علي رضا: المتلقي يلمس اتساع مساحة التجريب في أعمالي من صور الحرب إلى رسوم المدينة

Monday 21st of November 2022 11:22:56 PM ,
العدد : 5311
الصفحة : عام ,

يرى أن هناك حواراً خفياً بين الحاضر والماضي يُكسب اللوحة مزيداً من الحيوية

حاوره علاء المفرجي

ولد «الفنان التشكيلي علي رضا سعيد» بمحافظة ديالى بمدينة بعقوبة بجمال الطبيعة من بساتين وانهار واشجار البرتقال والنخيل مما كان دافعا لتألق مواهبه بمختلف فروع الحركة التشكيلية من نحت و تصميم و خزف و خط عربي..

نال شهادة -دبلوم فني رسم - من معهد الفنون الجميلة بغداد عام 1977 ثم حصل على بكالوريوس رسم - من كلية الفنون الجميلة بغداد عام 1984، وما جستير فنون تشكيلية - من جامعة تونس – المعهد العالي للفنون الجميلة بتونس 2004، والدكتوراه علوم وتقنيات الفنون - جامعة تونس – المعهد العالي للفنون الجميلة بتونس 2013. عمل في الصحافة ابتداء من عام 1975 ثم غادر العراق ليستقر في تونس، عمل هناك مدرسا لمادة الرسم في المعهد العالي للفنون الجميلة بتونس - جامعة تونس.

اقام العشرات من المعرض الشخصية والمشتركة، حيث أقام أربعة عشر معرضا شخصيا منذ عام 1988 الى 2022 في العراق - الأردن- ليبيا - تونس - الامارات العربية - السويد. مالمو، وشارك في عديد المهرجانات محلية وعربية ودولية : بينالي بغداد عام 2002، - البينالي المتوسطي – تونس 2002 ـ2010 قصر خير الدين، المشاركة في معارض اتحاد التشكيليين التونسيين السنوية منذ عام 1998، المشاركة في الملتقى العالمي للفنون التشكيلية تونس ـ مارس 2013، المشاركة في بينالي تونس الاول 2013، المعرض الشخصي العاشر قاعة منظمة الالكسو بتونس2016 المشاركة في ملتقى بيت الزبير الدولي الأول للفنون. مسقط 2017، المشاركة في ملتقى معا للفن المعاصر في دورته الرابعة بتونس الحمامات 2019، المشاركة في ملتقى شمس العرب في باريس 2019، المعرض الثاني عشر بغاليري ننار ـ مالمو ـ السويد 2019، المشاركة في ملتقى البرلس الدولي في دورته السادسة بمصر اكتوبر 2019 المشاركة في ايام قرطاج الدولي للفن المعاصر بتونس نوفمبر 2019، المعرض الثالث عشر. جاليري الاورفلي. عمان 2020، المشاركة في مهرجان الواسطي في دورته الرابعة عشر. بغداد 2022.

 عملت ردحا طويلا من الزمن في الصحافة؟ وصاحبت لوحاتك نصوص ومقالات ثقافية لكبار الكتاب.. هل أضاف العمل بالصحافة الكثير لك؟ وهل تحدثنا بالتفصيل عن هذه التجربة؟

- عملت في بداية مشواري الصحفي في مجلة الشباب عام 1975مخرجا صحفيا ومن ثم مجلة «ألف باء» و»جريدة الجمهورية» عام 1979و»جريدة القادسة» و «مجلة أسفار»لاحقا والعديد من المجلات الشهرية التي كانت تصدر انذاك وفضلا عن مزاولتي مهنة التدريس لمادة الرسم بمعهد الفنون الجميلة ببغدادعام 1987،كذلك عملت أستاذا لمادتي الإخراج الصحفي والتقنيات الطباعية في جامعة بغداد بكلية الآداب قسم الإعلام «.

هذا التنوع كما يرى الناقد التونسي الدكتور عبدالله الحزقي عن ذلك : ساهم بشكل كبير في دعم مسيرته الإبداعية و تطورها في مراحل متقدمة من تجربته وهو الذي ولّد في نضجا فكريا تزامن مع نضجه الإبداعي والممارساتي الذي أفرز من خلال تنوع تجاربه ومشاركاته العديدة بمختلف المعارض الفنية الفردية والجماعية منذ أواسط الثمانينات.

