باختصار ديمقراطي: مَنْ سرق جواد الفارس؟

Wednesday 28th of September 2022 12:11:40 AM ,
العدد : 5273
الصفحة : الأعمدة , رعد العراقي

 رعد العراقي

لم يتصوّر أحّد من روّاد ومحبّي الكرة العراقية أن تسقط يوماً في غياهب الاخفاق والتراجع غير المنطقي من دون أن تمتلك القدرة على النهوض من جديد طبقاً لمقولة (كبوة فارس أصيل) عطفاً على مُعطيات عديدة تمتلكها ويتحسّر عليها الآخرون من كنوز المواهب، وقُدرة اقتصاديّة متينة ودعم جماهيري غير محدود وعشق وطني لا مثيل له.

الحقيقة أن سقطة الفارس لم تكن كبوة وإنما سُرق منه جواده وتُرك وحيداً يُصارع الزمن للّحاق بركب فرسان دول تمسّكت بطريق التطوّر وحقّقت قفزات كبيرة في عالم الكرة المستديرة بدءاً من الفئات العمرية وانتهاءً بالمنتخبات الوطنية حتى وصل الحال بنا إلى أننا لا نقوى على مجاراة منتخبات كانت بالأمس لا تمثّل عقبة تُذكر في أي مواجهة معها.

كيف وصلت الأمور لهذا المُنعطف؟ ومن هو المسؤول عنها؟ وهل من حلولٍ لها؟ أسئِلة ترواد أذهان كل المعنيّين ممّن ساءَهم الحال، واهتزّت لديهم الثقة في القدرة على الخروج من المأزق الذي وُضَعَنا بهِ كلّ من تصدّى لعمليّة إدارة الكرة العراقية سواء من كان في مناصب القيادة أم من خلال المفاصل الأخرى الداعمة.

الاتحاد والأندية والإعلام الرياضي ثلاثة أركان أساسيّة هي من تتحكّم بنسب النجاح لأي مشروع حقيقي تحضر به الرغبة والجدية للنهوض بالكرة العراقية بعيداً عن المصالح والمواقف الشخصية.

هنا فإن العلاقة الودّية والتعاون بين تلك الجهات تمثّل شرطاً أساسيّاً للمضي نحو نجاح المشروع، والحال بالتأكيد ينطبق على طبيعة الأجواء والنُظم السائدة فيما بين الأفراد العاملين داخل كلّ جهة من تلك الجهات.

لا أحّد ينكر أنّ اتحاد الكرة الحالي وكلّ من سبقه يعيش في أجواء صراع دائم يغيب فيه الانسجام والتوافق في الآراء ممّا يجعلهُ هدفاً للانتقاد وهشّاً أمام هجمات المُعارضين له من خارج الاتحاد، وبنفس الوقت تراه يفتقد لفلسفة التعامل والتعاطي مع الأندية والإعلام ..فلا قوانين حاكمة ولا رؤية واضحة، ولا ضوابط إدارية تنأى به عن أية مُعضلة وتمنحهُ مساحة من تطبيق خُططه من دون اعتراض بدلاً عن تفرّغه للدفاع والتبرير ومحاولة إرضاء الآخرين بتغيير قراراته وهذا ينسحب بالتأكيد على خطط العمل وخطوات التطوير سواء بتحديث أسلوب تشكيل منتخبات الفئات العمريّة والكوادر التدريبيّة المناسبة أو إقامة دوري المحترفين وغيرها.

أما الأندية، فإنّ حالها لا يختلف كثيراً وتتحمّل وزراً كبيراً بالتراجع والاخفاق حين تخلّت عن مبدأ انتاج المواهب وذهبت نحو التشبّث بذريعة الاتجاه نحو الاحتراف والتسابق في إبرام عقود اللاعبين المُحترفين بمبالغ لا تتناسب مع حقيقة مستوى اللاعبين في حين أنها لا تمتلك أدنى شروط التحوّل الى الاحتراف، فلا ملاعب صالحة، ولا نظام مالي مستقلّ يعتمد التمويل الذاتي، ولا خطط تطوير وانتاج المواهب، وهي كذلك تعيش دائماً في أجواء الخِلاف والتنافس فيما بينها، لكنّها تحاول أن تصدّر تلك المشاكل وضُعف أداءها من خلال الاعتراض الدائم على الاتحاد وكسب بعض الأصوات المؤيّدة لها من الجماهير والإعلام والصحافة.

وفي وسط تلك الفوضى، فإن الإعلام والصحافة الرياضيّة الدخيلة بات يشكّل محوراً في إدارة الصراعات يميل نحو جهة من دون أخرى بعد أن توفّرت المساحة الكبيرة له من قنوات فضائيّة ومواقع التواصل الاجتماعي في التأثير على الرأي وممارسة الضغوط لكسر القرارات واخضاع الجهات لرؤيته ومعها كسب الشهرة الزائفة التي تمكّنه من تحقيق المصالح الشخصيّة وهو ما أثار بين أبناء البيت الصحفي نفسه الخلافات والاتهامات وأنحرف الكثير عن المبادىء السامية من خلال تطويع مفردات التهجّم النابية في خطابه والتشهير وحتى التخوين بلا حسيب أو رقيب ولم تتحرّك الجهات الراعية من أجل لجم تلك التصرّفات وتهذيب الخطاب ووضع شروط مُلزمة للعمل في هذا المجال.

باختصار .. إذا كان هذا الحال الأركان الأساسية لإدارة الكرة العراقية وهي بالتأكيد من تتحمّل ما وصلنا اليه مجتمعة، فكيف نريد للكرة العراقية أن تعود الى أمجادها وتحقّق طفرات جديدة؟ نحن نحتاج الى مؤتمر مصالحة ومصارحة تجتمع فيه كل الاطراف لتوقيع وثيقة عهد وشرف لتصحيح العلاقة فيما بينهم، وأن تستحدث أسس وضوابط جديدة تحكم تلك العلاقة يجري من خلالها منح المساحة الزمنيّة للاتحاد للعمل من دون تدخل أو تقاطع لتنفيذ برنامجه وأن يلتزم الإعلام والصحافة الرياضيّة بالتهدِئة أو الصمت الإعلامي خلال تلك المدّة من أجل رفع الضغوط عنه، ولتكن الانتخابات القادمة هي من تحدّد فشله أو نجاحه!