عمود أحاديث شفوية عدد(2618)

Wednesday 10th of October 2012 07:47:00 PM ,
العدد : 2618
الصفحة : الأعمدة , احمد المهنا

بحثا عن تفسير لانعدام الضمير
بشار يدمر سوريا. صدام قام قبله بالمهمة وزيادة. القذافي لم يقصر. هذا الثلاثي يمثل الصورة المتطرفة للحاكم العربي. صوره الأخرى الأكثر اعتدالا تشترك مع الصورة المتطرفة في سمات معينة، منها ان سلطته مخدومة من الشعب لا خادمة له، الفساد في التصرف بالمال العام، والشكوك عامرة بينه وبين شعبه.
ثمة، بالإضافة الى هذه السمات الثلاث، قاسم مشترك أعظم بين الحكام العرب، هو شعورهم بأنهم فوق الجميع. و"فوق الجميع" هذه هي الخطر الأكبر في الحاكم والفرد العربي معا. فهي مظهر إلهي يعفي الذات من الشعور بالمسؤولية، أي امكانية أن تخطىء أو تصيب، وبالتالي تحاسب أو تكافأ. فالأخطاء والذنوب والعيوب موجودة دائماهناك، بعيدا عني كحاكم أو كمواطن، موجودة في شخصية أخرى، مؤسسة أخرى، دولة اجنبية، ولكن ليس فيَّ أنا.
غزو الكويت "فخ أميركي" لصدام. الفخ هو المجرم، وصدام بريء، ليس مسؤولا. انا رسبت في امتحانات البكالوريا. كان المنهج رديئا والمدرسون عديمي كفاءة وأسئلة الامتحان صعبة. الخطأ في هذه "المكونات الثلاثة" وليس فيَّ. خربت صداقة زيد وعمر. زيد يحمِّل عمرا المسؤولية وعمر يفعل المثل. زوجي هو سبب الطلاق ولست أنا. والزوج يقول انها هي السبب. قد لا أكون صدقت مرة واحدة في عمري، ولكني مستعد لاعلان كذب العالم كله الا شخصي. وقد أعي لوهلة هذه الحقيقة ولكنني سرعان ما أطمرها في "اللاوعي". وعي المصلحة يدفن وعي الحقيقة.
أميركا واسرائيل وراء كل عذاباتنا. نحن الضحية. هم وراء كل شي (وهذا يعني في الجوهر أننا لا شيء). لا يخالج الحاكم العربي أي شعور باقتراف ذنب أو ارتكاب خطأ حتى اذا دمَّر الدنيا. صدام مثل ممتاز. كان يملؤه الشعور بالبطولة وهو يتقدم الى المشنقة. ليست البراءة هي ما تحتاجه الأنا غير الواعية، فهي عندها تحصيل حاصل، انها تحتاج الى الاعتراف بفضلها وفضائلها والى كيل المديح لها من ضحاياها وقطيعها.
ان الذات التي تفكر في الآخر ولا تفكر في نفسها لا تستطيع تحصيل معرفة حقيقية. لن تعرف الواقع كما هو بتاتا. كما لن تعرف الله أبدا حتى وهي ترفع رايته. وبالتالي لا عاصم لها من داخل النفس او من خارجها. يكفيها من الواقع تأكيد مصالحها وأهوائها الأنانية البدائية البسيطة أو المركبة، الصغيرة بحجم غفير او الكبيرة بحجم أمير. ان وعي الذات أهم عناصر المعرفة، وغيابه يمنع الانسان عن رؤية الخير والشر كما هما حقيقة في ذاته. وانعدام هذه الرؤية يجعله شخصا لاأخلاقيا، لأن المعرفة أصل الأخلاق. "لا أخلاق حيث لا وعي" كما يقول يونغ. اذا لم يكن الوعي موجودا فكل شيء مباح. وعي الذات: اي مَنْ انا في الحقيقة والواقع، وليس كما أتخيل. دون هذا الوعي لا اكون عارفا ولا بشرا سويا ولو كنتُ آينشتين في الفيزياء. بل قد يكون خطري في هذه الحالة اكبر لأن في عقلي علما يمكن أن يكون مدمرا وفي روحي جهلا عادما للضمير.
ليس عبثا أن تؤرخ البداية الحاسمة للمعرفة بعبارة سقراط الشهيرة "اعرف نفسك". مع وجود هذه المعرفة هل كان يمكن لكل هذه الفظائع ان ترتكب؟ ولكن لماذا وصل الأندونيسي والياباني الى معرفة النفس وتعذر أو تأخر علينا نحن العرب تحصيلها؟ وما هي أسباب الممانعة الروحية بيننا وبينها؟
ان المعرفة تعلم الحياء. واذا لم يكن الحياء موجودا فكل شيء مباح.