زمـان الأجـاويـد

Wednesday 19th of December 2012 08:00:00 PM ,
العدد : 2681
الصفحة : الأعمدة , هاشم العقابي

كان "الأجاويد" شريحة اجتماعية لها سلطة تفوق سلطة الدولة أحيانا. فإن حدث نزاع بين عشيرتين قد يصل حد سفك الدماء بسبب طلب الثأر لقتيل، نجد أن الحكومة بكل ما لديها من قوة تعجز عن وضع نهاية للنزاع. لكن الأجاويد بفعل هيبتهم الاجتماعية قد ينهونه على خير.
هؤلاء لم تعنهم السلطة ولا يشترط في احدهم أن يكون غنيا بل يفرضون أنفسهم بأخلاقهم ونزاهتهم وتعففهم وكرمهم. وكلمة أجاويد هي جمع مجواد. جذرها من الجود أي الجيد الذي هو نقيض الرديء. إنهم خيار القوم الذين أينما حلوا حلّ الخير والوئام.
ما تذكرت أحدهم إلا وحضرت ببالي هيبته التي تساوي هيبة دولة عادلة. ولعل من حسن حظ العراق، يوم كان محظوظا، انه ما تكاد تخلو عشيرة أو قرية أو مدينة من جمع أو واحد منهم. كنا أطفالا ونحسب حسابهم. وجودهم يخجلنا إن قصرنا تجاه أمهاتنا أو حتى في واجباتنا المدرسية. كان رضاهم عنا يهمنا مثل رضا والدينا أو أكثر. نهابهم أكثر مما نخافهم. حتى وجوههم كانت جميلة تقطر خيرا وأمانا.
في مدينة الزبيدية، التي عشت بها أغلب أيام طفولتي، ما زلت أرى وجه سيد يحيى العوادي الذي ما تيتم طفل في المدينة إلا وكان هو أباه. ويا ويل طفل يشاكس أمه أو يعاندها أو يقصر تجاهها أو حتى يرفض أن يقص أظفاره. لا تحتاج غير أن تهدده بالشكوى عند سيد يحيى ليعود عاقلا مطيعا. لم يكن الرجل قاسيا بل قمة في الطيبة والرأفة والكرم.
أذكر أن أحد المعلمين ظلمني يوما إذ أعطاني درجة قليلة من دون امتحان وذلك عن طرق ما يسمى "التقدير". لم أشتك عند المدير، ولا عند أبي الذي كان معلما، بل ذهبت لسيد يحيى باكيا ظلم المعلم. تقبل شكواي بكل اهتمام ووعدني خيرا. في اليوم التالي شاهدته يدخل غرفة المدير ثم تبعه المعلم. وفي الفرصة الكبيرة جاء "الفراش" وطلب مني الحضور للإدارة. اعتذر لي المعلم وأعطاني ما أستحقه من تقدير. تدخل السيد جعلني أتقاسم مع  ابنه سعيد المرتبة الأولى على الصف (أول مكرر). أرسل السيد في طلبي وأعطاني هدية النجاح التي كانت نفس هدية ولده.
يذكر القارئ الحسيني السيد جاسم الكربلائي أن أحد شيوخ الدليم دعاه لإقامة مجلس عزاء حسيني في إحدى قرى الرمادي. يقول الكربلائي إنه بعد انتهاء المجلس دنا منه الشيخ وسأله: سيدنا هذا يزيد من طغى ونوه بقتل الإمام، ماكو أجاويد جانوا يرحون له ويوكفونه عد حدّه؟!