هواء في شبك: (بلابوش ديمقراطية)

Wednesday 30th of September 2009 12:02:00 AM ,
العدد :
الصفحة : سياسية ,

عبد الله السكوتي في رباعية الكبير شمران الياسري وفي (بلابوش دنيا) تدأب أحدى شخصياتها (حسين) على أخذ الخيرة الأربعينية للتنبؤ بمستقبل الحرب التي يسميها (صخونة تطحن عظام الناس سكتاوي). أمسك مسبحته وشرع الآخرون بذكر أبيات (الأبوذية) يقول الواحد منهم اسم البيت وعند وقوع (الخرزة) الأخيرة يطلب من صاحب البيت أن يتلوه ، فكان أن وقعت (الخرزة) الأربعين على أحدهم فتلا هذا البيت :

(أمدهلي وأرد أضربك بيس وكراك وأعلمنّك اللبس البدن وكراك بعزم الله أوكّر فوك وكراك وأهلس ريش جنحانك بديّه) و(البيس) دوسة (الكرك) وهو أداة للحفر معروفة لدى العراقيين ، فيتساءل الآخرون : المن نويت؟ فيجيبهم حسين : لهتلر ، علّق خلف بحماس : ( أي والله الانكريزي صارله سنين لابس كرك الرياسة) والجدير بالذكر ان الكرك فرمان يصدر من اسطنبول بتنصيب احد الرجال شيخا ورئيسا على الناس وهذا كان من أولويات السيطرة على الفلاحين وظلمهم وخلق طبقة الإقطاع ، وبدأ خلف يتندر على الانكليز وان هتلر سيهلس ريشهم ، (بلابوش دنيا). ثم عاد حسين الى الخيرة ثانية فصادف أن تلا بيت الأبوذية : (شسوّي للبخت لو مال والحظ يجيب الصاحبه وين الردية) والبيت يحتاج الى شطرين آخرين ، ولا ادري لم اراد أبو كَاطع أن يورده على هذا النحو ، ربما لأن الشطرين الأولين لا يناسبان مقتضى الحال ، وهنا نوى حسين الخراب وتمنى الهزيمة للإنكليز ، وحين رأى ولده ملا نعمة متحمسا للجيش السوفييتي وزهوه بانتصاراته قال له : (اسمع بويه آنة بيني وبين الانكريز عداوة ، عداوة وكسر عظم ، كلمن ايحارب الانكريز آنة أفرح له ، لا تكلي هذولة الروس حكومة عمال وفلاليح عساهم حكومة ملايكة ، هاي ما افتهمتها، آنة ضد الانكريز وكل اليعاديهم صاحبي). ويعود أبو كاطع الى خلف الذي يرى للحرب مساوئ أحداها لم يغفرها لها حين تعذر الحصول على كفن لـ(غافل) الا بعد تقديم عريضة لدائرة التموين ولذا تأخر دفن الجثة يومين ، أجهش خلف بالبكاء وهو يقول : (ويلي يربي حتى جفن الميت بالتومين؟ يا ربي لو ماخذ أعمارنا من جان الخام جثير). هذه العملية السياسية مع ديمقراطيتها السطحية التي تمر بنا اعادت ترجيح كفة من أفرزتهم الحرب لأن الحرب حمى كما يقول (حسين) وهي التي تأتي وتؤسس للبيروقراطية تأسيساً جيداً حتى تصبح البيروقراطية واحدة بين البنى الاجتماعية التي يصعب تحطيمها – كما يقول – ماكس فيبر عالم الاجتماع الألماني. لقد مرّ العراق بمرحلة خطيرة جعلت الشعب يسلم نفسه لأي كان ، كي يخرج من هذه المرحلة حتى لو أدى الأمر الى خلق طبقات جديدة متنوعة من السياسيين والمنتفعين وأصحاب المصالح الضيقة ولذا كانت النتيجة كما نرى ونعيش ، اغتنى الكثيرون على أساس تعب العموم الأغلب من الشعب ، ما ادى الى ظهور نتائج الاختيارات السريعة وغير المحسوبة ، الكثير من التخلف والتراجع في مستويات عديدة. نحن الآن لا نريد اصلاح الخطأ بخطأ كما تمنى (حسين) انتصار هتلر وانما نريد ان نحدد مسارنا الاجتماعي ومنهجنا الاقتصادي كي لا يضطر أحدهم العودة الى اربعينيات القرن الماضي وينتظر الكفن في البطاقة التموينية ، نحن مقبلون على مرحلة جديدة ربما ستفرز الكثير وستظهر المرحلة احتياجات أخرى وربما تصبح العودة الى الخلف منهجا للبحث عن الآثار المنقرضة في عقلية الجماهير ، ولذا علينا أن ننبه ونتمسك بوصية الفلاح الذي أدركه الموت فأخبر أولاده أن في الأرض كنزاً عليهم أن يبحثوا عنه ، وبدأ الأولاد عملية الحفر لكنهم لم يجدوا شيئاً وحين رأوا أن الآرض قد حرثت وأصبحت طيبة بدأوا زراعتها وجني خيرها الوفير. على من يغادر الساحة أن يبقي للآخرين على الأقل منهجاً للبحث والاستمرار لا أن يعتبر الأمر هزيمة ويحاول أن يأخذ ما يأخذه المهزوم ويهرب.