كيف أطّر الصراع والتعاون الرجال والنساء منذ ما قبل التاريخ وحتى الآن

Tuesday 16th of October 2012 06:04:00 PM ,
العدد : 2624
الصفحة : تقارير عالمية ,

ترجمة عبدالخالق علي
بقلم/  بول سيبرايت
ماذا قدمت الرأسمالية للمرأة؟ ليس كثيرا كما نعتقد، فنصف الشركات الكبرى في بريطانيا مازالت تضم هيئات معظمها من الرجال، 19 مديرا تنفيذيا من بين كل 20 هم من الرجال، واثنان من المدراء من بين كل ثلاثة. المرأة تجيد قيادة الطائرات إلا أن 99% من الطيارين هم من الرجال. المرأة التي تحمل المؤهلات نفسها تعمل لست ساعات من اجل أن تكسب ما يكسبه الرجل في خمس ساعات، و مع هذا فإنها تتعرض إلى خطر فقدان الوظيفة. أليس هذا ظلما؟
من ناحية اخرى، لم تكن حياة المرأة جيدة قبل الرأسمالية والاشتراكية معا... ففي أحلامنا يمكن للرأسمالية ان تؤدي إلى تفاوت هائل في الثروة، إلا أن فكرة الحقوق المتساوية مبنية في صميم مفهوم  السوق الرأسمالية المفتوحة. ربما ليس من قبيل الصدفة أن قرن انتصار الرأسمالية كان قرنا للمرأة العسكرية أيضا. ربما تكون الرأسمالية فعلا أفضل صديق للبنت.
ماركس وانجلز لديهما نفس الفكرة تقريبا. لم يكونا حالمين بالسوق الحرة، لكنهما أحبا منظر الرأسمالية وهي تهدم حواجز الإجحاف الإقطاعي. الرأسماليون، كما يشير البيان الشيوعي، لا يهتمون بالتمييز ضد المرأة: العمال هم العمال، و الاجور هي الأجور. الا ان انجلز سرعان ما أدرك ذلك، فاذا كان الهدف من  الرأسمالية الغاء عدم المساواة بين الجنسين فقد أخذت وقتا كافيا. صار انجلز مفتونا بفكرة "الشيوعية البدائية"، ويحب ان يتخيل القبائل الرحالة القديمة حيث تهتم المرأة بالأطفال بينما يستجدي الرجل حبها. في عصر الصيد كما يبدو، كانت الاخت قوية والأمومة هي التي تحكم. إلا أن الاستيطان الزراعي وظهور الملكية الخاصة وضعت حدا لكل ذلك: حيث أصبح الرجل منشغلا بخطر ترك ثمار عمله لأطفال قد لا يكونون من صلبه، و قام ببناء  سجن الزواج الاحادي وحبس المرأة في داخله . لذلك فان "دحر الجنس الناعم تاريخيا" – كما يدعوه انجلز – هو كارثة مازالت لم تأخذ بثأرها بعد عشرات الآلاف من السنين.
لم يأت بول سيبرايت على ذكر ماركس او انجلز، الا انه في كتابه الجديد البارع الغني بالمعلومات يلتقط قصة المرأة والرأسمالية التي تخلت عنها. سيبرايت هو رجل اقتصادي من خلال التجارة برغم أن بعض زملائه يعتبرونه شاذا و حتى فاجرا. موضوعه الخاص هو ما يدعوه " التاريخ الطبيعي للحياة الاقتصادية" ، او كيف تطور الجنس الاحادي الى اقتصاد احادي، وان الخط الذي يسير عليه هو أن اقتصاد السوق العصري  ليس نتيجة طبيعية للتقدم التاريخي و انما هو نتيجة غير محتملة لسلسلة من الحوادث. انه ليس واحدا من اولئك الاصوليين الذين يرون السوق على انه ماكنة نظيفة جدا تدور بشكل مثالي طالما هي محمية من التدخل الخارجي. الا انه ايضا ليس راديكاليا لا يرى شيئا في السوق غير الجشع و فوضوية قانون الغاب. السوق كما يراها هي مؤسسة رائعة تخطط لاحتياطات واسعة ومعقدة من الثقة المتبادلة. في الاقتصاد، كما في الرياضة، حيث تفترض المنافسة مسبقا مجموعة من القواعد المتفق عليها. في كتاب "شركة الغرباء" لعام 2004 يقول  سيبرايت " الحياة اليومية اغرب مما نتصور". قبل عشرة آلاف سنة كنا نتجول في الغابات في مجموعات عائلية صغيرة "عنيفة ، متنقلة ، و مريبة جدا". اما اليوم فنحن نؤمّن حاجياتنا اليومية من شبكات هائلة من القناعة و التعاون لا يمكن لأحد أن يفهمها او يسيطر عليها. الشيء الغريب في السوق العصرية هو ليس لانها تسير بطريق الخطأ، و انما لأنها لا تعمل ابدا . يمكن معرفة ما يعنيه سيبرايت، فقبل ثلاثة اسابيع كانت هناك قاعة مهجورة على الطريق بالقرب من شقتي، في غضون ايام حولها مجموعة من البنائين الى مجال لبيع المفرد و سرعان ما امتلأت بالملابس و الاحذية باحجام و اشكال لا تعد و لا تحصى و باسعار زهيدة اشتريت منها جهاز راديو بسماعات للأذن لم يكلفني اكثر من سعر قدح من البيرة. لماذا يخفق  نظام يوفر الحاجيات باسعار رخيصة عندما يتعلق الامر بالمساواة بين الجنسين؟ التفسير البسيط القائل ان - المرأة اقل كفاءة من الرجل – لا يخضع للفحص و الاختبار . يستنتج سيبرايت، بعد مسح نتائج الاختبارات النفسية، بان الفروق بين الرجل و المرأة صغيرة جدا لا يمكن احصاؤها بخصوص التفاوت في امكاناتهما الاقتصادية . لغرض  المقارنة، فانه يتأمل النتائج الاقتصادية لطول القامة. فالاشخاص الطوال يكسبون اكثر من القصار مثلما يكسب الرجل اكثر من المرأة. لكن هناك على ما يبدو صلة حقيقية بين الطول و الموهبة المستغلة، وان العمال ذوي الاطوال المختلفة سيواجهون نفس الإمكانات الاقتصادية اذا ما كانوا متساوين في إمكانات أخرى. الجنس يختلف –لكن لماذا؟ اذا توافقت الممارسة الرأسمالية مع النظرية الرأسمالية، فعندها يقبل أصحاب العمل  النساء بدل الرجال حتى تتسبب  ندرة العمال برفع  أجورهن. كيف يكون السوق بهذا الغباء؟
كما فعل انجلز، فان سيبرايت يبحث عن تفسير لما قبل التاريخ لكن بمقابض دارونية . أجدادنا من العصر الحجري ما كانوا ليصبحوا أجدادا لو انهم لم ينجحوا في التفكير في بعض المشاكل الصعبة في التعاون الاجتماعي، ولما كانوا سعداء بالعثور على شريك وإنجاب طفل، وكان عليهم ضمان تغذيته ورعايته خلال طفولته لكي يتمكن بدوره من التكاثر مرة اخرى . لكن المشاكل التي  واجهت  آباءنا الطموحين لم تكن نفس مشاكل امهاتنا الطموحات . فالمرأة لن تجد صعوبة في العثور على من يجعلها تحمل، بينما يخاطر كل رجل في ان يكون هدفا وراثيا. لذا فالرجال بحاجة الى "الاعلان" – عليهم ان يؤثروا في النساء من خلال قدرتهم على الحماية و توفير ضرورات الحياة . النساء يعلنّ ايضا لتطمين الرجال بالتزامهن برعاية الطفل. باختصار فان جائزة الأبوة ذهبت الى الذين لديهم افضل القدرات. ادمغة القرن الحادي والعشرين مبنية حسب الحامض النووي الذي ينحدر من رجال العصر الحجري.نحن مثقلون بالعواطف الذكرية و الانثوية التي تعود، كما يقول سيبرايت، الى ايام كان الجنس "ليس مسألة اسلوب حياة وانما حياة و موت". سيبرايت ليس مهووسا عصابيا: عواطفنا القديمة التي عفا عليها الزمن  هي حقائق بحاجة الى ان نعيش معها و ليست قوانين علينا اطاعتها. نحن  لسنا مدفوعين آليا بالغرائز الاساسية، و لكن تستغفلنا آلات الدعاية القديمة المتأصلة في رؤوسنا . عندما يحاول الرجال تضخيم قدراتهم على التحمل او عندما تعرض النساء التضحية بالنفس، فانهم يسقطون في "فخ الانذار" الذي يمكن لهم تفاديه  لو ارادوا ذلك . كما ان المستخدمين الذين لديهم قليل من الخيال يجب عدم خداعهم،حيث يمكنهم تدريب أنفسهم ليروا أن بطل العمل الذي يشغل نفسه بساعات عمل طويلة هو في الحقيقة يشارك في شكل من أشكال الاستعراض الضائع ، وعلى المرأة أن لا تهمل عملها بسبب التزامها برعاية الطفل. قد يجد أصحاب العمل ان الذكور أكثر إنتاجا إذا ما اخذوا استراحات بقدر ما تأخذ النساء. أصحاب العمل الذين يهبطون الى فخ الانذار لا يظلمون النساء فقط و انما يضيعون فرصة تجارية ايضا. كل ما نحتاج القيام به، اذا ما كنا قلقين بشأن عدم المساواة بين الجنسين، هو إعطاء الرأسمالية فرصة. المتشائمون من كبار السن لن يقتنعوا بالطبع. عن طريق القفز مباشرة من العصر الحجري الى القرن الحادي و العشرين، فان سيبرايت قد نجح في تفحص و اختبار عدة مصادر عن استمرار عدم المساواة . و مثل الكثير من الاقتصاديين، فانه يقع في خطر التصور بان الحياة تنتهي عندما نتوقف عن العمل، إلا أن ثقته خادعة وليست أكثر من بصيص نور في عالم قديم قاتم.
عن الغارديان