حصاد أعوام من عمر المؤسسة التشريعية..أين نحن من دولة المؤسسات؟

Sunday 30th of December 2012 08:00:00 PM ,
العدد : 2691
الصفحة : آراء وأفكار ,

لا نتوقع أن يكون السؤال المطروح غريباً على القارئ الكريم الذي اعتاد سماع هذا المصطلح من خلال وسائل الإعلام وأحاديث وتصريحات المثقفين من الأكاديميين والسياسيين .

وبمناسبة انتهاء العام 2012 الذي ينهي تسع سنوات  من عمر التغيير الذي حصل  بعد 2003 من حقنا أن نتساءل عن الخطوات التي اتخذتها المؤسسات المسؤولة دستورياً نحو إرسال وتثبيت دعائم دولة مدنية اتحادية ديمقراطية تكفل احترام حقوق المواطن السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية كما ألزمها بذلك دستور العراق لعام 2005؟ كيف يتسنى لدولة كفالة هذه الحقوق؟ وما هي الوسيلة الفعالة لضمان ذلك؟

إن الإجابة على هذه الأسئلة المترابطة تدعونا إلى تقييم حصاد السنوات التسع التي عاشها البلد، هذا الحصاد يؤشر  تطورات نحو الأفضل في بعض الجوانب ولكن يبقى مؤشر الجوانب السلبية في مسيرة عمل السلطتين التشريعية والتنفيذية واضحاً للعيان بسبب نهج المحاصصة الطائفية والإثنية الذي يوجه مسيرة عمل هذين المؤسستين بحجة الشراكة والتوازن اللذين أثبتت الأيام فشلهما وما حصل على صعيد الواقع من انتشار آفة الفساد وتعاقب الأزمات السياسية ،وآخرها قضية السيد وزير المالية ما هي إلا دليل آخر يضاف إلى سجل الفشل في معالجة الوضع في البلد.

إن وجود مجتمع مدني يقوم على دولة مؤسسات ومنظمات مجتمع مدني مستقلة عن الدولة وفاعلة قانوناً تؤدي الدور المقرر لها وتسهم في بناء الديمقراطية وتعزيز روح المواطنة من خلال توسيع إطار مشاركة المواطنين في تحمل المسؤولية في مختلف الجوانب ،سيقف حائلاً أمام ظاهرة التفرد والتسلط في أجهزة السلطة التنفيذية والابتعاد عن روح المركزية التي هي سمة يتصف فيها الفرد العراقي ،وهي بنفس الوقت ستؤدي إلى قوة الدولة وتفاعلها مع مواطنيها.

إن الانتقادات والطعون التي توجه بصورة مستمرة إلى رئيس مجلس الوزراء والى الحزب الذي يمثله من جانب الأحزاب والتكتلات المشاركة في السلطة التي تتخذ جانب المعارض أو من البعض من حلفائه تنصب على موضوع التفرد والهيمنة على أجهزة الدولة ،وبالأخص المؤسسات الأمنية  التي للأسف الشديد لم تراع في عملها احترام الإنسان وحقوقه.

إن علاج هذه الظاهرة المؤشرة يكمن في تعزيز دولة المؤسسات التي ستبعدنا عن كل الجوانب السلبية التي لو استمرت ستقود إلى نتائج خطيرة على مستقبل ومسيرة البلاد.

لقد رسم الدستور العراقي رغم المآخذ العديدة على بعض نصوصه والنقص في معالجته لأمور حيوية، هذا الدستور رسم أطراً هيكلية لمؤسسات ينبغي أن تأخذ سبيلها إلى الوجود في إطار قانوني سليم ،ولكن آفة المحاصصة التي تضيف من أفق أبطالها وقفت حائلاً أمام انبثاق عدد من هذه المؤسسات الدستورية وشلت عمل البعض الآخر منها.

