إيران وتركيا والعراق وأمريكا؟!

Sunday 22nd of January 2023 09:16:37 PM ,
العدد : 5353
الصفحة : آراء وأفكار ,

محمد حميد رشيد

أصبح الحراك السياسي العالمي بشكل عام على المكشوف إلى حد كبير جداً واصبح رؤية الأحداث أوضح بكثيرعما كان عليه الحراك السياسي سابقاً بفعل عوامل عديدة مختلفة منها أدوات العولمة و وسائل الإتصالات والإعلام إضافة إلى طبيعة العوامل السياسية والتحشيد الدولي والديمقراطية والرقابة الجماهيرية ؛ كل هذه العوامل وعوامل أخرى ساهمت في إللقاء الضوءعلى الصراعات السياسية وأصبح المكشوف منها لا يقل عن الغاطس.

وما الحرب الروسية الأوكرانية وتوابعها وأمتداداتها في أوربا والشرق الأوسط إلا صورة ومثالاً يمكن قرائتها والإستنتاج منها وتحديد تأثيراتها على مستقبل الصراعات السياسية في المنطقة (وما الصراع العسكري إلا إنعكاساً للصراعات السياسية) ولا يقتصر هذا الصراع على الطرفين المتحاربين فامريكيا وأطراف متعددة من أوربا والصين وكوريا وإيران كلهم مشاركين فعليين في هذا الصراع العسكري المحتدم هناك ولكل منهم دوره المباشر أو غير المباشرفي المعركة التي لا تعتمد على الإمكانيات الروسية والأوكرانية ومقدرتهما على خوض هذا الصراع فقط ولن تستطيع روسيا وحلفائها تحجيمه بالشكل الذي يبقي صراع الاستنزاف العسكري لصالحها وكذلك مقدرتها على الصمود أمام الحرب الإقتصادية المشنة عليها.

لذا فإن الصراع المحتدم في أوكرانيا بين واشنطن وموسكو وحلفائهم بالمرتبة الأولى قبل أن يكون بين موسكو وكييف. وتشارك إطراف ودول عديدة في هذا الصراع بمستوياته المختلفة وسيقلب ويغير كثيراً من الأوضاع السياسية والأنظمة الحالية كي تتكيف معه وتساهم في دور ما في هذا الصراع خصوصاً في منطقتنا الرخوة أمام النفوذ الأمريكي فيها. وسنحاول رصد تلك التأثيرات عليها وعلى وجه الخصوص الدول المحيط العراقي (تركيا وإيران وسوريا).

ولنبدأ من تركيا فإن صمود موسكو وبقاء الحرب محتدمة يصب في مصلحة الاتراك ويفرض لتركيا دوراً محوريا مميزاً بين كل اطراف الصراع وليس فقط اوكرونيا وروسيا وسيستمر دورها هذا خصوصاً إذا صمدت تركيا في صراع (التضخم الاقتصادي) الذي يوجع الأتراك وطالما نجح النظام التركي الحالي بإدارة أزمته السياسية لإقتصادية وفازحزب العدالة والتنمية بالإنتخابات القادمة في 14/5/2023، أما إذا خسر الحزب ولم يفز اوردغان في الإنتخابات وفازت المعارضة وجاءت حكومة موالية للغرب بشكل كامل فإن الدور التركي سيتناغم بشكل أكبرمع الدور الاوربي الامريكي حينها تخوض تركيا الصراع كجزء من المحور الغربي وليس محايداً كما هو الحال اليوم عندها يمكن لتركيا أن تساهم في عزل موسكو او تضغط عليها بشكل اكبر وبدعم غربي اكبر وستساهم أيضاً في عزل إيران وتقترب أكثرمن أوكرانيا ولعل مؤشرات هذه المعركة السياسية الإقتصادية جارية منذ زمن في تركيا فمؤشرات زيادة التضخم في تركيا هي أعلى بكثير من كل الدول المحيطة بها (بل لعلها الأعلى في العالم فقد تجاوزت 90‌%) رغم النمو الإقتصادي الجيد وهذا يؤشر وجود مؤثرات إقتصادية خارجية غير طبيعية بدأت تظهر بوادرها في عزل النظام عن الشعب ومن هنا سيبدء التأثير على نتائج الإنتخابات القادمة ؛ لذا فأن بوتين غير مستعد للتخلي عن تركيا واوردغان تحديداً وعلى تركيا أن تواجه هذا التحدي السياسي الإقتصادي بطرق إستثنائية سريعة.

