مجلس المالكي العسكري

Saturday 1st of December 2012 08:00:00 PM ,
العدد : 2663
الصفحة : الأعمدة , علي حسين

تذكروا هذا التاريخ جيدا 1/12/2012 ففيه أطلقت البروفة الاولى لقيام دولة الرجل الأوحد،  قوات عسكرية تنتظر الاوامر للزحف المقدس، وقوى امنية تتأهب لاعتقال كل من يطالب بمحاسبة رئيس الوزراء ومساءلته، ومتظاهرون يهددون بتعليق من يعارض الحكومة على اقرب عمود للكهرباء، بروفة سبقتها محاولات عدة كان فيها السيد المالكي يصر على ان يخلع زيه المدني ليرتدي البدلة العسكرية ظنا منه ان العراقيين لا يمكن السيطرة عليهم الا باستدعاء نموذج "القائد الضرورة". 

وفي كل أزمة نجد رئيس الوزراء ومن معه يصرون على ابتداع  طرق  مضحكة لمحاصرة اي ظاهرة سياسية  تؤرقهم  او تزعجهم، وكأن المطالبة بكشف ملفات الفساد، ومحاسبة من تورطوا في ضياع ثروات البلد، قضية تمس الامن الوطني  يجب ان يوضع للمطالبين بها حد ولو "بحد السيف".

بالامس وفي خطاب حاد اصر المالكي على تذكير العراقيين جميعا، بان قوانين مجلس قيادة الثورة  المقبور لاتزال حاضرة ويمكن استخدامها ضد كل من تسول له نفسه الحديث عن الديمقراطية والشفافية وحق التعبير واحترام الاخر، لان كل هذه الكلمات والمصطلحات يجب ان لا يكون لها وجود في جمهورية الزعيم الأوحد.

في يوم واحد، وفي ساعة واحدة؟، هاجم المالكي جميع شركائه السياسيين، بدءا من الذين اعترضوا على ما يحصل من انتهاكات في السجون، ومرورا بمن يلوحون بفتح ملف  السلاح الروسي، وانتهاء بمن طالبوا ان تكون لعبة الشراكة  الوطنية ذات قواعد محترمة لدى الجميع.. التلويح بالعصا سلاح يستخدم الان من اجل  فرض سلطة الامر الواقع.. هذه السلطة التي تأتي على حساب حريات الناس وامنها واستقرارها، سلطة تجهز لنظام يريد التهام البلد كلها لصالح مجموعة من الافراد.. ولعل قراءة متأنية لخطاب الأمس  تؤكد بما لايقبل الشك أن المالكي  مصر على استخدام عصا الامن وليس لغة السياسة، وان العبارات  المتناثرة  عن الديمقراطية والشراكة الوطنية والقانون التي حاول ان ينثرها بين السطور،  هي مجرد كلمات لن تجد لها أرضا خصبة  في ظل نظام يصر الى العودة بنا إلى لغة العسكر.

للأسف يتوهم الكثير من سياسيينا بأنهم السبب الرئيسي في إنقاذ العراق من براثن الدكتاتورية واستبداد نظام صدام.. وعليه فان على الناس أن تقدم الشكر لهم ليل نهار على نعمة العهد السعيد الذي يعيشون فيه، وان يقبل كل مواطن يده يوميا ثلاث مرات داعيا للحكومة بطول العمر والبقاء لما توفره من امن وخدمات ورعاية صحية وتعليم نافس أرقى جامعات العالم، ومن لا يفعل ذلك فهو مخرب وعدو للمسيرة المظفرة ولا مكان له في جهورية  السيد المالكي.

ليست المشكلة في أن رئيس الوزراء لم يقدر على الوفاء بوعوده التي قطعها للعراقيين منذ عام 2006،   فقد مرت سنوات والناس لم تر ملامح دولة جديدة تكون الغلبة فيها لمؤسسات مستقرة ومستقلة،  ولا إشارات إلى أن دولة الفساد ستغيب الشمس عنها، فإنجازات المالكي في الست سنوات الماضية  لا تتعدى انتصاراته في الصراع على الهيئات المستقلة ومحاولة تحجيم دور القضاء والبرلمان، واطلاق يد الفاسدين والسراق الذين لم يحاسبهم أحد، ولم يحدث في الـست سنوات الماضية  سوى محاولات مستميتة لإزاحة كل الشركاء واعتبارهم خونة ومتآمرين على وحدة وسلامة الوطن.

هكذا نجد المالكي وبدلا من ان يروج لصورة رئيس الوزراء الذي يسعى الى الحفاظ على السلم الأهلي، نراه مشغولاً بترويج صورته كقائد عام للقوات المسلحة، وهي الصورة التي دفع ثمنها العراقيون عقودا من الظلم والجور والتعسف والتخلف.

كنت أتمنى أن يخرج السيد المالكي للناس ليجيب على تساؤلاتهم عما يجري من نهب منظم لاموال البلاد، وعن الرشوة التي تفشت والمحسوبية والانتهازية السياسية، وعن مؤسسات الدولة  التي تحولت إلى ملكيات خاصة يديرها البعض كما  يهوى ويشاء، كنت أتمنى ألا يصر المالكي على حماية الفاسدين والمفسدين، كنت أتمنى أن يدرك المالكي أن الناس بحاجة إلى التنمية والبناء والى مشاريع للإسكان والضمان الصحي والاجتماعي،  وليست بحاجة الى  مسؤول يعتقد ان  لولاه لما تساقط المطر ولا تنفس الشجر.. ولا تدفأت العصافير على حد قول  الراحل محمد الماغوط.

السيد المالكي الحل ليس بتهديد الجميع بمذكرات الإرهاب، الحل في دولة مؤسسات يحترم فيها كل فرد  وتقدس حريته،  الحل في دولة يشعر فيها المواطن انه ند  لرئيس الوزراء، وليس تابعا او ذليلا لمجلس عسكري.