وحتى تلك الفترة، كانت بغداد والكثير من المحافظات تعج بصالات العرض التشكيلي والتي كان وجودها بهذا العدد الكبير بالكاد يكفي لعرض المنجزات الإبداعية لفناني العراق الذين أكدوا حضورهم في هذا الفن. كان اول معرض شخصي عام 1988 قاعة الرواق حمل عنوان نزهة الروح . إلّا أنّ السنوات الأخيرة وتحديدا منذ مطلع التسعينات، تصاعدت وتيرة الإضطرابات بالمنطقة حيث شهد العراق ظاهرة تتعلق بالإنحسار الواضح لتلك القاعات ممّا اضطر بالكثير من الفنانين إلى عرض نتاجاتهم الفنية والتشكيلية في عواصم الدول المجاورة والنائية عن العراق. وهي ظاهرة بلا شك، أحدثت إلى حدٍّ ما قطيعة بين المنجز الإبداعي و جمهوره الواسع. فهناك دوما حاجة إلى التواصل مع المنجز العالمي، لذلك كان لتلك الأزمات التي عصفت بالعراق دورها الكبير في انتشار ظهارة الإنحسار وهجرة الأدمغة والمبدعين والفنانين نتيجة للتدهور الإقتصادي وانتفاء عامل الإستقرار الذي كان سببا في تراجع الحاجة الى اقتناء الأعمال الفنية و عزوف الشارع عن ارتياد قاعات العرض و دور الفنون حيث باتت الحاجة الى الإستقرار والأمن والخبز هي أولوية الشارع العراقي بدلا عن الفن الذي استحال و كأنه جزء من الكماليات التي تحتاج إلى شيء من الرفاهية الحضارية لينهض ويستمر. لذلك فإن هجرة الفنان خارج بلده ورغبته الملحة في عرض منجزاته الفنية هي أساسًا بسبب الرغبة و الحاجة إلى استمرارية التواصل الفني كونه شريان الديمومة للكيان الفني الذي يشكل هوية الفنان من ناحية و لتحقيق النجاحات و الإيرادات المادية التي تساعده بدورها على الإستمرار والعيش و صناعة جسور التواصل مع الآخرين باعتباره حقا مشروعًا بعيدا عن مثاليات العمل الفني و طوباويته لأن هناك بالنهاية سوقًا واهتماما بالفن و الفنانين بالإضافة إلى التواصل مع النتاج الإبداعي والفني العالمي أو في نطاقه الموسّع وهذا ما دفع بالفنان علي رضا سعيد على اقامة معرضه الشخصي الثاني في الاردن قاعة عالية تحت عنوان (نتوءات الروح) عام 1992. وفي هذا الشأن يقول «كثيرة هي نتوءات الروح» التي تنبت على جدران القلب. فالحلم نتوء صغير يكبر كالبرعم الناتئ في الشجر، يبدأ صغيرا، يكبر، يُزهر ثم يثمر... وهكذا هو الحب و الفرح والحزن، وهكذا هي الولادة والحياة، كلها تبدأ بنتوء صغير تثمر أو تنتهي. كل هذه الصور الإنسانية نتوءات تشترك وتختلف في حالاتها تبعا لتوهج الروح أو قنوطها، وبين التوهج و القنوط تأتي هذه الأعمال التي أطلقت عليها «نتوءات الروح»... حين ننظر إلى علاقة المنجز الفني عضويا بالفنان ذاته فإننا سنتحدث عن هوية عراقية، وكأن الفنان يعبر عن ومضة من ومضات الذاكرة الوطنية الكامنة في نتوءات الروح فيحمل ما علق بفؤاده من الصور المعبرة عن العواطف المكتنزة في مكامن ذاته والمعبر عنها في مسالك تشكيله الفني، فهو يحمل روح شعبه و وطنه وصور الذاكرة حيثما ذهب و أينما حل.