أما إيران فامريكا تصر على تدجينها عبر الضغط الاقتصادي المباشر والضغط عليها من خلال العراق من خلال تدجين بعض الفصائل المسلحة العراقية الموالية لإيران لفرض حصار إقتصادي أعمق عليها وعبر لعبة المفاوضات والوعود المشروطة وقطع الطريق الى موسكو وغيرها من الدول التي يمكن أن تتحالف معها وعبر زعزعت الأوضاع الداخلية والتظاهرات المختلفة وعبر العصيان المدني.

ولعل اللعبة في سوريا يحكمها (البديل) ولو استطاعت المعارضة السورية إيجاد بديل سياسي موحد وقوي ومعتدل يحضى بثقة الغرب ويستحق الدعم المطلوب لسقط الأسد شرط أن تتولى هذه المعارضة قطع الذيل الايراني في سوريا وتصفية المتطرفين الإسلاميين او عزلهم على الأقل ومن دون ذلك فالنظام السوري باقي بقيادة بشار الأسد وبضمانات أمريكية وبدعم غربي له. لابد أن تكون هناك نهاية للصراع المسلح في سورية لعله خلال عام 2023 بمعرفة أمريكية مباشرة وبالإتفاق مع الأتراك.

وأما العراق فهو في طريقه نحو الغرب وأمريكيا عازمة على تصحيح (بعض) أخطائها السياسية في العراق وزيادة نفوذها السياسي والأمني هناك وإحتواء بعض الفصائل المسلحة القريبة من إيران أو تحجيمها وعبر الضغط الإقتصادي على العراق وتحديد ومسك منافذ الخروج من الأزمات المصطنعة والتي ستكون أمريكية بالضرورة وستعمل على تحجيم الدور الإيراني في العراق وبالمقابل ستعمل أمريكيا على دعم مراجع النجف والتيارات الدينية المناوئة لإيران ودعم التيارات السياسية الوطنية والعلمانية في المنطقة وهذا يعني أن العراق سيواجه أزمات إقتصادية وسياسية وأمنية متعددة خلال هذا العام ولكنها جميعها قابلة للإنفراج برعاية أمريكية ؛ وستعود التظاهرات والرفض الشعبي والإنتفاضة الشعبية الوطنية للظهور بشكل أوسع وأقوى وقد تقمع بشكل أكبر أيضاً.

وفي عموم منطقة الشرق الأوسط ومنطقة الخليج بصفة خاصة ستتنشط سياسة التطبيع السياسي الرسمي مع إسرائيل وسيكون لإسرائيل دوراً أكبر في تحجيم النشاط السياسي والعسكري الإيراني في المنطقة العربية وسيكون لورقة التطبيع أهمية أكبر وقد تعتبر مقياساً للولاء الأمريكي وثمناً للدعم الأمريكي وبغض النظر عن الرفض الشعبي لسياسة التطبيع هذه!.

نعم أن ميدان الصراع الاوسطي ((تركيا وإيران وسوريا والعراق)) ستزداد سخونة وستكون هناك تغيرات ومتغيرات دراماتيكية بعضها سترافقه مظاهر مسلحة وعنف!

ومع هذا سيكون للشعوب دوراً مؤثراً ومدعوماً ومنظماً بشكل أكبر من ما شهدته السنوات السابقة.

أما الحرب الروسية الأوكرانية فمن الصعب جداً إن تنتهي هذا العام ومن المؤكد أنها ستنتهي بمفاوضات وليس في ساحة المعركة وبعد أن تزتنزف روسيا كل طاقتها وتتعب أوكرانيا والأوكرانيين من الحرب ومن كلفها العالية ويتنازل الطرفين عن بعض طموحاتهم السياسية...

والله اعلم