على الهواء مباشرة

Friday 12th of October 2012 05:08:00 PM ,
العدد : 2620
الصفحة : الأعمدة , أحمد عبد الحسين

وفاءُ روسيا لمن يشتري منها السلاح أو يوقّع معها اتفاقيات إستراتيجية، أمر مؤكد. انظروا لاستماتتها في الدفاع عن الأسد الهالك مع وقف التنفيذ، ولوقوفها مطولاً مع صدام حتى في أشدّ حالاته التي وصلها انحطاطاً، ولانحيازها إلى حكومة إيران في سعيها النووي، ومساعدتها سراً وجهراً في الوقوف على قدميها.
سيقال: إن الروس يستثمرون كلّ شيء، مهما بدا ضعيفاً، للوصول إلى توازن مفترض مع الغرب. وهذا صحيح طبعاً، لكنهم في استثمارهم أدواتهم يظهرون "وفاءً سياسياً" قلّ نظيره يكاد يبلغ حدّ الاستشهاد!
فالجميع يدرك أن أيام أسد سوريا معدودة، والروس يحاولون مع ذلك الخروج بحلّ أخفّ وطأة عليهم وعلى الأسد، مجازفين باستعداء شعب بأكمله ودول إقليمية ودول كبرى.
الرهان خاسر، وكلما كان أكثر خسراناً، اتضح مقدار "الوفاء" وظهرت النزعة "الاستشهادية" في الدفاع عن الأصدقاء. وكذا يمكن البناء على موقف روسيا تجاه إيران.
بالقياس مع أمريكا مثلاً، تربح روسيا "أخلاقياً" في نظر الحكومات التي جربت الاثنين معاً، فالأمريكان طالما خذلوا أصدقاءهم، من ديمقراطيين وديكتاتوريين وبين بين، طالما تركوا رعاياهم من الحكام وحيدين عزلاً أمام غضب شعوبهم أو قلبوا لهم ظهر المجنّ فسعوا إلى إسقاطهم حين لا يعودون يرون فيهم فائدة.
لكنّ وفاء الروس لا يجعل من الشعوب موضوعاً له، فهو وفاء موجّه للحكومات وحسب، وهذا إرث قديم ورثوه من الاتحاد السوفياتي رحمه الله الذي كان يتنكر حتى للشيوعيين حين لا يكونون ذوي سلطة. وإذا كانت روسيا وفية للحكام فأمريكا قليلة الوفاء لكلّ من الشعوب والحكام معاً. أداؤها في العراق منذ 1991: تخريب الدولة، دعوتها للانتفاض على صدام، سماحها بقمع الانتفاضة، إسقاط صدام، تأسيس دولة مسخ، ترك العراق نهباً لجاره القويّ وللساسة الإسلاميين الذين يعملون جاهدين لإرضاء هذا الجار، يشعرنا بأن الحلقة القادمة هي الانقلاب على هؤلاء الساسة مجدداً، وفي كلّ ذلك لا تبدو أمريكا ناظرة إلى الشعب أو الحاكمين، إنها تنظر في المرآة فحسب.
لو تطلعنا من نافذة "أخلاقية" فروسيا أكثر وفاء، أقلّ براغماتية، ربما لأنها أقلّ قدرة على المناورة من أمريكا، حاجتها إلى إيجاد توازن عالمي أكبر من رغبتها في تتبع مصلحة إستراتيجية، حالها حال إيران اليوم، مضطرة إلى المضيّ مع بشارها السوريّ إلى الأخير حتى لو كلفها ذلك اضطراباً في شوارع طهران بسبب وضع اقتصادي هشّ.
لو كان هناك حاكم ديكتاتوريّ في بقعة ما من العالم، فإن من مصلحته التحالف مع روسيا لا أمريكا، أو مع الاثنين إذا أمكن، لكنّ الروس أقرب إلى نجدة من يشتري منهم السلاح بالمليارات، وأحرص على حياة من يريد أن يجعلهم قطباً إلى جانب القطب الأكبر الأميركي هائل القوة قليل الوفاء.
حتى أصدقاء أمريكا التقليديون كدول الخليج مثلاً، لا يأمنون غوائل حليفهم، وقد عبروا عن عدم ثقتهم بها مرات عدة، حدّ أن وصفهم عبد الله ملك السعودية مرة بالكلب العقور، لكنّ من يتحالف مع روسيا مطمئنّ  من أنها ستكون معه في احتضاره ،تواسيه، وستغمض عينيه حين يموت بيد شعبه على الهواء مباشرة!