 نرى أنك غادرت الى تونس في وقت شهدت فعالياتها و استقرارها و انتعاشتها الكبير منذ مطلع التسعينات، ما تعليقك؟

- زرت تونس لأول مرة سنة 1993 و أقمت بها معرضا شخصيا في «قاعة ابن خلدون» في نفس السنة بعنوان «نتوءات الروح» وهي تجربة فنية أنجزتها في بغداد بتقنيات مادة الألمنيوم وكانت هذه التجربة تعبيرا فاضحا عن الحصار و انعكاس آثاره المدمرة التي طالت الإنسان و أعاقته اقتصاديا و اجتماعيا و نفسيا وثقافيا وفكريا...وبالرغم من صعوبات السفر و تكاليفه المادية في ذلك الوقت، إلا أن زيارتي لتونس كان لها أثرها الإيجابي حيث تربطني بتونس علاقات حميمة و وثيقة بمبدعيها ونخبها المثقفة على مستوى الرسم و الشعر والصحافة و الفضاء العام و المحيط البيئي والعمراني...فهناك أوجه تشابه بين «تونس» و»بغداد» من بينها «المدينة العتيقة» بأضوائها و أناسها وأزقتها وأسواقها...والحركة في هذا المشهد الذي حفزني أن أنطلق بتجربة فنية جديدة تتيح لي التعمق في البحث التقني لتأسيس عوالم خاصة..ومنذ فترة وأنا أبحث في هذا الموضوع بالإعتماد على مرجعيات كثيرة..وبعد تراكم معرفي مكنتني تجربتي من فهم عوالم العيش بينها و غير البعيدة عن مدينتي «بغداد». فهناك حوار خفي بين الحاضر والماضي يُكسب اللوحة مزيدا من الحيوية، كذلك جعلتني أشتغل على ثنائيات الأفقي و العمودي، الظل والضوء، الحركة والسكون، الإحتواء والظهور... هذا النظام الذي قامت على أسسه العمارة العربية ووصلت إلى اللوحة باعتبارها رموزا مكانية و زمانية..إنها ثنائية الذات و المحيط.» وفي هذا الخصوص يقول الناقد الراحل «عفيف بهنسي»: «إن فلسفة الجمال العربي هي فلسفة روحانية وليست رياضية، إنها تقوم على مقاييس مطلقة وليست نسبية. أمّا عن مسألة التعمق فقد ساعدتني «المادّوية» على دعم جمال اللوحة، إذ أن هذا التفاعل مع المادة يمنح حساسية للسطح التصويري كما أن علاقتها بالشكل واللون و الملمس علاقة فعالة لتحقق بناءًا كليا ومتينا للعمل الفني. وأرى أن استخدام الخامات يؤدي إلى الإكتشاف المتواصل والصلة المتجددة بالواقع.

عن ذلك هذا السؤال يقول الدكتور عبدالله الحزقي وهو أحد تلامذة د. علي رضا في تونس : منذ سنة 1993، بدأت أعماله تكتسي مناخ تونس و ألوانها وطابعها الممزوج في تشكيلاته بهويته العراقية والهوية الفنية التونسية طيلة ما يناهز العقدين من الزمن حيث يقول الفنان في هذا الصدد: «...كما أن تواجدي في محيط الفن التشكيلي التونسي، جعلني أُعَمِّق دراساتي العُليا و أنال شهادة الماجستير عام 2004ـ2005..وقد أنجزت بحث الدكتوراه إضافة إلى المشاركة في المهرجانات التي تقام على أرض تونس منها «البينالي المتوسطي» و»مهرجان المحرس الدولي» و»مهرجان الشابة» وغيرها من المعارض المشتركة..» ولأن العملية الإبداعية عادةً ما تُعنى بالمواضيع المُدرجة فيها، وعادةً ما يتم تناول موضوعاتها على أساس الطرح النقدي والتقييمي والإشكالي، سواء شمل ذلك الصعيد الجمالي والفكري والثقافي بل وحتي الفلسفي منها، و نظرا لاحتواء معظم الطروحات النقدية في الفن على مختلف هذه التأثيرات المباشراتية للعمل الإبداعي من خلال كيفية عرضه أو تجليه من حيث العناصر والتركيبة والقيمة...وأخذا بعين الإعتبار اعتماد معظم الفنانين على مناهج إبداعية مضبوطة بداخل نسق معين ومحدد ينتهجونه وبالكاد يحيدون عنه قيد أنملة إلّا بما شذّ من التغييرات واللمسات التي تكبر معهم بتقدّم تجاربهم حتى صرنا نتحدث وفقا لذلك عن لمسة خاصة بفنان أو بصمة خاصة بمبدع أو بحركة إبداعية فنية ما..فإنه ليس من الإنصاف أحيانًا إخضاع العمل الإبداعي للمساءلة النظرية والمفهومية التي تعالج نصّه أو لونه أو شكله أو تجليه النهائي دون العودة إلى إنشائيّته و كواليس مخاضه و ولادته وآليّات إنجازه وبنائه وطُرق إبداعه، وهنا نتحدث بالأساس عن الجوانب التقنية، المادّية والمادّوية للعمل الإبداعي..وهنا أيضا نتحدث عن توالد التجربة إلى تجارب تجعل من نتاجات المبدع فسيفساء تعتقه من مساءلات الهوية الفنية أو إشكالية الإنتماء أو التوجه الفني ممّا يجعلنا بالكاد نجزم بشكل حتمي أحادية التوجه أو التوجهات التي ينتمي إليها ويستقي منها أو ضبط نسق محدود للتجربة.