التوافقية كما يفهمها أبطال المحاصصة والتوازن هي توافقية خارج إطار المؤسسات والدستور، الوطنية تتطلب من الجميع والأحزاب السياسية المتنفذة المشاركة في الحكم ،وأن تكييف اتفاقاتها السياسية مع الدستور وليس خارجه.

منذ أول انتخابات شهدها العراق بعد عام 2005 ولحد الآن انقضت دورة برلمانية أولى –أربع سنوات- وستنقضي الدورة الثانية في بداية العام 2014 ولم تقر المؤسسة التشريعية قوانين غاية في الأهمية نص عليها الدستور، لو استعرضنا حصاد مجلس النواب لعام 2012 فقط نجد انه أقر ما يقارب  الـ (130) تشريعاً أو أكثر بقليل ،أغلبها كانت قوانين تخص انضمام أو تصديق العراق على اتفاقيات دولية وإلغاء عدد من قرارات مجلس قيادة الثورة (المنحل) .وثلاثة قوانين تخص دواوين الأوقاف السنية والشيعية والديانات المسيحية والإيزيدية والصابئة المندائية. أما القوانين التي نص الدستور على ضرورة تشريعها والتي تعزز دولة المؤسسات فلم تر النور لحد هذا اليوم بسبب سياسة التوافق الفئوية بين الكتل السياسية التي ثبت فشلها.

من حقنا أن نتساءل أين قانون مجلس الاتحاد الذي نصت عليه المادة (65) من الدستور ، هذه المؤسسة التي يراد لها أن تكون برلماناً ثانياً إلى جانب مجلس النواب يشارك في مسؤولية التشريع؟

أين قانون الأحزاب السياسية (م/39) الذي نص عليه الدستور؟ هل من المقبول أن تعمل الأحزاب على الساحة السياسية وتشارك في الانتخابات وتقود السلطة دون وجود قانون ينظم عملها؟ كيف يمكن أن تشكل حكومة من كتل برلمانية تمثل أحزاباً سياسية بدون غطاء قانوني لهذه الأحزاب؟

مجلس الوزراء يمارس عمله في ظل دستور يحتم عليه أن يضع نظاماً داخلياً لتنظيم سير العمل فيه (م/85) الذي تتقاذفه المصالح الضيقة للأحزاب المتنفذة ورؤيتها النفعية لدور هذه المؤسسة الدستورية؟

أين قانون الهيئة العامة لمراقبة تخصيص الواردات الاتحادية (م/106) ،وأين أنيط بها التحقق من عدالة توزيع المنح والمساعدات والقروض الدولية على الأقاليم والمحافظات بموجب استحقاقاتها؟

هناك العديد من الوزارات الحيوية لم تصدر حتى  الآن قوانين تنظم أعمالها.

هذه بعض الأمثلة وغيرها الكثير الذي يتطلب اهتمام المؤسسات الاتحادية بتشريعها وتنفيذها.

إضافة إلى ما تقدم هناك قوانين شرعت ونشرت في الجريدة الرسمية ولم يتم العمل بها  حتى  الآن ،وأبرز مثال على ذلك قانون مجلس الخدمة العامة الاتحادي رقم (4) لسنة 2009، هذا القانون الذي ينظم الوظيفة العامة في الدولة ويتيح للمواطنين كافة فرص العمل في دوائر ومؤسسات الدولة، والسبب في عدم تشكيل الهيئة التي ستتولى إدارة مجلس الخدمة واضح لكل ذي بصر وبصيرة ،وهو يكمن في اقتسام المواقع على أساس المحاصصة وليس على أساس الكفاءة والمهنية.

من حق كل عراقي غيور على مصلحة بلده وأمنه أن يطالب السلطتين التشريعية والتنفيذية بأن تضع منهجاً تشريعياً يتضمن اعتماد سياسة الأولويات في سن القوانين التي تمس مصالح المواطنين وتعزز من دور المؤسسات في هيكلية الدولة وضمان استقلال القضاء ليكون رقيباً على عمل أجهزة السلطة وضامناً لحقوق الجميع.

*كلية القانون/ جامعة بغداد