دائرة الطباشير القوقازية... إسقاطات بريخت الى المجتمع الجديد

Friday 16th of July 2010 04:51:00 PM ,
العدد :
الصفحة : ملحق منارات ,

محمد عبد الزهرة الزبيدي لو رجعنا إلي تاريخ الأدب والمسرح كله لوجدنا أنه كان وعاءاً للأفكار. بل إن إيصال الأفكار إلى الآخر عن طريق الإقناع هي لحظة التجلي في خروج الإنسان من ذاته الفردية الي ذوات الآخرين. بل يمكن القول أيضاً إن إيصال الأفكار الي الأخر مرتبط بالشوط الزمني لتطور الوعي الإنساني

 وهو الذي خلق الفلسفة والعلوم والفنون. بأعتبار أن الأفكار محركة لكل وسائل التعبير ، والدراما منذ نشأتها كأحد تلك الوسائل قامت علي صراع الأفكار أو المواقف بين جماعات متصادمة الأولى تحاول المحافظة علي ما هو قائم والأخرى تدعو الى الهدم والبناء وهي من الصفات المميزة للطبيعة البشرية عن الكائنات الحية الأخرى بالتجدد وتغير في أعادة التوازن ما بين الإنسان والمجتمع. ومثال على ذلك ظهور النزاع الطبقي في المجتمعات بسب توزيع المصادر الاقتصادية بشكل غير عادل الذي انقسم المجتمع على أثره الى عدة طبقات تتصارع فيها طبقتان رئيسيتان هما الطبقة المستغلة أي الطبقة المالكة للسلطة والثروة والطبقة المستغلة أي الطبقة المحكومة فاقدة السلطة والثروة ،ولكلا الطبقتين المتصارعتين أهداف وغايات شكلت وعاءً لأفكارها ، ومابين هذا وذاك تحول فن المسرح الى محللٍ اجتماعيٍّ وناقدٍ سياسيٍّ استولد موضوعات (الفقر - الظلم الاجتماعي - القهر السياسي ) الى جوار ذلك تجددت الدعوات الاشتراكية في مختلف تلاوينها داعية الى التغيير التي أنعكس تأثيرها على المسرح باعتباره رسالة الى المتلقي و المجتمع ككل. فهو يخاطبهم مباشرة. فيكون من وراء ذلك أنه يشكل لهم رأياً جماعياً يتحول الى نوع من التحريض على اتخاذ المواقف. وهنا أقصد بكلمة (التحريض) الذي شاع لنوعٍ من المسرح منذ أواسط القرن العشرين حين انتشرت طروحات ( برتولد بريخت ) في أن يكون المسرح محرضاً للناس على التغيير وهنا ((التغير)) في طبيعة إنسان أم في تبني الايديولجية لدي (بريخت) وهنا وأي الأسباب التي دعت (بريخت) الى تبني تلك الخلفية الماركسية التي أمن بها من خلال هدم الفكر السائد والدعوة الى فكر جديد و كأحد نتاجات الفكر الاشتراكي الذي أسفر عن ما يعرف (بالمسرح السياسي) في تجلياته العديدة ( إصلاحي ، ثوري ، فكري ) باعتبار الأيدلوجيات وعاء فكريا واجتماعيا الذي يبلور أطر الصراع في الحياة و الدراما، فقد ظهر (بريخت) أبرز منظر للمسرح السياسي بعد( أرفن يسكاتور) ،بل أبرز منظر للدراما في القرن العشرين ، ولم تتبلور أفكار( بريخت) ألا في ظل تبيني أيديولوجي أخذ يناقشه في مسرحياته ،كما جاء في مسرحية ((دائرة الطباشير القوقازية)) التي كتبها (بريخت) بعد أن ترك ألمانيا ( 1933) مهاجراً لعدة سنوات لاجئ الى (سويسرا) و(فرنسا) و(الدانمرك) و (فنلندا) و(روسيا) قبل أن يستقر في (الولايات المتحدة الامريكية ) التي كتب فيها العديد من المسرحيات (الحياة الخاصة للعرق المتسيد)و( ألام كوراج وأطفالها) و(حياة غالىليو) و(المرأة الطيبة من ستوزان )و (السيد بونتيلا وخادمة ماتي) و(الصعود المقاوم لارتو أوي) ، لكن من بين هذه النصوص ظهرت مسرحية ((دائرة الطباشير القوقازية)) وهي تطرح مضمون يحمل الجوانب الأيديولوجية لمسرح (بريخت) في أنضج مراحله الفنية من خلال مقدمة استهلالىة كجزء لا يتجزأ من فصولها الخمسة على خلفية عنوان لكل فصل منها الأول الطفل النبيل والثاني الفرار الى الجبال الشمال والثالث في جبال الشمال ورابع حكاية القاضي والأخير دائرة الطباشير وهذه التقسيمات تخدم الهدف الأساسي الذي يسعى المغني أو الراوي لتوصيله في مسألة أساسية تتعلق بالأحقية في الملكية التي طرحها (بريخت) على مستويين في مضمون النص الأول : في امتلاك الأرض على وفق المبدأ القائل ( الأرض لمن يزرعها ) والثاني: الأمومة لمن يرعاها ويؤدي واجبها من غير رابطة الدم التي وظفها (بريخت) من خلال حكاية صينية قديمة تشبه أحد أحكام الإمام على أبن أبي طالب في القضاء ، وسبب في ذلك أن العالم العربي الإسلامي عرف العدالة والمساواة قبل غيره من الأمم بقرون ، في وقت ولم يكن للماركسية أو غيرها من أثر في الفلسفة الإنسانية الى جوار التشابه مع حكاية عربية اخرى (حكم سليمان) التي تروي أن الملك (سليمان ) يقترح شطر طفل الى شطرين على أثر أدعاء كل من امرأتين متنازعتين بأنه أبنها، فأبت ألام الحقيقية أن يشطر الطفل وآثرت التنازل عنه ، وتبين (لسيلمان) أنها ألام الحقيقية وحكم لها بحضانته ،أما الحكاية الصينية فقد أقترح القاضي رسم دائرة طباشير يوضع الطفل فيها ، وطلب من السيدتين أن تسحب الطفل أليها ، فمن استطاعت أن تخرجه من دائرة الطباشير تكون ألام الحقيقية له ، لكن توظيف بريخت لهذه الحكاية الصينية جاء بشكل مغاير ، لأنه لم يحكم للام الحقيقية ، بل حكم القاضي ( أزداك ) للخادمة ( جروشا ) التي تبنت الطفل وعنيت بتربيته ، لأنها هي التي اهتمت به ورعته بينما هربت أمه وتركت طفلها حين اندلعت الثورة وقتل زوجها الحاكم في أحد مدن القوقاز. وهنا الحكم الذي أصدره (أزداك) ليس مجرد أثارة نقدية للمتلقي بقدر ما هي طرح سؤال على الرأي العام لتحريك الجماعات الضاغطة في المجتمع لتغير القوانين والأعراف ، ونصرة المظلوم بأحقية الملكية بين المالك والمملوك ، وهي وهم بريخ