 اغلب لوحاتك تظهر للعيان انها تتراوح بين ثنائية اللون الفاتح واللون الغامق بين الأبيض والأسود، وخاصة في معرضك الأخير في مالمو.. أخبرنا عن دلالة ذلك؟

- عن ذلك أجاب الحزقي: يمكن القول أنّ هذه المرحلة تعد امتدادا للتجارب السابقة للفنان «علي رضا سعيد» إذ أنّ تركيزه على الأبيض والأسود كقيمتين ضوئيتين بدا طاغيًا على أعماله ضمن هذه التجربة والمرحلة من التشكيل في إطار سعي منه لإبراز القيم الجمالية الإستيطيقية للقيمتين الضوئيتين مجتهدا من خلالهما في بناء توافق يصوغ بمقتضاه نصوصا تشكيلية مختلفة تتماهى مع تحولات الواقع الباهت الذي يعيشه الوطن دون أن ننسى زخم الصور المتراكمة له في ذاكرته عن بغداد وعن عراق في مهب الغياب بما تحمله في داخله من متناقضات جمة وضياع...لذلك فإنّ الأبيض والأسود يلامسان بعمق ما يختلج المبدع من أحاسيس وجراحات الواقع الخاص به والكامن فيه، فكان فيهما الملاذ الأمثل للتعبير عن مثل هذه المعايير السيكولوجية و أحيانًا أخرى يستقي من القيم الضوئية الكامنة في «الأبيض» و»الأسود» معاييرهما الجمالية والإستيطيقية نائيا بها عن الدّلالات السيكولوجية. فقد اختار الفنان هاتين القيمتين لقدرتهما على إفراز ما في دواخله وعن مجاراة رؤاه الأكثر عمقا علاوة عن إبراز قدرته على البناء والتأليف والتكوين من منطلقات محدودة وخيارات ضيقة في إطار انتهاجه لطريق البحث المستمر. فمختلف أعماله في هذه المرحلة التي وردت في سياق تجربة القيمتين الضوئيتين تجعلنا نتمعن مليا في الأبيض ونستقبل الكتل السوداء بقوة فنوغل بين درجاتهما وبداخل الظلال والعلاقات والتشابكات وما تفرزه من قيم جمالية تخلقه عملية التجاور فيما بينهما وفي تواشجهما حينا آخر.. فالأبيض والأسود يظلان دوما قيما مشبعة بالمضامين والدلالات الرمزية إذ يمكن معالجتهما ضمن قيم تشكيلية وقيم دلالية.

 ما انطباع النقاد والتشكيلين عن معرض مالمو الذي يعد نقطة تحول في مسيرتك في التشكيل؟

- بلاشك المعرض لاقى استحسان من قبل الفنانين العراقيين هناك، الدكتور «رعد اليوسف» الذي كتب عن تلك المجموعة «أبيض وأسود» التي أثث بها الفنان معرضه الشخصي في مقال معنون بشذرات اشراقية رائعة : «غاليري (ننار) بمالمو السويدية يبتهج بمعرض الفنان التشكيلي العراقي «علي رضا سعيد»..ربع قرن، ربما أقل أو أكثر، مضى على آخر لقاء كان بيننا، حيث فرقنا الزمن، بعد أن عملنا في أكثر من صحيفة أيام شباب كان لا يعرف الإسترخاء أو الوهن.. أما الفنان كريم سعدون فقد كتب: «المعرض يمثل خلاصة لتجربة الفنان علي رضا.. حيث وجد نفسه في اللوحة في مدنها وحركة ناسها والجسد.. المعرض عطاء فني متميز، وكل لوحة فيه تجسد هذا المعنى.»، وكانت للفنان حسن السوداني كلمة قال فيها: « علي رضا اسم كبير في عالم الفن التشكيلي العراقي.. دعوناه فلبّى وحضر للمرة الأولى هنا في السويد.. وهذا يعد انتصارا للفن ولأبنائنا وللعرب.. علي رضا المقيم منذ ربع قرن في تونس لم نلتقه في العراق أو تونس إلتقيناه هنا في السويد.. وفِي ذلك معان كثيرة».

