة أعمالها. وهي بكفاحها من أجل الإبداع تعطي الكتّاب والفنانين درساً ليؤمنوا بأنفسهم وإبداعهم.. وربما يكون هذا هو جوهر وظيفة الكتب التي على شاكلة ( متعة المتخيل ).