 قلت مرة «الرمز في لوحتي لا يبلغ مرحلة التجريد، وإنما يبقى رمزاً تعبيرياً شديد الالتصاق بحالات الإنسان، أو بالجسد البشري ذاته، في محاولة لجعل الإنسان القيمة المباشرة للفن». للجسد لديك قيمة عليا، ولكن الجسد في لوحاتك مبهم وغائمُ الملامحِ ولا يمكن ان تشخص تفاصيله.. وهو ما يشير الى عكس التوقع.. ما السبب؟

- الجسد ودلالاته الرمزية جعلاني أكثر اقترابا من الإنسان في معاناته، وهذا الإقتراب منحني قدرة على تأمل المحنة بأجلى صورها محاولا أن أجسّد المضامين النفسية للإنسان، وأن أكتشف العمق الآخر فيه منظورًا له من الداخل، أي من الذات التي تصور مختلف مظاهر العزلة والإنطواء والوحشة، وتفصح عن الأعماق الداخلية وتعبر عنها بالرمز الفنيّ. وإنّك تلمس هذا من اتساع مساحة التجريب في أعمالي، شكلاً ومضموناً، فمن صور الحرب إلى الرسوم المكرَّسة للمدينة العتيقة، فضلا عن تجارب متنوعة تخرج عن نسقها التقليدي وتتداخل مع الخامات، إني أقف متحصناً بتجارب تقنية تعكس محنة أبناء جيلي ونكساته، تجعلني ملتزماً بمعاينة ما يجري من حولي، ومرتبطا بذاكرة ذاتية مليئة بالصور والمخزون اليومي. إن البعد الرمزي في لوحتي لا يمكن فصله عن رؤيتي الفنية، فالرمز في لوحتي لا يبلغ مرحلة التجريد، وإنما هو يبقى رمزاً تعبيرياً شديد الإلتصاق بحالات الإنسان، أو بالجسد البشري ذاته، في محاولة لجعل الإنسان القيمة المباشرة للفن.” لأجل هذا يمكن أن نستقي جملة من الدلالات الرمزية المكتنزة داخل الجسد في تشكيليات الفنان “علي رضا” يمكن أن نقسّمها كالتالي :”الجسد الضحية”، “الجسد المقاوم” و”الجسد الجميل”..ففي كلّ حالة من الحالات الرمزية والإمكانات التعبيرية للجسد، تشي بوضعية تشكُّل مكتنزة بسيكولوجية مختلفة كل واحدة منها عن الأخرى..

يستدرك الناقد والتشكيلي الدكتور عبدالله الحزقي: “الجسد الضحية” لم يكن حكرًا على وضعيات الحرب وحالاتها ومخلّفاتها على الكائن البشري وسيكولوجيته، فقد تناول الفنان “علي رضا” مختلف القضايا الناتجة عن شعور الإنسان بالحصار وقلة ذات اليد وانعدام الحيلة وتضاؤل فرص الحياة والنجاة والكرامة، فتناول قضية الهجرة ومخلفاتها الدراماتيكية وطرح تشكيليا جوانبها الأكثر ظلمة و تراجيدية باعتبارها الظاهرة الأكثر شيوعا وإيلامًا بعد الحرب ولكونها ذات علاقة عضوية إمّا بمآسي الحرب وتأثيراتها أو بالمشاكل الإقتصادية والسياسية والإجتماعية العامة التي تعانيها الدول والشعوب المعاصرة سيَّما شعوب القارة السمراء والمشرق العربي على وجه الذكر لا الحصر، لأن الهجرة تعتبر القضية الشائكة والأكثر تعقيدا في العالم ككل من ذلك هجرة شعوب دول أمريكا اللاتينية إلى الولايات المتحدة أو الشعوب المغاربية والأفارقة إلى الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط حيث القارة الأوروبية أو هجرة البورميين إلى بنغلاديش أو السوريين إلى بحار اليونان نحو الضفاف الأوروبية هربا من ويلات الحرب..فإن اختلفت أسباب الهجرة ومحفزاتها فإنّ المأساة واحدة في النهاية..